ينفتح الشعر على التجربة الإنسانية اللانهائية، متحركًا في فضاء الخيال والدهشة، محاولا إعادة بناء الوجود عبر أصواته الحميمية القريبة من روح المتلقي، ويُعد الشعر هو الوسيلة الأكثر فاعلية في التعبير عن الأحلام والانفعالات والهواجس التي تجوب الوعي الإنساني واللاوعي أيضًا، وتتنوع روافد القصيدة من حيث الموضوع والشكل ليستمر العطاء الفني متجددا ودائمًا كما النهر..
تنشر "البوابة نيوز" عددًا من القصائد الشعرية لمجموعة من الشعراء يوميًا.
واليوم ننشر قصيدة بعنوان "بشرى النبوءة" للشاعر عبدالله البردوني، وذلك تزامننا مع احتفالات المولد النبوي الشريف.
بشرى من الغيب ألقت في فم الغار
وحيا وأفضت إلى الدنيا بأسرار
بشرى النبوّة طافت كالشذى سحرا
وأعلنت في الربى ميلاد أنوار
وشقّت الصمت والأنسام تحملها
تحت السكينة من دار إلى دار
وهدهدت مكّة الوسنى أناملها
وهزت الفجر إيذانا بأسفار
فأقبل الفجر من خلف التلال وفي
عينيه أسرار عشاق وسمار
كأنّ فيض السنى في كلّ رابية
موج وفي كلّ سفح جدول جاري
تدافع الفجر في الدنيا يزفّ إلى
تاريخها فجر أجيال وأدهار
واستقبلت طفلا في تبسّمه
آيات بشرى وإيماءات إنذار
وشبّ طفل الهدى المنشود متّزرا
بالحقّ متّشحا بالنور والنار
في كفّه شعلة تهدي وفي فمه
بشرى وفي عينه إصرار أقدار
وفي ملامحه وعد وفي دمه
بطولة تتحدّى كلّ جبّار
وفاض بالنور فاغتم الطغاة به
واللّصّ يخشى سطوع الكوكب الساري
والوعي كالنور يخزي الظالمين كما
يخزي لصوص الدجى إشراق أقمار
نادى الرسول نداء العدل فاحتشدت
كتائب الجور تنضي كلّ بتّار
كأنّها خلفه نار مجنّحة
تعدو قدّامه أفواج إعصار
فضجّ بالحقّ والدنيا بما رحبت
تهوي عليه بأشداق وأظفار
وسار والدرب أحقاد مسلّخة
كأنّ في كلّ شبر ضيغما ضاري
وهبّ في دربه المرسوم مندفعا
كالدهر يقذف أخطار بأخطار
فأدبر الظلم يلقي ها هنا أجلا
وها هنا يتلقّى كفّ حفّار
والظلم مهما احتمت بالبطش عصبته
فلم تطق وقفة في وجه تيّار
رأى اليتيم أبو الأيتام غايته
قصوى فشقّ إليها كلّ مضمار
وامتدّت الملّة السمحا يرفّ على
جبينها تاج إعظام وإكبار
مضى إلى الفتح لا بغيا ولا طمعا
لكنّ حنانا وتطهيرا لأوزار
فأنزل الجور قبرا وابتنى زمنا
عدلا، تدبّره أفكار أحرار
يا قاتل الظلم صالت هاهنا وهنا
فظائع أين منها زندك الواري
أرض الجنوب دياري وهي مهد أبي
تئنّ ما بين سفّاح وسمسار
يشدّها قيد سجّان وينهشها
سوط.. ويحدو خطاها صوت خمّار
تعطي القياد وزيرا وهو متّجر
بجوعها فهو فيها البايع الشاري
فكيف لانت لجلّاد الحمى عدن
وكيف ساس حماها غدر فجّار؟
وقادها وعماء لا يبرّهم
فعل وأقوالهم أقوال أبرار
أشباه ناس وخيرات البلاد لهم
يا للرجال وشعب جائع عاري
أشباه ناس دنانير البلاد لهم
ووزنهم لا يساوي ربع دينار
ولا يصونون عند الغدر أنفسهم
فهل يصونون عهد الصحب والجار
ترى شخوصهم رسميّة وترى
أطماعهم في الحمى أطماع تجّار
أكاد أسخر منهم ثمّ تضحكني
دعواهم أنّهم أصحاب أفكار
يبنون بالظلم دورا كي نمجّدهم
ومجدهم رجس أخشاب وأحجار
لا تخبر الشعب عنهم إنّ أعينهم
ترى فظائعهم من خلف أستار
الآكلون جراح الشعب تخبرنا
ثيابهم أنّهم آلات أشرار
ثيابهم رشوة تنبي مظاهرها
بأنّها دمع أكباد وأبصار
يشرون بالذلّ ألقابا تستّرهم
لكنّهم يسترون العار بالعار
تحسّهم في يد المستعمرين كما
تحسّ مسبحة في كفّ سحّار
ويل وويل لأعداء البلاد إذا
ضجّ السكون وهبّت غضبة الثأر!
فليغنم الجور إقبال الزمان له
فإنّ إقباله إنذار إدبار
والناس شرّ وأخيار وشرّهم
منافق يتزيّا زيّ أخيار
وأضيع الناس شعب بات يحرسه
لصّ تستره أثواب أحبار
في ثغره لغة الحاني بأمّته
وفي يديه لها سكّين جزّار!
حقد الشعوب براكين مسمّمة
وقودها كلّ خوّان وغدّار
من كلّ محتقر للشعب صورته
رسم الخيانات أو تمثال أقذار
وجثّة شوّش التعطير جيفتها
كأنّها ميتة في ثوب عطّار
بين الجنوب وبين العابثين به
يوم يحنّ إليه يوم ذي قار
يا خاتم الرسل هذا يومك انبعثت
ذكراه كالفجر في أحضان أنهار
يا صاحب المبدأ الأعلى، وهل حملت
رسالة الحقّ إلاّ روح مختار؟
أعلى المبادئ ما صاغت لحاملها
من الهدى والضحايا نصب تذكار
فكيف نذكر أشخاصا مبادئهم
مبادئ الذئب في إقدامه الضاري؟!
يبدون للشعب أحبابا وبينهم
والشعب ما بين طبع الهرّ والفار
مالي أغنّيك يا طه وفي نغمي
دمع وفي خاطري أحقاد ثوّار؟
تململت كبرياء الجرح فانتزفت
حقدي على الجور من أغوار أغواري
يا "أحمد النور" عفوا إن ثأرت ففي
صدري جحيم تشظّت بين أشعاري
طه "إذا ثار إنشادي فإنّ أبي
حسّان" أخباره في الشعر أخباري
أنا ابن أنصارك الغرّ الألى قذفوا
جيش الطغاة بجيش منك جرّار
تظافرت في الفدى حوليك أنفسهم
كأنّهنّ قلاع خلف أسوار
نحن اليمانين يا طه تطير بنا
إلى روابي العلا أرواح أنصار
إذا تذكّرت عمّارا ومبدأه
فافخر بنا: إنّنا أحفاد عمّار
طه إليك صلاة الشعر ترفعها
روحي وتعزفها أوتار قيثار.