بسبب المرض ابتعدت عني المنيا بالجسد ولكنها ظلت بالروح تعيش في وجداني، وقررت أخيرا أن أفك قيود مرضي وانطلق إلى مدينتي الحبيبة، ولكن المرض رفض التحدي ومن برودة تكييف عربة القطار إلى حرارة الجو بالمنيا، أصبت بنزلة برد شديدة، وكالعادة خاف الأطباء وأجريت التحاليل لكي نتأكد من عدم إصابتي بالكورونا ولمدة يومين لم أغادر الفراش، وفي اليوم الثالت اشتد عودي وخرجت إلى عرس الابنة ريهام والعزيز راسموس، في حفل بهيج بفندق ايتاب بالمنيا جضرة لفيف من الأهل والاصدقاء، عرفت الفرحة قلوبنا حينما تمت حنة الابنة العزيزة د ريهام رمزي والعريس الدنماركي راسموس، هكذا يصب النيل في بحر البلطيق، وتحل عذوبة النيل علي بحر الشمال، وعادت الضحكة علي الشفاة وعم الفرح القلوب مع فرحة ضحكات ريهام وراسموس.
شاهدت أصدقاء من كل حد وصوب، تذكرنا أيام الصبا وأغاريد المحبة، وعبد الرحيم علي وعادل الضوي ومصطفي بيومي ووجيه شكري، وضحكنا ملء شدقينا حينما تذكرنا تلك الأيام الخوالي، في المنيا في زمن كنا نواجه الإرهاب دون خوف، الكل يتذكر وينقل تحياته إلى عبد الرحيم علي وعادل الضوي ومصطفي بيومي.
الزغاريد من النسوة كأنها تتحدي زمن العنف والارهاب.
لإدراك ماهية ما يحدث، لابد أن نعرف أن المنيا بها مخزون تاريخى من العنف ففى عصر إخناتون عاشت المنيا أربع سنوات من العنف الدينى بعد التوحيد بين أصحاب ديانة التوحيد والديانات الأخرى، وصولا إلى ذبح قائد الحملة الفرنسية الجنرال «جماريس» أمام قرية على الأطراف الشمالية للمنيا تسمى الآن «دماريس» ة تبعد كثيرا عن الفندق المقام به الفرح، وربما يجهل الكثيرون أسباب التسمية "دماريس"، وفى 1882 وبعد هزيمة وانكسار عرابى شهدت المنيا المعارك والمذابح بين مناصريه وخصومه، وفى ديرمواس انطلقت ثورة 1919 حينما قلب الأهالى القطار وذبحوا المحتلين البريطانيين وبعدها اختلطت الدماء بـ«زلع» العسل الأسود، وصولا لسنوات الإرهاب الدموى «1985-1997» ونالت المنيا %45 من مجمل أحداث العنف، وكانت ومازالت الحاضنة، هناك 17 قرية حاضنة للإرهاب والتطرف منذ أربعين عاما فى المنيا وحتى الآن، وهناك أكثر من 140 قرية وعزبة تعيش تحت خط الفقر، وقرى أخرى تعيش على الاتجار فى المخدرات والسلاح والآثار، لكن المنيا التي لا يعرفها أحد، كثيرون يكتبون عنها "إمارة المنيا"، "عروس الصعيد"، نشأت وترعرعت فيها، منياوى وأفتخر إذا سرت على الكورنيش كأنك بالإسكندرية، لو تجولت فى أحياء "أرض سلطان" "شلبى"، تشعر أنك فى مصر الجديدة، وأن سهرت فى فنادقها وكافيهانها تعتقد انك فى المهندسين والزمالك، وحينما تزور القرى والنجوع والعزب التى تشتعل بالأحداث سيكون لك رأى آخر وكأنك في كابول ( المنيا 1241 قرية ونجع والأحداث تتكرر فى 42 منها فقط)، بها كل العصور الاثرية وغير مدرجة على الخريطة السياحية، تلك هي المنيا التي لا يعرفها أحد، المنيا التي في أرض المولد التي غير اسمها الجماعة الإسلامية إلي "حي مكة" كانوا يقبعون في مسجد صغير سموه مسجد الرحمن، كان علي بعد أمتار مقر حزب التجمع الوطني اليساري، حيث مقر الأهالي وعبد الرحيم علي يتلقي شكاوي ضحايا التطرف، وأذكر أحداث العنف في أبو قرقاص وحرق الكنائس، كنت بصحبة د. وجيه شكري والصحفي عبد الرحيم علي وكتبنا بشجاعة وعدم خوف وبعدها ذهب عبد الرحيم علي بصحبة رئيس التحرير فليب جلاب لمقابلة وزير الداخلية حينذاك شيخ العرب عبد الحليم موسي وتم إبعاد المحافظ ومدير الامن ومعظم ضباط أبو قرقاص.
يتذكر الأصدقاء من الزملاء القدامي بالتجمع سنوات مواجهة الإرهاب، ويتذكروننا ويطالبون من الله أن يطيل عمر عبد الرحيم علي وعادل الضوي ومصطفي بيومي ويترحمون علي الدكتور وجيه شكري.
قطع حبل تفكيري دخول العروسين، وموسيقي الفرح العالية التي غطي منها الفرح علي ذكريات قديمة لاتزال صالحة.