قليلون هم المبهرون من البشر.الذين يخطفون عقلك ومشاعرك لفرط نبلهم وولائهم لقضياهم الحقيقية في الحياة. وهو ما أعتقد أنه الطبيعي لأمثالهم من الشخصيات الملهمة. البسطاء الممتلئون بركة ومحبة للكون، والمتواضعون لأنهم علماء، والعطاؤون كأشجار تحنو من فرط ثقلها وتقترب لتجود بثمار علمها على كل ما حولها من بشر وحجر وهواء وماء. من هؤلاء القلة يأتي الدكتور هشام القصاص، صاحب الاسم الكبير في مجال البيئة والذي أسعدني الحظ بحضور محاضرة ألقاها بمعهد الدراسات العليا والبحوث البيئية بجامعة دمنهور. هذا اللقاء الذي لم يلخص فيه مشاكل البيئة في مصر فقط بل في العالم بأسره. كنت أعتقد أني سأستمع إلى بعض ما أعرفه جيدا وبعض ما أعرفه بدرجة أقل، كمواطنة عادية تحب الشجر والحيوانات والبحرو الهواء النظيف ولديها بعض الوعي بما يدور من حولها في العالم. لكنني فوجئت بصدمة استنارة غير عادية أيقظت عقلي، وجعلتني أعيد النظر في تقديرما كنت أعتقد أنني أعرفه، ذلك القليل المتضائل والمتشظي بعدما نظرت في البلورة السحرية المعاصرة والتي تمثلت في شاشة العرض أمامنا. وقف الدكتور هشام القصاص أثناءاللقاء تقديرا للعلم الذي يمنحه لنا ويبهرنا به، بحيوية وتلقائية ومحبة أظنها وصلت إلى الحضور جميعا فوصلتنا بما يقدمه وأثرت بشكل كبير في وجداننا. تعرفنا بشكل تاريخي على أولى المشكلات البيئية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والكتاب المقدس، وأشكال غضب الطبيعة كالزلازل والبراكين والأعاصير وهي غضبات مدمرة لا دخل لنا في استفزازها أو آثارها المدمرة. ثم انتقل إلى ما أحدثه البشر من كوارث في البيئة أدت إلى إختلال توازنها، نتيجة اعتقادهم أنهم أسياد الأرض، ولهم مطلق الحرية في استنزاف مواردها واستحداث بدائل تكنولوجية دون أن ينتبهوا إلى مدى الخلل الذي يحدثونه من حولهم في حق أنفسهم وحق الأجيال القادمة في في الحياة في بيئة صحية متوازنة كما خلقها الله. البيئة التي تشمل كل ما يحيط بنا من هواء وتربة وماء وموارد حية وغير حية. البحار والمحيطات والغابات والصحاري والمباني والمستحدثات التكنولوجية التي أصحبت ركنا لا نستغني عنه في حياتنا، الجنة التي نعيش عليها منذ هبوط آدم أبو البشر من الجنة. حينما تحدث عالمنا الكبير هشام القصاص عن تلك المشكلات اكتشفت سبب تسميتها بالكوارث لا المشكلات، عرفت كيف لمصنع صغير يصرف مخلفاته في النهر أن يقتل الأسماك ويسممها فنأكلها نحن ونصاب بأمراض خطيرة تقتلنا ونحن لا نشعر. وكيف لنفس المصنع الصغير هذا أن يلوث الهواء الذي نتنفسه، ويزيد من نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون به. فما بالنا بما يتصاعد من غاز نتيجة حرقنا للقمامة، وما ينتج عن حرائق الغابات واستخدام الوقود الأحفوري في السيارت وغيرها من وسائل النقل التي لم تتسبب رفع حرارة الأرض فحسب فيما يعرف بالاحترار العالمي بل في تآكل طبقة الأوزون أيضا وتعرضنا لمزيد من الأشعة فوق البنفسجية. تعرفنا أيضا كيف يتسبب ذلك في تغيرات المناخ وذوبان فتحدث الفيضانات التي تغرق المدن وتشرد البشر. تعرفنا كيف تؤدي الزيادة السكانية إلى استهلاك الموارد غير الحية في البيئة فلا يتبقى منها الكثير للأجيال القادمة وهو ما يتنافى مع معنى التنمية المستدامة. عرفنا كيف يؤدي التصحر إلى بوار آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي في العالم كل عام. كيف تموت الحيوانات محترقة في الغابات ويموت أيضا من أسعدهم الحظ وفروا من النيران وتشردوا. عرفنا كيف يؤدي قطع الغابات إلى فقدان الكرة الأرضية لرئتها كيف ندمر مصانع الأكسجين التي خلقها الله لتنقي الهواء الذي نتنفسه. كيف يؤدي التلوث الاشعاعي الناتج عن المفاعلات النووية والحروب إلى تلوث كارثي في بلورته السحرية عرفنا الدكتور هشام سبب اغتراب الخريف عن موعده والصيف عن نسيمه والشتاء عن أمطاره. وأن ما يحدث في ألمانيا لا يقتصر تأثيره على حدودها البيئية فقط بل يصلنا أيضا، لأننا جميعا شركاء في كوكب الأرض التي تعب من شططنا وغرورنا، لأننا لم نتعلم أنه وطننا الكبير وأن كل فرديعيش عليه هو مواطن كوني. وأننا إن لم نتغير ونغيرمعاملتنا مع بيئتنا فنحن الخاسرون. تحية لعالمنا الكبير الأستاذ الدكتور هشام القصاص،وعلمه الذي يمحو به جهلنا البيئي إن صح التعبير وتحية لكل يد تبني وتزرع وتحمي وتحيا بمحبة وفق ميزان كوني خلق الله به الأرض وتركها لنا نحن البشر أمانه.
آراء حرة
تحية إلى الدكتور هشام القصاص عالما وملهما
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق