قال الراحل القمّص مكسيموس كابس راعي كاتدرائية مار جرجس الكبادوكي للأقباط الكاثوليك بالجيزة في أحد عظاته "قبل أن نبدأ في إيضاح هذه المشكلة كما أسميها وليست هي لا من باب العقيدة ولا من باب الطقوس ولكنها كانت من باب التشريع، والتشريع يتغير حسب تغير الأجيال والظروف والملابسات فكم من تشريعات تغيرت في أجيال سابقة وكم ستتغير في الأجيال اللاحقة.
وأضاف: "أقول إنّه لابد من التمهيد لمعرفة استعمال النعال في العصور التي كُتبت فيها أسفار الكتاب المقدّس وكيف تطورت.
أولًا: كانت تخلع النعال عند دخول أي إنسان بيته حتى ولو كان ضيفًا كان لا بد له أن يخلع نعليه احترامًا لمضيفه وكان صاحب البيت يأتي بالماء ليغسل أرجل ضيفه ولنا مثل في ذلك أن يسوع لما دخل بيت سمعان الأبرص لم يأته سمعان بالماء فدخلت المرأة الخاطئة وغسلت قدمي يسوع بدموعها ونشفتهما بشعر رأسها ومع دخول المدينة أة تغير الظروف تغيرت هذه العادة وأصبح بالعكس من باب الاحترام أن يدخل الإنسان لابسًا حذاءه وبغير ذلك يعتبر مهانة وعدم احترام لصاحب البيت المضيف.
ثانيًا: كانت تخلع النعال في أيام الحزن ولنا مثل في ذلك عندما قام أبشالوم لمحاربة أبيه داود حزن داود وخلع نعليه وسار حافيًا كما جاء في سفر صموئيل الثاني: «وصَعِدَ داوُدُ مُرْتَقى الزَّيتون، وكانَّ يَصعَدُ باكِيًا ورَأسُه مُغَطًّى، وهو يَمْشي حافيًا، كلُّ الشَّعبِ الَّذي معَه غَطَّى كُلُّ واحِدٍ رأسَه وصَعِدوا وهم يَبْكون» (15: 30).
وفيما بعد حرم الرب هذه العادة كما نقرأ في سفر حَزقيال النبي «تَنَهَّدْ ساكِتًا ولا تُقِمْ مناحَةً على المَيت، بلِ أعصِبْ علَيكَ عِمامَتَكَ، واجعَلْ حِذاءَكَ في رجلَكَ، ولا تُلَثِّمْ شارِبَيكَ، ولا تَأكُلْ خُبزَ الَنَّاس» (24: 17).
ثالثًا: كان تبادل النعال عربونًا لصدق البيع والشراء وهذا ما نقرأه في سفر راعوث «وكانَتِ العادةُ قَديمًا في إِسْرائيلَ في أَمرِ الفِكاكِ والمُبادَلَةِ، لإِثباتِ كُلِّ أَمرٍ، أَن يَخِلَعَ الرَّجُلُ نَعْلَه ويُعطِيَها لِصاحِبِه. كذا كانت صورةُ الشَّهادةِ في إِسْرائيل. فقالَ القَريبُ لِبوعَز: إِشترِ أَنتَ لِنَفْسِكَ، وخَلَعَ نَعلَه» (4: 7و8) وكما هو ثابت من الآية أن هذه العادة بطلت لأنّه يقول وكانت العادة قديمًا أيّ أنّه في وقت مراجعة هذا السفر كانت بطلت هذه العادة.
رابعًا: كانت الشريعة عند بني اسرائيل أنّه إذا مات رجل وترك امرأة بدون ذرية فليتزوج امرأته أخوه أو أبوه ليقيم لأخيه نسلًا وإذا رفض تخلع المرأة نعل الرجل وتتم هذه الاجراءات أمام شيوخ بني إسرائيل كما هو وارد في سفر تثنية الاشتراع «إِذا أَقامَ أَخَوانِ معًا، ثُمَّ ماتَ أَحَدُهما ولَيسَ لَه اَبنٌ، فلا تَصِرِ امرَأَةُ المَيتِ إلى خارِج، لِرَجُل غَريب، بل أَخو رَجُلِها يَدخُلُ علَيها ويتًّخِذُها اَمرَأَةً لَه، وهو يَقومُ نَحوَها بواجِبِه كأَخي الرَّجُل. ويَكونُ البِكْرُ الَّذي تَلِدُه منه هو الذَّي يَحمِلُ اسمَ أَخيه المَيت، فلا يُمْحَى اَسمُه مِن إِسْرائيل. فإِن لم يَرضَ الرَّجُلُ أَن يَتَّخِذَ امرَأَةَ أَخيه، فلتصعَدِ اَمرَأَةُ أَخيه إِلى بابِ المَدينَةِ إِلى الشُّيوخ، وتَقُلْ: قد أَبى أَخو زَوجي أَن يُقيمٍ لأَخيه اسمًا في إِسْرائيل، ولَم يَرْضَني زَوجَة. فيَستَدعيه شُيوخُ مَدينَتِه ويُكَلِّمونَه في ذلك. فإِن أَصَرَّ وقال: إِنِّي لا أَرْضى أَن أتَخِذَها، تَتَقَدَّمُ إِلَيه امرَأَةُ أَخيه حَضرَةِ الشُّيوخ وتَخلعُ نَعلَه مِن رِجلِه، وتَبصُقُ في وَجهِه وتُجيبُه قائِلةً: هكذا يُصنعُ بِالرَّجُلِ الَّذي لا يَبْني بَيتَ أَخيه. فيُدْعى في إِسرائيلَ بيتَ المَخْلوعِ النَّعْل» (25: 5-10). وقد بطلت هذه الشريعة بعد حلول المسيحية لا بل تُحرّمها جميع الكنائس.
يتضح من هذا التمهيد أن بعض العادات والشرائع التي سَنّها الرّب على يد موسى بطلت بظهور المسيحية لا بل حرمتها المسيحية تحريمًا كليًا واضاف قائلا والآن ندخل في موضوعنا: لماذا نخلع النعال في الهيكل؟
يقول إخوتنا الأقباط الأرثوذكس:لأن الهيكل مكان مقدّس وعلى حسب شريعة موسى يجب خلع النعال في المكان المقدّس ونجيب على ذلك أن أرض الكنيسة كلّها مقدّسة لأنّه عند تدشين الكنيسة يدهن كل ركن فيها وكل عمود منها بالميرون لتكرّس جميع أنحاء الكنيسة وأصبحت كلها مكانًا مقدسًا فإذا أردنا أن نسير على شريعة موسى يجب أن نفعل كما كان يفعل اليهود الذين كانوا يسيرون على حسب شريعة موسى وهي أن نخلع النعال عند دخولنا من بابًا الكنيسة وهذا ما يفعله إخوتنا المسلمون عند دخولهم الجامع لأنّهم يعتبرون أن المكان كلّه مقدّسًا فلماذا يفرّق إخوتنا الأرثوذكس بين الهيكل وباقي أجزاء الكنيسة بينما لم يأت هذه التفرقة لا في العهد القديم ولا في العهد الجديد.
وإذا قلنا أن الهيكل ينزل فيه السيد المسيح بلاهوته وناسوته في وقت التقديس أقول أن السيد المسيح ينزل فوق المذبح وليس على أرض الهيكل ولذلك لا يجوز أن ندوس المذبح بالنعال وإن قلنا أن الهيكل يشبه قدس الأقداس الذي لم يكن يدخله رئيس الكهنة إلا مرة في السنة ولا يمكن أن يدخل بدون دم كما ورد في الرسالة إلى العبرانيين ولم يكن يقدر أحد من الشعب أن يلتفت إليه نقول إن حجاب الهيكل أنشق من فوق إلى أسفل عند موت السيد المسيح على الصليب وأصبح قدس الأقداس مثله مثل بي الهيكل لا فرق بينه وبين أجزاء الهيكل فلماذا نحن الآن نفرق بين هذا وذاك وهذا إذا كنا نريد أن نسير على شريعة موسى.
وفي الواقع أن هذه الشرائع الطقسية بطلت مثل باقي الشرائع الأخرى الطقسية فمثلًا لم يرد في الكتاب المقدس العهد الجديد أنهم كسروا الخبز أيّ صنعوا ذكرى العشاء السريّ وهم خالعين لنعالهم فلماذا نحن نضع شرائع لم ترد في العهد الجديد ونجعلها فريضة على الرعاة وعلى الشعب.
ويمكننا أن نستوضح ذلك بالرد على الشق الثاني من الاستفسار الذي بعث به إلينا السائل الكريم.
لماذا يخلع الناس نعالهم عند التناول ويلبسونها مباشرة بعد ذلك في هذا الموضوع لم يساير إخوتنا الأقباط شريعة موسى بل خالفوها تمامًا.
ففي العهد القديم كان خروف الفصح يرمز إلى ذبيحة القداس فكما أن خروف الفصح خلص شعب بني إسرائيل من العبودية في مصر كذلك فصحنا الذي هو المسيح خلّص العالم من عبودية إبليس ولذلك نطلق على السيد المسيح كما قال يوحنا المعمدان: حمل الله الذي يحمل خطايا العالم وكان من بين هذه الشرائع الطقسية المفروضة على شعب بني اسرائيل عندما يأكلون خروف الفصح أن يلبسوا نعالهم في أقدامهم كما ورد في سفر الخروج «ويأكُلونَ لَحمَه في تِلكَ اللَّيلةِ مَشوِيًّا على النَّار، بِأَرغِفَةِ فطيرٍ معَ أَعْشابٍ مُرَّةٍ يأكُلونَه. لا تأكُلوا شَيئًا مِنه نِيئًا ولا مَسْلوقًا بِالماء، بل مَشوِيًّا على نارٍ مع رأسِه وأَكارِعِه وجَوفِه. ولا تُبقوا شَيئًا مِنه إِلى الصَّباح، فإِن بَقِيَ شيءٌ مِنه إِلى الصَّباح، فأَحرِقوه بِالنَّار. وهكذا تأكُلونَه: تَكونُ أَحقاوُكم مَشْدودةً ونِعالُكُم في أَرجُلِكُم وعِصِيُّكُم في أَيديكُم، وتأكُلونَه على عَجَلٍ فإِنَّه فِصحٌ لِلرَّبّ» (12: 8-11).
وبما أن السيد المسيح كان يتبع شريعة موسى في أكل خروف الفصح فقد أكل الفصح مع تلاميذه في العلية وبطبيعة الحال أكله وهو لابس نعليه وهكذا الرسل لم يخلعوا نعالهم عندما بارك السيد المسيح الخبز والخمر وقال لهم خذوا كلوا هذا هو جسدي واشربوا هذا هو دمي فمن أين أتى إخوتنا الأقباط الأرثوذكس بهذه الشريعة المناقضة إتمامًا لما ورد في شريعة موسى أن أرادوا أن يسيروا على شريعة موسى وإن قال حضرات الأخوة أن المناولة يجب أن تكون في الهيكل لأن جسد ودمّ سيدنا يسوع المسيح لا يصح أن / خارج الهيكل نقول لهم فلماذا يخرج الجسد خارج الكنيسة كلّها عندما نحمله كزاد أخير إلى المرضى في بيوتهم ولماذا نفرق بين أجزاء الكنيسة المكرّسة كلها وقد أصبحت أرضًا مقدّسة.
ثم أن الأقباط الأرثوذكس يأخذون معنى نعال أيّ المصنوعة من الجلد ويلبسون ما يسمونه بالتليك المصنوع من القماش أو الصوف فهل إذا لبسنا حذاء نعله من الشخب وليس من الجلد هل يمكن الدخول به في الهيكل.
إن كلمة نعل في الكتاب المقدّس تطلق على كل ما يلبس في القدم ولذلك إذا كنا نأخذها لهذا المعنى لا يجوز أن نلبس أي شيء مهما كانت المادة المصنوعة منه.
لا أريد أن أطيل في هذا الموضوع فلا نكن مثل الفريسيين الذين يتمسكون بالمظاهر وعنفهم السيد المسيح عندما كانوا يتمسكون بغسل الأيدي وغير ذلك من العادات الظاهرية بل طلب من الجميع كما طلب من السامرية أن الله روح ويريد أن الذين يعبدونه إنما يعبدونه بالروح والحق وليس بمظاهر خارجيّة.
ولذا اختلفت الطقوس في الكنيسة الواحدة سواء الكاثوليكية منها أو الأرثوذكسية فلكل دولة طقوس وعادات وتقاليد وهذا لا يمنع من كونها كنيسة واحدة تعبّد الإله الواحد وتؤمن بالسيد المسيح فادي الجنس البشري وتعلم تعاليمه العقائدية مهما اختلفت في طقوسها فالطقس هو واسطة لعبادة الله والوسائط كثيرة ولكن الغاية واحدة.