كل سنة وحضراتكم جميعًا بخير، فقد بدأت الدراسة في كل مدارس وجامعات مصر يوم السبت الموافق التاسع من أكتوبر ٢٠٢١.
أول أيام العام الدراسي له ذكريات لا تنسى، محفوظة في العقل والوجدان منذ أول يوم التحقت فيه بالصف الأول الابتدائي منذ أكثر من نصف قرن من الزمان. طقوس هذا اليوم سواء في مرحلة الطفولة أو المراهقة أو في مرحلة الشباب المبكر، والمرحلة الجامعية، مرورًا بذكريات أول أيام الدراسة بالخارج، ما زالت تمر أمام ذاكرتي مع بداية كل عام دراسي. حتى عندما تغيرت الأحوال، وأصبحت مديرًا لبرنامج تدريسي، ثم عميدًا لكلية الطب ثم نائبًا لرئيس جامعة، ما زلت أقتبس بعض الكلمات من تلك الجمل التي قالها لي أساتذتي الأفاضل، رحم الله من مات منهم، وأمدَّ الله عمر من تبقى منهم على قيد الحياة. كلمات الترحيب والتشجيع والتحفيز والنصح ببذل الجهد في الاستذكار، والحرص على الحضور المنتظم إلى قاعات العلم، ما زال صداها في أذني. كلمات التطلع إلى مستقبل أفضل للنفس والأسرة والمجتمع، والوطن العظيم الذي نعيش فيه، والإنسانية التي ننتمي إليها، وبث روح التفاؤل والأمل في غد أفضل، كلها كلمات ومواقف لأساتذتنا العظام الذين تتلمذت على أيديهم، وحرصت على أن أنقلها إلى طلابي في أول يوم من أيام العام الدراسي الجديد.
ذكريات أول يوم في الدراسة لها تأثير طويل الأجل في نفوس الصغار والكبار. كل كلمه قالها ناظر المدرسة، أو عميد الكلية عند استقبالنا كان له تأثير عظيم على شخصيتي حتى اليوم. وفي مقال اليوم أعرض بعض مما قاله اساتذتنا العظام عند استقبالهم لنا في أول أيام الدراسة؛
في المرحلة الابتدائية كان لقاء أول يوم مثل أيام العيد، حيث نتجمع في حوش المدرسة في طابور الصباح ونحيي العلم ثم نستمع إلى كلمة ناظر المدرسة. كانت كلمات الترحيب تمتزج بكلمات الحسم بضرورة الحضور والالتزام داخل الفصول من أول يوم في الدراسة.
أتذكر كلمة لناظر مدرستي الابتدائية، في قريتي الصغيرة وهو يكرم الأوائل في كل سنة من السنوات الدراسية السابقة، ويقول عبر مُكبِّر الصوت في أول يوم دراسي: "أتطلع لأن أرى صور العديد منكم على غلاف كتاب سلاح التلميذ"، حيث كان سلاح التلميذ (كتاب خارجي) يضع على غلافه صور أوائل الجمهورية في الشهادة الابتدائية. كانت كلمات التحفيز والتشجيع تشعل داخل عقولنا الصغيرة روح التنافس والحرص على الحضور والمشاركة الفعالة للفوز بكلمة مبروك أو الشرف برؤية صورتنا معلقة على الحائط داخل المدرسة أو على غلاف كتاب سلاح التلميذ. في المرحلة الإعدادية بين أعوام ٧٦- ٧٩، كان التشجيع يأخذ شكل مكافأة مادية أو رحلة إلى مصيف جمصة.
أتذكر أن مبلغ الخمسين جنيها وقضاء أسبوع في مصيف جمصة واستلام شهادة تقدير من المحافظ كانت بالنسبة لي ولأسرتي شرفا عظيما. في أسبوع مصيف جمصة جاء لزيارتنا والتحدث إلينا العديد من الشخصيات السياسية المرموقة وأتذكر منهم الأستاذ فكري مكرم عبيد رحمه الله وأتذكر صوته المنخفض ونبرته الهادئة وهو يقول لأوائل الشهادة الإعدادية: "أنتم أمل مصر".
أما في المرحلة الثانوية، ١٩٧٩-١٩٨٢، بمدرسة علي مبارك الثانوية بدكرنس، إحدى أعرق المدارس في مصر "أنشئت سنة ١٩١١"، كانت لنا جولات مع اوائل الطلبة في برنامج علي فايق زغلول رحمه الله. وكانت المدرسة تُعلق صور وأسماء أوائل الثانوية العامة على مستوى الجمهورية في واجهة المدخل إلى غرفة ناظر المدرسة. وبالمثل كان أوائل الصف الأول والثاني يتم تكريمهم في أول أيام العام الدراسي. أما مكافأة التفوق في الثانوية العامة فقد ازدادت إلى مبلغ "مائة جنيه" وشهادة تقدير وشهادة استثمار من البنك الاهلي المصري وتكريم من السيد المحافظ داخل قصر ثقافة المنصورة في يوم عيد العلم. وفي أول أيام الدراسة في كلية طب المنصورة، في أكتوبر سنة ١٩٨٢، جاء إلينا عميد الكلية المرحوم الأستاذ الدكتور محمد الشبراوي علي، ليقول لنا "اهلا بكم ابنائي الاعزاء، طلاب طب المنصورة الكرام. انتم شباب اليوم وأمل الغد وأطباء المستقبل. صحة المصريين والعرب أمانة بين أيديكم فصونوها. مصر تنتظر منكم الكثير فلا تخذلوها، وطب المنصورة تشرف بكم اليوم طلابا، وغدا زملاء في مهنة الطب العظيمة، وفقكم الله وسدد خطاكم". كانت هذه الكلمات الملهمة من عميد الكلية هي مفتاح الإصرار علي التفوق والدافع لبذل الجهد، والمحرك الداخلي لعدم الاستسلام لأي هزيمة والاصرار علي النجاح والمنافسة الشريفة وعلي ان اكون من بين الخمسة الاوائل علي دفعتي، وأن أحصل على تقدير عام ممتاز طوال سنوات الدراسة.
في بداية عام دراسي جديد، أدعو الله سبحانه وتعالى أن يكون عام خير وتوفيق ونجاح لنا جميعا، وأن نتكاتف جميعًا كل في مكانه لإنجاح محاولات الدولة المستمرة لتطوير التعليم المصري. وللزملاء الأعزاء العاملين في التدريس والتعليم، أرجوكم شجعوا الطلاب وانشروا بينهم روح التفاؤل وازرعوا فيهم الطاقة الإيجابية وحب العلم والمنافسة الشريفة. وللأبناء الأعزاء أكرر عليكم كلمة عميد طب المنصورة " مصر تنتظر منكم الكثير فلا تخذلوها".
وكل عام وأنتم جميعًا بخير.