(1)
كانت طفولتي تركض أمامي هذا المساء اتذكر نعومة أظافري التي اخشوشنت بالمدفع، وحبيبتي الأولي "خلود" وراء الاحتلال في صور، والفاشي يلعق خنجرة ويضحك، ومن حصار العدو الي حصار الجوع والظلام، سكروا الشوارع وضلموا الحارات صرنا الحب الضايع صرنا المسافات، ومحمود درويش يبكي شعرا:
بيروت قصَّتُنا”
بيروت غصَّتنا
وبيروت اختبارُ اللهِ. جرَّبناكَ جرَّبناكَ
من أَعطاك هذا اللُّغز؟ من سَمَّاكَ؟
من أَعلاك فوق جراحنا ليراكَ؟
فاظهرْ مثل عنقاء الرماد من الدمارِ !
أتموتُ في بيروتلا تُولِمْ لبيروتَ الرغيفَ عليكَ أَن تجد
انتظاري"
(2)
هناك في أحد شوارع الجامعة العربية، كان العدو يطل ينيرات طيرانه، ونحن تحت القصف مع زياد رحباني نقدم برنامج "ظلنا عايشين " في اذاعة المرابطون،والحلم يتصدي للنيران بابسامة مقاتل، والموسيقي المصاحبة لبداية البرنامج "في الافق عصافير معادية في الافق طيور سود" والحلم يطلق الامل،وصخرة الروشة لاتهتز إلا طربا لشعر درويش:
بيروتُ صُورتُنا
بيروتُ سورتُنا
بيروتلا
ظهري امام البحرِ أسوارٌ و.. لا
قد أَخسرُ الدنيا.. نَغَمْ !
قد أَخسرُ الكلماتِ....
لكني أَقول الآن: لا
هي آخر الطلقاتِ – لا.
هي ما تبقَّى من هواء الأرضِ – لا
هي ما تبقَّى من نشيجِ الروحِ – لا
بيروت – لا
)3) بيروت لا
في صيف 1978 كنت في تل الزعتر المحاصرة وتقاتل من الشهيد الي الشهيد، واحمد الزعتر يكتب يوميات حصار التل بالدماء، وفي صيف 1982 كنت في حصار بيروت في جريدة المعركة مع محمود درويش وحسين مروة وعبد المنعم القصاص رحمهم الله، والشهيد الحي زياد عبد الفتاح يوزع علينا التكليفات لكي نكتب بالدماء ايضا من حصار الي حصار وكما كان التل يتكحل بالزعتر ويقو لا، كانت بيروت الحصار تتكحل بالكلمة وتقول لا
بيروت – لا
ظهري أمام البحر أسوارٌ و....لا
قد أَخسر الدنيا ’ نَعمْ،
قد أَخسر الكلماتِ والذكرى
ولكني أَقول الآن: لا
بيروت – لا
سقط القناعُ
عَرَبٌ أَطاعوا رُومَهم
عَرَبٌ وبارعوا رُوْحَهُم
عَرَبٌ.. وضاعوا
سَقَطَ القناعُ
كُنْ أنتَ. كُنْ حتى تكونْ !
لا... لا أَحَدْ
يا خالقي في هذه الساعاتِ من عَدَمٍ تَجَلَّ!
لعلَّ لي حُلُمًا لأَعْبدَهُ
لَعَلَّ!
علمتَني الأسماءَ
لولا
هذهِ الدولُ اللقيطةُ لم تكنْ بيروت رملا
بيروت – كلا
(4) بيروت منتصف اللغة:
كانت فيروز تغني بدموع الشهداء تبكي الحرب من الاهلية الي الصهيونية، وهناك رايت دموعها تتغني بالصمود وزياد يولد من رحم الحب والحزن والثورة، وقهوة الصباح مبللة بالدموع في منزلها العتيق ودرويش يتغني في مديح الظل العالي:
بيروت – صورتُنا
بيروت – سورتُنا
فإمَّا أَن نكونْ
أَو لا تكونْ
أنا لا أُحبُّكِ،
كم أُحبُّكِ!
’ كَمْ سَنَهْ !
بيروت – منتصف اللغهْ
بيروت – ومضةُ شهوتينْ
بيروت – ما قال الفتى لفتاتِهِ
والبحرُ يسمعُ، أَو يوزِّعُ صوتَهُ بين اليدينْ.
أنا لا لا أَحبكِ
غمَسي بدمي زهورَكِ وانثريها
حول طائرةٍ تطاردُ عاشقينْ
والبحرُ يسمعُ، أَو يوزِّع صوتَهُ بين اليدينْ.
وأَنا أُحبكِ
غَمِّسي بدمي زهوركِ وانثريها
حول طائرةٍ تطاردني وتسمع ما يقول البحرُ لي
بيروت لا تعطي لتأخذَ
أَنت بيروتُ التي تعطي لتعطي ثم تسأم من ذراعيها
ومن شَبَقِ المُحِبْ
(5) الشاعر افتضحت قصيدتة ك
كنا نبكي الشهداء ونقاوم، واتانا من بعيد طلق نار من شاعر الي قصيدتة ورحل خليل حاوي وترك بيت شعرة بخضب بالدم والشهداء يتقدمون للعزاء، وحبيبتي خلود تبحث في قصيدته الاخيرة عن احلام الشهادة.
بيروت / ليلا:
آهِ ’ يا أفقًا تبدَّى
من حذاءِ مقاتلٍ
لا تنغلقْ
لا تنغَلِقْ أَبدًا
لئلاّ...
بيروت / فجرًا:
الشاعرُ افتُضِحَتْ قصيدتُهُ تماما
وثلاثٌة خانوهُ:
تموزٌ
وإمرأةٌ
وإيقاعٌ
فَنَامَا....
الشاعرُ افْتُضِحَتْ قصيدتُهُ تماما
بيروتُ تخرجُ من قصيدتِهِ
وتدخل خوذةَ المُحتلِّ’
مَن يُعطيه دهشتَه
أَرُزًَّا أَو...سلاما
الشاعرُ اُفْتُضِحَتَ قصيدتُهُ تماما
في بيته بارودةٌ للصَّيْدِ ،
في أَضلاعه طَيْرٌ
وفي الأشجارِ عُقْمٌ مالحُ
لم يشهدِ الفصلَ الأخيرَ من المدينةِ.
كُلُّ شيء واضحٌ منذ البدايةِ ،
واضحٌ
أو واضحٌ
أو واضحٌ
وخليلُ حاويْ لا يريد الموتَ ’ رُغْمًَا عنهُ
يُصغي لموجَتِهِ الخصوصيَّهْ
موتٌ وحريَّهْ
هو لا يريد الموتَ رغمًا عنهُ
فليفتحْ قصيدتَهُ
رحل الرجالُ إلى الرحيلْ
والحرب نامت ليلتين صغيرتين ،
وقدَّمَتْ بيروتُ طاعتها وصارتْ عاصمَهْ.... يا أَهْلَ لبنانَ... الوداعا
(6) من الحصار الي الحصار:
تمضي الذكريات من 1978حصار الزعتر الي 1982حصار بيروت، الي 2121،حصار الجوع والظلام، فيروز صامتة وزياد بلا برنامج، ولبنان تبكي استشهاد طفل لم يجد اللبن، ومريض لم يجد الدواء، ولا اجد ما اقدمة للاطفال الا دمي ولا للمريض الا دموعي، واردد مع درويش:
هذا دمي ’ ياأهْلَ لبنان ’ ارسموهْ
قمرًا على ليلِ العَرَبْ.
هذا دمي – دمُكم خذوه ووزّعوهْ
شجرًا رحيلي عن نوافذكم وعن قلبي انحتوهْ
حجرًا على قبرِ العربْ
هذا بكاء رصاصنا، هذا يتيم زواجنا ’ فلترفعوهْ
سهرًا على عُرس العربْ
هذا نشيجي مزِّقُوه وبعثروهْ
ولازال الالم يبحث عن صدر بيروت حبيبة تدعي خلود وطفل اسمة اسمة زياد اخو شادي الذي استشهد وضاع، زياد يحتضر لمرضة ولا يجد الدواء ، وام تبحث عن طعام لاولادها فلا تجد الا دموعها ماء وعينيها مصابيح لهم في الظلام، وبقايا حلم قديم طعام لهم.
(7) لكن لبنان وجدت لتبقي رغم انها وحيدة الان فلا ياسر عرفات ولا المقاومة، ولا وليد جنبلاط ولا جورج حاوي والمقاومة اللبنانية، حيث كانت المدافع تقاوم الانعزاليين والصهاينة، والطعام بجوار المدفع واللبن يتوفر مع البارود ولكن صدق درويش حين قال:
يا خالقي في هذه الساعاتِ من عَدَمٍ تَجَلَّ’”
لعلَّ لي حُلُمًا لأَعْبدَهُ
لَعَلَّ!
علمتَني الأسماءَ
لولا
هذهِ الدولُ اللقيطةُ لم تكنْ بيروت جوعي"
كم أحبك يا لبنان وكم انتصرتي علي كل انواع الحصار ستنتصري علي حربك ضد الجوع والظلام.
وبحبك يالبنان ياوطني بحبك بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك.
لأنك علمتيني كيف أعانق الموت لاحيا، وكيف أعشق المدفع لأكتب بالقلم، وعرفت أن المقاومة سر الحياة، ومن تل الزعتر إلى دير قانون النهر الي الليلكي كان العمر يزدهر مع زهور الصبار علي قبور الشهداء.