أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن أبلغ رد على الذين يخرجون علينا من وقت لآخر لتحريم الاحتفال بالمولد النبوي هو الاحتفال نفسه وتأصيل تاريخه.
وقال: كان مظهرًا من مظاهر الفرح والسعادة للأطفال الذين ينتظرون الحصان والعروسة ويسعدون بأكل حلاوة المولد ويسألون عن قيمة هذه الاحتفالية ويتعروفوا على سيرة الرسول الكريم ليقتدوا به وقد انفردت مصر عن سائر الدول الإسلامية بعمل عروسة وحصان المولد لإسعاد أطفالها، والتى بدأت منذ العصر الفاطمى
وعن أصول العروسة والحصان يرصد الدكتور ريحان عدة آراء ومنها أنهما تجسيد لأسطورة إيزيس وأوزوريس فى شكل حصان المولد المستوحى من تمثال "حورس" راكبًا الحصان ممسكًا بالسيف ليقتل رمز الشر "ست" والذى صور على هيئة تمساح، وفى شكل عروسة المولد وكرانيشها الملونة المستوحاة من جناح إيزيس الملون، وفى الفترة المسيحية بعد ذلك صنع مسيحيو مصر العروسة فى مصانع بمنطقة أبو مينا بكينج مريوط بالإسكندرية وكانت ترمز فى المسيحية إلى النفس البشرية وهى اللعبة المفضلة للبنات وصوروا الفارس وهو البطل الذى يمتطى جواده ويطعن الشر بحربته وهى الصورة التى استوحاها المسيحيون من النحت الذى يمثل حورس وهو يطعن (ست) رمز الشر
وأشاؤ الدكتور ريحان إلى دور مسيحيو مصر فى مظاهر الاحتفال بالمولد وكانوا متقدمين فى صناعة السكر منذ إنشاء أول مصنع عام 1811 وقامت عائلات مسيحية شهيرة بزراعته، وأنشئت مصانع للسكر فى أبو قرقاص وملوى بمحافظة المنيا وشهد العصر الفاطمى عملا دؤوبًا من المسلمين لإحياء مصانع الحلوى بمدينة أبو مينا التى أغلقت أبوابها وصادف ذلك احتفالهم بالمولد النبوى الشريف وبدأ العمال المسيحيون فى استئناف نشاطهم وصنعوا العروسة والفارس الممتطى الحصان كى يفرح بها الأطفال المسلمون والمسيحيون بعيدًا عن أى مدلولات دينية ثم صنعت العروسة والحصان من الحلوى وخامات مختلفة فى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف وكانت احتفالات المولد قومية يحتفل بها كل شعب مصر بنسيجه الوطنى مسلمين ومسيحيين وقد تعجب الباحث الفرنسي «إدوارد ليم لين» من احتشاد المسيحيين لمشاهدة حلقات المنشدين حتى أذان الفجر وكأن مصر مجتمعة كلها بداية من الأمير ولى العهد فى سرادقه حتى المزارعين والعمال والصناع للاحتفال بالمولد النبوى.
وأوضح الدكتور ريحان من خلال دراسة أثرية تاريخية للدكتور على أحمد إبراهيم أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة أن الحملة الفرنسية رصدت احتفالًا بالمولد النبوى الشريف فى الساحة الرحبة ببركة الأزبكية، حيث كانت تنصب السرادقات للدراويش وحلقات الذكر للمنشدين طوال الليل وكان الناس يجتمعون لمشاهدة المهرجين، وكان الخليفة الفاطمى يخرج راكبًا حصانه ومن خلفه سيدة القصر فى هودجها فى موكب مهيب يبدأ من قصر الخلافة وحتى مشهد الحسين رضى الله عنه، ومن هذا الموكب ظهر ما يعرف بحصان المولد وعروسة المولد، حيث صنع المصريون من السكر أشكالًا للحصان والعروسة الموجودة حتى الآن.
ولفت الدكتور ريحان إلى أن ليلة الاحتفال بالمولد النبوي كان يقيم السلطان خيمة بالحوش السلطاني فى القلعة ذات أوصاف خاصة تسمى “خيمة المولد” ويذكر ابن إياس أنها عدت من عجائب الدنيا وكان أول من وضع هذه الخيمة السلطان المملوكي الجركسي قايتباي وقيل في وصف هذه الخيمة إنها زرقاء اللون على شكل قاعة فيها ثلاثة أواوين وفي وسطها قبة مقامة على أربعة أعمدة وبلغت تكلفتها حوالي ثلاثين ألف دينار.
وأن هذه الخيمة لا ينصبها إلا ثلاثمائة رجل وكان يوضع عند أبوابها أحواض من الجلد تملأ بالماء المحلى بالسكر والليمون وتعلق حولها الأكواب الفاخرة المصنوعة من النحاس الأصفر والمزينة بالنقوش الجميلة وتربط هذه الأكواب بسلاسل من النحاس ويصّف حولها طائفة من غلمان الشربخانة لمناولة الوافدين من الناس ولا فرق بين صغير وكبير واستمرت إقامة هذه الخيمة حتى العصر العثماني.
وفي الليلة الختامية للاحتفال يظهر المقرئون براعتهم في التلاوة بآيات الذكر الحكيم فيتعاقب واحد بعد الآخر وبعد صلاة المغرب تمد الحلوى السكرية المختلفة الألوان وفي صباح يوم المولد يوزع السلطان كميات من القمح على الزوايا.
ويشير الدكتور ريحان إلى أقوال المؤرخ «عبد الرحمن الجبرتي»، الذي عاش في زمن الحملة الفرنسية على مصر الذى ذكر في كتاباته أن نابليون بونابرت اهتم بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة (١٢١٣هـ/ ١٧٩٨م) من خلال إرسال نفقات الاحتفالات وقدرها ٣٠٠ ريال فرنسي إلى منزل الشيخ البكري نقيب الأشراف فى مصر في حي الأزبكية، وكانت ترسل الطبول الضخمة والقناديل، وفي الليل تقام الألعاب النارية احتفالًا بالمولد، وعاود نابليون الاحتفال به في العام التالي لاستمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقادتها.