قدم الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، التهنئة للفائزين بجوائز المشروع الوطني للقراءة في نسخته الأولى من أبناء مصر طلابا ومعلمين من الأزهر الشريف ووزارة التربية والتعليم والجامعات المصرية، موضحًا أن المتأمل للآيات الأول من سورة العلق، يجدها تدعو للعجب، فمن بين عشرات الموضوعات الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي حملتها آيات القرآن يبدأ الله عز وجل وحيه للبشرية بهذا التكليف، ألا وهو الأمر بالقراءة.
وأضاف وكيل الأزهر، خلال كلمته في الحفل الختامي للمشروع الوطني للقراءة، أنه لو تأملنا عناية القرآن والسنة بالقراءة والعلم لطال بنا المقام، ويكفي ما أشارت إليه بعض الدراسات من أن مادة العلم بمشتقاتها وردت في القرآن سبعمائة وتسعة وسبعين مرة، فضلا عما يشير إلى العلم بغير هذا اللفظ من مواد العقل والنظر والفكر والحكمة، بالإضافة إلى ما في السنة النبوية من أحاديث مباركة تدعو للقراءة والعلم، وتؤكد فضله.
وأوضح الدكتور الضويني أنه من يتأمل التاريخ وما فيه من مراحل ضعف وقوة لأدرك أن القراءة الواعية كانت سببا قويا من أسباب تقدم الأمة، وأن الانقطاع عن القراءة كان وسيظل سببا في ضعف أثرها، وخفوت صوتها، ولا شك أن للقراءة أهمية كبرى، فهي أساس تكوين الإنسان وبنائه، وقد نقل أن الفراعنة حين بنوا أول مكتبة كتبوا على جدارها : « هذا غذاء النفوس وطب العقول »، وهذا المعنى مستمر فينا بل في الأمم كلها.
وبين وكيل الأزهر أن القراءة الإبداعية تعول عليها الأوطان؛ فهي مسؤولية المجتمع كله بكل أفراده ومؤسساته الفاعلة المؤثرة، بدءا بالأسرة التي تقف بعضها للأسف عند استخدام الكتاب كديكور أو زينة، ومرورًا بالمدرسة التي اختزلت القراءة في نشاط مدرسي لا يلقى إلا أقل عناية واهتمام، وانتهاء بالمؤسسات المتنوعة التي يمكنها أن تغير خريطة العقل الجمعي للوطن بما تتيحه من برامج قراءة نافعة.
وأوضح فضيلته أننا نعاني في الفترة الأخيرة من سيطرة التكنولوجيا على أدمغة بعض الناس، وتوجيه سلوكهم، وبخاصة الشباب الذين تعقد الأوطان عليهم أمالها، وترى فيهم الغد المشرق، وقد تضافر هذا الفيض التكنولوجي مع عوامل أخرى في إحداث تدن في مستوى القراءة؛ فقد تقلص زمن القراءة لصالح وسائل التواصل الاجتماعي التي تبث ما لا نعرف له مصدرا آمنا، والحقيقة إن التكنولوجيا – بالرغم مما تحمله من قلق- يمكنها أن توفر مجالا واسعا للقراءة والاطلاع، يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية والثقافية.
واختتم وكيل الأزهر كلمته أنه إذا كانت الأوطان تعلي بالأمن والأمان فإن من أهم مقوماته « الأمن القرائي » الذي يصون العقول ويوجه الأفكار ، ويحكم السلوك ويحفظ الهوية، مؤكدًا أن القراءة المنظمة الواعية تنتقل بالناس من الضعف والهوان إلى القوة والعزة، وأنه إذا كانت المجتمعات تخشى الكوارث، فإن من الكوارث المدمرة أن تتخلى الأمة عن القراءة، وهي أمة « اقرأ »، وأن تتأخر في العلم، وهي أمة العلم.