"لا ميكروباص ولا أشلاء"، هذا ملخص ما أوردته وزارة الداخلية لتطبق الستار على قضية ميكروباص الساحل، الأبرز على ساحة السوشيال ميديا، ليأتى الإيضاح من الداخلية مستفيضا منضبطا مغلقا لكل أبواب المزايدة أو التشكك أو العلو والغلو فى الأقاويل والتصريحات، ولتضع حدا مهما مليئا باليقين والبأس في آن واحد لكل مترقب أو مطلق للشائعات بل لتنهي حتى كل تعاطف مبالغ فيه وبكائيات مدفوعة برواية ليست مكتملة.
الشائعة المغلفة بالصور المهترئة غير الواضحة أو الأوهام الملتبسة على صائدي الوهم أو التوهم، هي صورة اعتادت مواقع التواصل على الحضور بها في كل حدث، لكنها هذه المرة تلونت بغموض شديد وتخبط كبير على مستوى متداوليها، فمن قادة الشائعة "الفنكوش" على السوشيال حتى انطفائها - بتحرك مثالي من أجهزة الأمن - شهادة شهود مجهولى الدافع والهوية، وصورة ملتقطة لجسم أبيض يسقط من فوق كوبري الساحل.. الأمر كان شديد التعقيد والريبة، لكن التحرك كان مذهلا من الأجهزة المعنية.
مثلث برمودا الساحل، كانت هذه هى الرواية الأكثر طرافة من متداولي القصة وملابساتها، طوال 4 أيام من الغموض، حتى بدأ التشكيك في حقيقة الواقعة من الأساس بعد ثماني ساعات من البحث مع عدم الوصول لجديد سوى لعبة أطفال وسلاسل زينة، ولا أثر لميكروباص أو ضحايا بشرية.
الحادث بدأت أزمته تحديدا في الساعة الثانية وعشر دقائق يوم الأحد الماضي، بإبلاغ 3 شباب كانوا يسيرون من إمبابة لروض الفرج لشرطة النجدة عن صوت ارتطام شديد أشبه بانفجار مع رؤيتهم لجسم يسقط من أعلى الكوبري، مالا يمكن إغفاله عن البلاغ أن الثلاثة من أسرة واحدة- شقيقين وابن عمتهم.
ما شغل الجميع هو التحرك العاجل من رجال الداخلية، فخلال 10 دقائق من تلقي البلاغ تواجدت قوات الإنقاذ النهرى وتبعتها قيادات أمن الجيزة وقسم إمبابة، وهو يعكس عقيدة رجال الشرطة في التعامل مع الفرضية الأكثر حساسية إلى أن يثبت عدم دقتها، والغريب أن الأمن رصد في الـ2:30 ظهرا آثار زجاج في أعلى الكوبري وتبين أن الزجاج لـ«توك توك» اصطدم بالحاجز المعدني للكوبري ظهر السبت وجار البحث عن صاحب التوك توك.
الأمر المحير أنه لم يصل لأجهزة الأمن أى بلاغات باختفاء أشخاص أو سيارات، بينما ظلت مباحث الجيزة تفحص المواقف بروض الفرج وإمبابة لمراجعة سائقى الميكروباصات وسؤالهم، والترجيحات الأولية كانت تشير بشئ من تمنى إلى أن السيارة قد تكون تابعة لشركة خاصة فى إحدى المحافظات، وأن الضحية شخص واحد.
فى تلك الواقعة – التى شهدت من الأجهزة الأمنية جهدا غير محدود - بدأت الحقائق تتشابك مع الشائعات، بل كان الشائع لدى الجماهير وفق قياسات موقع talkwalker، التواتر عن (سقوط ميكروباص في النيل من أعلى كوبري الساحل بمنطقة شبرا في القاهرة)، ليصل معدل مرات عرض المنشورات بهذه الصيغة حتى الآن إلى 1.2 مليار مرة ويزيد.
الشائعة التي ذهب فيها البعض إلى اعتبار ما جرى عملا إرهابيا فاشلا سقط فيه منفذوه في قاع النيل، كانت أبرز الوسوم المستخدمة فيها: حادث كوبري الساحل، وسقوط سيارة، وكوبرى الساحل، ليمتد بعد ذلك هذا التداول الكبير من مصر إلى ثماني دول أخرى هي السعودية والولايات المتحدة والمغرب والعراق والإمارات وسوريا وتركيا ولبنان.
القضية: سور حديدى مكسور وشهادة غير دقيقة وصورة التقطها كاميرا، فندتها التجربة فيما بعد، لكن رغم كل هذا الخفوت في التثبت والتوثيق ظهرت مئات المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي مع صور لميكروباص، لا يبدو أبدا أنه هو المعنى فى الواقعة، لحظة وقوعه من أعلى كوبري الساحل، وكان 60 بالمئة من الحديث حول الحادث على تويتر، و28.8% من المنصات الأخبارية، فيما كانت نسبة المدونات 7.8%، ولكن يبدو أنه كان وراء الأكمة ما ورائها، فمحرك "جوجل"، وآداة كراود CrowdTangle، أظهرت أمرا غريبا بشأن الحديث عن "سقوط ميكروباص في النيل من أعلى كوبري الساحل".
الحديث المريب جاء أولا على وسائل التواصل الاجتماعي، في مجموعات منطقتي إمبابة والوراق، وكان المنشور الأول وفق CrowdTangle الساعة 2.45 مساء الأحد الماضي، في مجموعة "إمبابة بلا صراعات"، لكن الأغرب ما شمله الحادث - الذي فندت ملابساته على يد رجال الأمن - من تداول الصورة التي ظهر استخدامها للمرة الأولى في 15 أغسطس 2013، بحسب محرك "ياندكس" الروسي، والتي تعود لاعتداء أنصار جماعة الأخوان الإرهابية على مدرعة لقوات الشرطة أعلى كوبري أكتوبر، بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، ما أدى لمصرع جندي وإصابة 4 آخرين.
الخلاصة أن رجال الداخلية كانوا حضورا على الرغم من الحديث الملئ بالتشكك، وجاء الرد متماسكا مدعوما بالتجربة، " تجربة بإلقاء ذات الغطاء من أعلى الكوبرى، والتقطتها الكاميرا التى سبق وأن أُشير إلى أنها سجلت لحظة سقوط السيارة وتبين مطابقة المشهدين"، إمعانا في التيقن، وهو ما لفت إلى أن جدية رجال الأمن وأسلوبهم في التعامل مع الواقعة شهدت بقدرتهم ورغبتهم في الوقت نفسه، في حفظ حياة المواطن وأمنه، دون تقصير أو تهاون.
مأساة خفير
مع اليد التي تعمل في الداخلية دون كلل، هناك قلوب تحرك رجالها لحفظ حياة المصريين جميعا دون تمييز، لذا كان لا بد أن أسوق واقعة أصابتني شخصيا بالتعاطف، وأنا واثق أنها ستجد صدى في أروقة وزارة الداخلية ولدى الوزير المحترم اللواء محمود توفيق، وهي واقعة تتعلق باستبعاد خفير مسن يدعى أحمد عبد العزيز قرقور، يعاني من أمراض لم أكن أبدا أصدقها إلا بعد رؤيتي لتقرير المراكز الطبية المتخصصة الخاص به.
الخفير البالغ من العمر 54 عاما، والمريض بتضخم الطحال والتليف الكبدي وقطع في أصابع يديه بالإضافة إلى السكر والضغط، استبعد منذ أشهر من إحدى عموديات مركز أبو حمص بمحافظة البحيرة إلى مدينة دمنهور، وهو ما يتعارض مع دعوى استبعاده بالحفاظ عليه من خصومة – انتهت بحكم عرفى بين عائلته التى يتجاوز تعداد رجالها الألفين من الرجال أو يزيد وعائلة أخرى - لأن المشوار الذي يقطعه الرجل يهدد حياته فعليا وهو يعاني من كل هذه الأمراض، كما أن أمر إعادته لن يضير فلسفة إبعاده للحفاظ على سلامته.. السلام والتحية لكل من يحفظ ويحافظ على مقدرات الوطن وسلامة المواطنين.