قدم الدكتور عبد الرحمن حماد، طبيب الأمراض النفسية وعلاج الإدمان، المدير السابق ومؤسس وحدة الإدمان بمستشفى العباسية، دراسة حديثه حول "إدمان المنشطات الرياضية".
وقال حماد إنه مُنذ قرابة أسبوع، توفي لاعب كمال أجسام أمريكي شهير "جورج بيترسون" عن عمر ٣٧ سنة، حيث وجد اللاعب ميتا في غرفته في الفندق، وهو يستعد للمشاركة في بطولة مستر أولمبيا، التي تُعد أشهر مسابقة دولية للاعبي كمال الأجسام. مات قبل البطولة بيومين فقط، وحتى اللحظة لم يُعلن سبب الوفاة.
ورصد "حماد" وفيات لاعبي كمال الأجسام في سن صغيرة مؤكدا انها احداث مشهورة وملفتة للانتباه، وجاء فيها أن من أهم اللاعبين اللذين توفوا في سن صغيرة وفي ظروف غريبة وهم في أوج مجدهم:
- مايك ماتارازو (أمريكي) توفي وعمره ٤٨ عاما
- دالاس مكارفر (أمريكي) توفي وعمره وعمره ٢٦ عاما
- أندرياس مونزر (نمساوي) مات وعمره ٣١ عامت
- أنتوني داريزو (أمريكي) توفي وعمره ٤٤ عاما
- ناصر السنباطى (مصري) توفي وعمره ٤٧ عاما
- جريج كوفاكس (كندي) توفي وعمره ٤٤ عاما.
وأشار إلى أن وفيات اللاعبين في سن صغيرة جعل فريق طبي يقوم بإجراء دراسة موسعة على ١٥٧٨ لاعب من لاعبي كمال الأجسام، تنافسوا خلال الفترة من ١٩٤٨ إلى ٢٠١٤، نُشرت في المجلة الأمريكية لطب المسالك البولية American Journal of urology عام ٢٠١٦، حيث تم الحصول على بيانات كاملة لحوالي ٥٩٧ لاعب، وتم الحصول على بيانات كاملة لحوالي ٥٨ حالة وفاة من هذه المجموعة، وكان متوسط السن عند الوفاة حوالي ٤٧ سنة.
وتمت مقارنة معدلات الوفيات بين لاعبي كمال الأجسام وبين معدلات الوفاة بين السكان المحليين لنفس الفئة العمرية، ووجدت الدراسة ارتفاعا في نسبة الوفاة بين لاعبي كمال الأجسام مقارنة بنظرائهم من السكان المحليين من نفس الفئة العمرية بنسبة ٣٤٪، بل إن معدل الوفاة بين اللاعبين في الفئة العمرية من ٤٥ إلى ٤٩سنة كان أعلى بمعدل ٣ أضعاف من الطبيعي.
ونوّه مؤسس وحدة الإدمان بمستشفى العباسية، إلى دراسة علمية أخرى نشرها موقع pubmed عام ٢٠١٨، كانت تبحث في العلاقة بين اضطراب الأكل النفسي وبين اضطراب تشوه صورة الجسم عند عدد من لاعبي كمال الأجسام، أجريت على ١٢٠ من لاعبي كمال الأجسام، وخلصت إلى وجود علاقة إيجابية بين اضطراب صورة الجسم بين لاعبي كمال الأجسام، وهو اضطراب نفسي يُشعر صاحبه دائما بعدم الرضا عن صورة جسمه، ويدفعه دائما للتركيز بصورة مبالغ فيها مع جسمه أو الانشغال دائما بصورة الجسم.
وبحسب حماد، فإن بعض هذه العيوب قد لا يلاحظها الآخرين، وهو الأمر الذي يدفع لاعب كمال الأجسام لممارسة سلوكيات غير صحية في نظام الأكل، كما يدفعه للإضرار بنظامه الغذائي، مما يؤدي به لممارسة سلوكيات غير صحية تضر بتوازن الجسم وتضر بالقلب وبالجهاز الهضمي، كما تضر بعظام الجسم حتى بصحة الأسنان لدى اللاعب.
وأوضح، إنه رغم أن نتائج تشريح جثة اللاعب الأمريكي جورج بيترسون لم تظهر بعد، إلا أن أغلب التوقعات تشير إلى استخدام مدّرات البول بكميات كبيرة قبل البطولات، للتخلص من أي كمية مياه في الجسم، ولإظهار العضلات بشكل أفضل، أو عمل Muscle Definition. الأمر يصل ببعض اللاعبين إلى أن يتوقف عن شرب الماء تماما قبل البطولة لمدة ٢٤ ساعة! وعادة يسبب استخدام المدّرات بهذا الشكل هبوط حاد في الدورة الدموية، ويكون هذا هو سبب الوفاة، خاصة قبيل البطولات.
وأشار إلى ان الدراسات تحذر من استخدام المنشطات الرياضية، وقالت إن استخدام المنشطات الرياضية يدمر القلب والشرايين، إذ يحدث نتيجة استخدام هذه المنشطات مشكلة في ضخ القلب للدم، ويترتب عليها حدوث تصلب الشرايي، موضحا ان ما يقدّر بـ ٣ ملايين إلى ٤ ملايين أمريكي يستخدمون المنشطات الأندروجينية (التستوستيرون أو المشتقات الصناعية من هرمون التستوستيرون) للحصول على كتلة من العضلات الرياضية أو لتعزيز المظهر.
وكشف هذا الاستخدام يمكن أن يؤدي إلى تضييق الشرايين التاجية وإضعاف وظيفة البطين الأيسر؛ وضيق الشرايين التاجية من ناحية، وضعف البطين الأيسر من ناحية اخرى، يمكن أن يقلل من كمية الدم المؤكسد الواصل إلى القلب، وبالتالي يقل الدم المؤكسد من القلب إلى الشرايين. ويكون أحد أكثر أسباب الوفاة.
إدمان المنشطات الرياضية
وعن "إدمان المنشطات الرياضية" قال حماد، أته يُصنف في المراجع العلمية كأحد أنواع الإدمان. موضحًا أن المنشطات الرياضية، أو الـ Anabolic Steroids عبارة عن مواد مُصنعة Synthetic لهرمون التستوستيرون، أو هرمون الذكورة، وأن كلمة anabolic معناها بناء العضلات، وكلمة steroids معناها زيادة الصفات الجنسية الذكورية.
وأضاف أنه عادة ما يتم وصف هذه المواد واستخدامها تحت إشراف طبي كامل وبجرعات محددة، وفِي حالات طبية خاصة مثل تأخر البلوغ عند الذكور Delayed Puberty، وفِي حالات مرضية تتسبب في ضمور أنسجة العضلات مثل حالات السرطان، أو في حالة مرض نقص المناعة المكتسب المعروف بالإيدز، لكن الكثير من الرياضيين يسيئون استخدام هذه المواد misuse من اجل تحسين المظهر أو الأداء العضلي، وأن أغلب الفئات العمرية من الذكور التي تسيء استخدام هذه المواد هي الفئة بين ٢٠ - ٣٠ سنة.
كيف تتم إساءة استخدام هذه المواد عند لاعبي كمال الأجسام؟
للإجابة عن هذا السؤال؛ قال "حماد" يتم استخدام هذه المواد عن طريق الفم أو الحقن في العضلات أو عن طريق دهن الجلد بها، وعادة ما تكون هذه الاستخدامات أعلى بمعدل ١٠ - ١٠٠ مرة من الاستخدام المسموح به في الحالات الموصوفة طبيا مشيرًا إلى أن أغلب الطرق التي يتم بها تعاطي هذه المواد:
- Cycling: أي أخد جرعات متعددة لفترة من الوقت، ثم التوقف لفترة أخرى، ثم إعادة أخذها مرة أخرى.
- Stacking: أخذ نوعين أو أكثر، مع الخلط بين طرق التعاطي، كأن يأخد بالفم مع الحقن مثلا.
- Pyramiding: زيادة الجرعة ببطء أو زيادة عدد مرات التعاطي، حتى يصل لأعلى جرعة ثم يقلل بالتدريج حتى يتوقف.
- Plateauing: بطريقة التداخل أو استبدال أو التناوب بين أخد المواد المختلفة تجنبا لحدوث تعود عليها Tolerance، والذي يعتبر سمة من سمات الإدمان.
وأوضح أن اللاعبون يلجأون لهذه الطرق تجنبا لحدوث أي ضرر (بمعنى أن اللاعب يعرف خطورة تعاطي أو حتى مجرد أخذ هذه المواد)، ورغم ذلكفلا يوجد دليل علمي على أن أي من هذه الطرق يمكنها تقليل الضرر الحاصل نتيجة تعاطي هذه المواد المنشطة.
كيف تؤثر المنشطات الرياضية على المخ؟
وللإجابة عن هذا السؤال اكد "حماد" إن المنشطات تتسبب في أعراض نفسية عديدة على المخ أهمها:
- أحاسيس العظمة أو الـ Paranoia بشكل متطرف وغير معقول
- هياج شديد وعدوانيةextreme irritability and aggression وخصوصا العدوان اللفظي
- ضلالات Delusions
- تضعف الحكم على الأمور impaired judgment
- نوبات هوس Mania
بالإضافة الى انها تعمل على زيادة حَبْ الشباب بشكل رهيب Severe acneوتضخم الجسم خاصة اليدين والقدمين.
تأثيرات طويلة المدى للمنشطات
وعددت الدراسة التأثيرات طويلة المدى للمنشطات Long term effects كالتالي:
- تسبب مشاكل في الكلى تصل لدرجة الفشل الكلوي
- تلف الكبد وأورام الكبد
- تضخم القلب وزيادة ضغط الدم وتغيير في نسبة الكوليسترول في الدم، حتى بين صغار السن
- زيادة احتمالية حدوث تجلط في الدم
بالإضافة لهذه الأضرار، هناك أضرارا مرتبطة بالجنس والعمر
في الرجال:
- ضمور في الخصيتين
- تقليل عدد الحيوانات المنوية
- زيادة الصلع
- تضخم الثديين
- زيادة نسبة حدوث سرطان البروستاتا
في السيدات:
إذا كانت السيدات من لاعبات رفع الأثقال أو أي من هذه الرياضات تعاطت منشطات، قد يتسبب في:
- زيادة الشعر في كل الجسم
- صغر حجم الثديين
- الصلع
- اضطراب أو حتى توقف الدورة الشهرية
- تضخم الصوت
أما في صغار السن والمراهقين:
- قد تؤدي إلى توقف النمو stunted growth
- صغر القامة stunted height
هل المنشطات الرياضية تسبب الإدمان؟
عندما نقول أن المنشطات تسبب الإدمان، هذا لا يعني أنها تعمل على مركز المكافأة Reward system فتزيد الدوبامين مثل باقي المخدرات، ومن هنا تحدِث إحساس النشوة أو الـ high، المنشطات لا تعمل بهذه الطريقة، ولكنها تتسبب في اضطراب تعاطي المواد المخدرة Substance use disorder شأنها شأن باقي المخدرات. إصرار اللاعب على استمرار تعاطي هذه المواد بالرغم من حدوث عواقب وخيمة Negative consequences مثل حدوث أضرار كبيرة على الجسم وعلى الصحة النفسية، وإنفاق اللاعب مبالغ طائلة على شرائها، وتأثيرها على علاقته بالآخرين، فهذا يؤكد أن هذه المواد تتسبب في حدوث اضطراب تعاطي المخدرات أو Substance use disorder شأنها شأن المواد المخدرة، وأكبر مثال على ذلك حدوث أعراض انسحابWithdrawal Symptoms من المواد المنشطة مثل باقي المواد.
على رأس أعراض الانسحاب
- تعب وإجهاد
- أرق
- فقدان للشهية
- انخفاض الرغبة الجنسية
- اللهفة الشديدة لتعاطي السترويد
- وأخطر ما تسببه هو الاكتئاب، الذي قد يصل لدرجة محاولة الانتحار
وحذر حماد من المنشطات الرياضية قائلًا: "لو أنت بتستخدم هذه المواد أو تعرف من يستخدمها، وشايف أن هناك خطر من الاستمرار عليها، ممكن تعمل إيه؟ أهم شيء أنك توقف؛ لابد من وقف استخدام هذه المواد، وعند حدوث أعراض انسحاب يتم علاج أعراض الانسحاب، بمضادات الاكتئاب ومسكنات الألم، وربما يتم الاحتياج لأدوية أخرى تعمل على إعادة التوازن الطبيعي في نسبة الهرمونات في الجسم، وعادة ما يتم الدمج بين العلاج الدوائي والعلاج النفسي السلوكي، لعدم العودة مرة أخرى".
واشار إلى اتفاقية دولية أعدتها اليونسكو لمكافحة المنشطات الرياضية، ومصر عضو فيها، حيث استضافت منذ أيام اللجنة الدولية لمكافحة المنشطات WADA وجاء في المادة ١١ من اتفاقية اليونيسكو: “مراقبة تعاطي المنشطات”، أن الدول الأعضاء تتعهد بدعم أو تقديم برامج لإجراء الاختبارات على المنشطات، وأن تضم أساليب عدم الإخطار المسبق وإجراء الاختبارات خارج إطار المسابقات وداخل إطار المسابقات.
كما جاء في المادة ١٠ من الاتفاقية الدولية لمكافحة المنشطات: “التحذير من استخدام المكملات الغذائية”، وذكرت المادة أن هناك غشًّا تجاريا كبيرا في استخدام المكملات الغذائية، وأنه يتم خلطها بمواد أخرى ومنها الاسترويدات، وأنها عادة ما تكون ملوثة أو تحتوي على مواد محظورة في محاولة مقصودة للتحايل على التشريعات الخاصة بالأغذية أو الأدوية، وأظهر عدد من الدراسات أن المكملات الشائعة المتوافرة في عدد من البلدان تحتوي على مواد ممنوعة منها المنبهات والهرمونات والبروهرمونات مثل Testosterone و Nandrolone. وبالنظر إلى الانتشار الكبير لتناول المكملات بين اللاعبين، وبصرف النظر عن المسائل المتعلقة بسلامة هذه المنتجات وفعاليتها، فإن استخدام اللاعبين لها يشكل مخاطر كبيرة على مستقبلهم المهني؛ وأن تناول مكملات ملوثة قد يؤدي إلى الإيقاف لمدة عامين.
