ياسمين يوسف.. فخْر البحيرة، وفخْر مِصر، وفخْر العرب، بتفوقها وأخلاقها وعِلْمها وبِرِّها بأُسْرتها البسيطة.
ياسمين الطالبة التي حصلت في الثانوية العامة على مجموع 99.15%، والتحقت بنت عزبة الكوم بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة، بكلية الطب؛ لتحقق حُلم وأمل أسرتها المكافحة "الشقيانة" البسيطة، فالأب أُصيب بفيروس "سي" منذ سنوات طوال، والأم تبيع الخضراوات لتُنفق على مرض زوجها وعلى ياسمين وشقيقاتها.
الأم القُدوة والمَثَل والتاج على رءُوسنا جميعًا، واصَلَت الليل بالنهار في بيع الخضراوات، وأقسمت أن تُعلِّم ياسمين وأخواتها، وبالفعل كانت ياسمين أول فرحة الأم، وجاء نجاحها ليرسم البسمة على وجه الأسرة التي قلما فرحت أو أتاها خبر يدعوها للسعادة، لكن الفرح ارتسم على الوجوه والسعادة كَسَت الملامح، والفخر أزال التعب والشقاء.
والتحقت ياسمين بكلية الطب بجامعة الإسكندرية، لتبدأ أول خطوة في تحقيق حلم أبيها وأمها وشقيقاتها، لكن عاد الهم والتفكير ليحتل عقلها وقلبها من جديد، فمن أين لها بمصروفات وتكاليف كلية الطب؟ ومن أين لأسرتها بكل هذا؟ وتمنَّت أن تحصل على منحة من أي جهة لمواصلة تعليمها لكن لم يحدث هذا، وسلَّمت أمرها لله تعالى والتحقت بطب الإسكندرية.
ياسمين كانت لا تُردِّد إلا جملة واحدة للقاصي والداني: "نفسي أعوض أسرتي عن سنوات الشقاء.. لقد فعلت ما أستطيع، والآن أقف عاجزة أمام مصروفات الجامعة، وأخاف أن يضيع تعبي هباءً".
آه يا ياسمين! من يتحمل عواقب ونتائج أن يضيع حلمك أنت وأبوك وأمك وشقيقاتك؟! فوالله لا تطيق الجبال هذا، فأمك شرف لنا جميعًا، وأبوك شفاه الله وعافاه ستكون الجنة داره بسببك أنت وشقيقاتك.
مرت ياسمين، بعد عامها الأول في كلية الطب بظروف اجتماعية قاسية، هدَّدت الحلم، وهزَّت الأمل، واستدعت اليأس في قلوب الجميع؛ فتلك الظروف قد تمنع "المتفوقة.. المكافحة"، من تحقيق حلمها، وبالفعل اتخذت ياسمين القرارَ المُرَّ، والأصعب في حياتها، فقد قررت التخلي عن حلمها وعدم استكمال دراستها بكلية الطب.
لكنها إرادة الله، وجبره بخاطر ياسمين وأسرتها، فوصلت حكاية "ياسمين" لإدارة جامعة إسكندرية ورئيسها الدكتور الفاضل عبد العزيز قنصوه، الذي قرَّر توفير كل الدعم المعنوي والمادي لـ "ياسمين"، حتى تستكمل تعليمها وتفوقها في الجامعة.
جَبْر الخواطر، عدَّل مسار حياة ياسمين وأسرتها، جبر الخواطر أعاد رسمة بسمة أوشكت أن تموت، جبر الخواطر أحيا زهرة كادت أن تفارق الحياة، جبر الخواطر أكد للجميع أن مصر لا تنسى أبناءها.
وهنا أتوجه بدعوة رجال الأعمال بمساعدة جامعة الإسكندرية، حتى تستكمل ياسمين تعليمها، فقد يوجد ألف "ياسمين" لا نعلم عنهن شيئًا، وأدعو اللواء هشام آمنة محافظ البحيرة إلى تكريم ياسمين، ودعمها معنويًّا وماديًّا هي وأسرتها، كما أدعو الدكتور عبيد صالح رئيس جامعة دمنهور إلى تكريم ياسمين لتكون نموذجًا وقدوة ومثلا أعلى لطلاب جامعة دمنهور، يسيرون على دربها.
أيها السادة، اجبروا بخاطر ياسمين، اجبروا بخاطر أسرة ياسمين، فما أعظم جبر الخواطر.