احتفل البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، اليوم الأحد ، بالقداس الإلهي بمناسبة الأحد الخامس بعد الصليب، على مذبح كنيسة مار يوحنّا الرسول السريانية الكاثوليكية في مدينة أرنهِم – هولندا.
و قام البطريرك برسامة 17 شمّاساً قارئاً وأفودياقوناً (رسائلياً) لخدمة مختلف الإرساليات السريانية في المدن والمناطق الهولندية.
عاونه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب سعدي خضر كاهن رعية مار يوحنّا الرسول في هولندا، والأب رياض بهنام كاهن الرعايا والإرساليات في ولاية نورث راين فستفالن في ألمانيا. وخدم القداس شمامسة الرعية، والجوق الموحَّد في هولندا بقيادة الشمّاس جبرائيل عطالله، وحضرت القداس جموع غفيرة من الحضور
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، التي وجّه خلالها كلمة باللغة الهولندية للشباب الكثر الذين حضروا القداس، شكر البطريرك كاهن الرعية، الأب سعدي خضر، "على كلماتك الترحيبية، وعلى الخدمة التي تقدّمها لأولادنا الموجودين في إرساليات عديدة في هولندا، أشكرك لتلبيتك دعوة الخدمة بالرغم من صعوباتها والتحدّيات الجمّة التي تقدّمها"، مرحّباً أيضاً بالكهنة والشمامسة ومجلس الرعية والمؤمنين الذين تقاطروا من كلّ الإرساليات في هولندا، ومعبّراً عن "الفرح الكبير أن أكون بينكم، أيّها الأحبّاء، كالأب الراعي الذي عليه أن يسهر على أولاده جميعاً، وهذا ليس بمنّةٍ على أحد، لأنّ يسوع يذكّرنا دائماً أنّه: مهما عملتم فأنتم عبيدٌ بطّالون".
وتأمّل البطريرك بالعبارة الواردة في سفر المزامير "أحببتُ خدمة بيتكَ يا الله، وفي هذه العبارة "ينشد مرنّم المزامير فرحه للخدمة في الكنيسة، لأنّه يحبّ بيت الله. واليوم نفرح جميعاً لأنّ هناك شباب ورجال أرادوا أن يبرهنوا عن محبّتهم للرب ولكنيسته وللمذبح، وأن يتقدّموا من دون أيّ تردُّدٍ كي ينالوا درجات الشمّاسية الصغرى، كمرنّم وكقارئ وكأفودياقون (رسائلي)"، مشيراً إلى أنّ "كنيستنا السريانية حافظت على هذا التقليد العريق الذي يأتينا من عهد الرب يسوع، ومن قَبلِه أيضاً من العهد القديم، حيث كان هناك خدّامٌ للهيكل يُدعَون لاويين، أي يكرّسون وقتهم لهيكل الرب والاعتناء به والتشجيع على الصلاة وتقديم القرابين".
ونوّه البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، إلى أنّ "خدمة الرب اليوم، أيّها الأحبّاء، مسؤولية خطيرة لنا نحن الشرقيين القادمين إلى هذا البلد الجميل المتقدّم علمياً ومدنياً وحضارياً، ولكنّه يضعنا أيضاً إزاء تحدّيات كبيرة، إذ أنّ كثيرين من الشباب مخدوعون ويفكّرون أنّ حياتهم هي فقط على هذه الأرض الفانية، ويبنون مستقبلهم دون أن يفكّروا بأنّنا خُلِقنا له تعالى، وبأنّ يسوع خلّصنا كي نتبعه ونرافقه إلى ملكوت السماوات. هناك تجارب خطيرة جداً تعترض طريق شبابنا وأولادنا، وهذا أيضاً ينطبق عليكم أنتم، أيّها الأهل، آباء وأمّهات، أجداد وجدّات، كيف تقدرون أن تقدّموا هذه الرسالة والبشرى السارّة، أنّنا لم نُجعَل فقط للأرض، لكنّنا جُعِلنا للسماء".
ولفت مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان ، إلى أنّنا "نستعمل كلّ الوسائل المتاحة، علمية وتقنية وسواها، ولكنّها تبقى وسائل وليست هدفاً، فعلينا أن نعرف كيف نستعملها، كي نبني معاً ملكوت الله على هذه الأرض التي يجب أن تكون صورةً لملكوت السماوات. التحدّيات خطيرة جداً، وهذا تعرفونه جيداً، منذ أن أتيتم إلى هذا البلد هولندا، حيث أنّ هناك أموراً تعارض إيماننا وأخلاقيتنا المسيحية وتربيتنا وتراثنا الذي ورثناه من آبائنا وأجدادنا في الشرق على مرّ العصور، وهم قد أخذوا إيمانهم بجدّيةٍ، ولم يكونوا يتراجعون البتّة، بل قدّموا حتّى ذواتهم وسفكوا دماءهم من أجل هذا الإيمان".
وتوجّه إلى الشباب، ومن بينهم المرتسمون الجدد: "أنتم ستُرسَمون باسم الرب يسوع شمامسةً، نعم كما قلتُ للأسف هذا البلد الذي كان شعبه مؤمناً، ومنه انطلق رسلٌ كثيرون وبشّروا، اليوم للأسف كثيرون لا يؤمنون إلا بالمادّة، وقد سيطرت العلمنة، وهذا أمر خطير جداً على حياة الشباب. أمّا نحن، فيجب أن نعتزّ بجذورنا السريانية، وبلغتنا السريانية التي تكلّم بها الرب يسوع ووالدته القديسة مريم العذراء والرسل الأطهار".
وجدّد غبطته شكره للمؤمنين على "حضوركم ومشاركتكم فرحة أولادنا الذين سينالون الرسامات الصغرى. كونوا دوماً فخورين بجذوركم الإيمانية، وبتراثكم السرياني، وبلغتكم السريانية التي تقدّست بفم الرب يسوع ووالدته مريم العذراء ورسله"، مشيراً إلى أنّنا "كنّا منذ ثلاثة أشهر في زيارة إلى الأراضي المقدسة، وذهبنا وصلّينا تشمشت (خدمة) العذراء والنشيد السرياني المخصَّص لتكريمها أمام مذبحها في الناصرة، ورنّمنا هناك باللغة السريانية، اللغة الأمّ لمريم العذراء، إذ كانت تتكلّم بها في المنزل مع ابنها ربّنا يسوع المسيح".
وفي ختام موعظته، تضرّع البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي "إلى الله لكي يباركهم ويجعلهم دائماً خميرةً في الكنيسة وشهوداً له ولمحبّته وفرحه وخلاصه أينما كنتم، لا سيّما في هذا الزمن الطقسي الذي نكرّسه للصليب المقدس، علامة النصر وآية السلام، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، ومار يوحنّا الرسول، وجميع القديسين والشهداء".
وكان الأب سعدي خضر قد ألقى كلمة عبّر فيها عن عميق فرحه وسروره، باسمه الشخصي وباسم المجلس الراعوي وجميع المؤمنين، بالزيارة الأبوية الراعوية لغبطة أبينا البطريرك، كي يتفقّد المؤمنين، مرحّباً بغبطته، منوّهاً إلى أنّ "هذا ما عهدناه فيكم، يا صاحب الغبطة، أباً يسأل ويطمئنّ على أبنائه، فلا أنسى أبداً رسالتكم الأبوية التي وجّهتموها إلينا في بداية تفشّي وباء كورونا، وعندما حصلت أعمال الشغب في جنوب هولندا، وكذلك عندما اجتاحت الأمطار جنوب هولندا، فكنتم دائماً تسألون وتطمئنّون على أبنائكم في هذا البلد".
وتابع الأب سعدي: "عهدناكم أباً يسهر على راحة أبنائه، فهنا تشهد لكم هذه الكنيسة على ذلك، فقد اشتريتموها لتساعد المؤمنين على عيش حياتهم الإيمانية والروحية، ونحن شاكرون وممتنّون جداً لغبطتكم. أمّا أنا فقد اؤتُمِنتُ من قِبَلِكم على هذه الرعية، وهذا يعكس ثقتكم بي، وها إنّي اليوم أجدّد العهد أمامكم أن أبقى أميناً على هذه الوزنات".
وختم الأب سعدي كلمته الترحيبية: "بكلّ حبٍّ واحترامٍ وشوقٍ نستقبلكم، ونفرش بالورود والزهور طريقكم، ونعطِّر حبر الكلمات بالمسك والعنبر لتليق بمقام غبطتكم، فقد امتلأنا فرحاً بقدومكم وزيارتكم الأبوية المباركة. أشكر جميع العاملين معي في خدمة هذه الرعية بكلّ إرسالياتها ومراكزها، وأطلب من الرب أن أكون عند حسن ظنّ غبطتكم والجميع، لخدمة الكنيسة وهذه الرعية".
وقبل المناولة، أقام غبطة أبينا البطريرك رتبة السيامة الشمّاسية بالدرجات الصغرى، المرنّم والقارئ والأفودياقون (الرسائلي)، بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، منح خلالها هذه الدرجات إلى 17 شابّاً من مختلف الإرساليات السريانية الكاثوليكية في هولندا، حيث قصّ غبطته شعر المرتسمين، ووضع عليهم اليد، مع صلاة حلول الروح القدس، ليلبسهم الهرّارات البهيّة، وسط جوٍّ من الفرح الروحي العارم والزغاريد والتصفيق.
وبعد البركة الختامية، التقى غبطته حشود المؤمنين في صالة الكنيسة، فنالوا بركته الأبوية. ثمّ قدّم الجميع التهاني للشمامسة المرتسمين الجدد، فيما البهجة تغمر كلّ المشاركين في هذه المناسبة المباركة، والتي جاءت مصدر تعزية ورجاء، خاصّةً بعدما انقضت الفترة الصحية العصيبة التي جرى خلالها تطبيق الإغلاق إثر تفشّي وباء كورونا.