على غرار مشروع "مارشال" لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي أثناء الحرب ووزير الخارجية الأمريكي، بعد تدمير الاقتصاد الأوروبي وانهياره وكساده إلى حد كبير وانتشار الفقر والبطالة بشكل واسع، تسعى بعض الدول العربية وأطراف دولية لإطلاق "مشروع مارشال عربي"، في دول ما يعرف بـ "الربيع العربي" والتي شهدت حروبا علي تنظيم داعش الإرهابى أو حروب أهلية وصراعات بعضها ممتد إلى يومنا هذا، مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن ولبنان وكذلك قطاع غزة الذي دمره العدوان الإسرائيلي الأخير عليه.
ومنذ عام 2011، تواجه عدد من الدول العربية موجات من الصراعات والحروب والأزمات التي خلفت خسائر بشرية ومادية هائلة لم تشهدها المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحسب تقارير دولية فان هذه الحروب والصراعات كبدت الدول العربية خسائر زادت عن 900 مليار دولار وأضافت 22 مليون مواطن عربي لطابور البطالة، أما تقديرات جامعة الدول العربية فتشير إلى أن تكلفة الصراعات والحروب فى الدول العربية تصل إلى 640 مليار دولار منذ 2011.
فعلي سبيل المثال تعانى سوريا من دمار وخراب بسبب الحرب الأهلية منذ 2011، وهو ما أدى لتدمير البنية التحتية لعدد كبير من المدن بشكل كامل، ووفقا لما أكده الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، تقدر عملية إعادة إعمار المدن المدمرة في سوريا بحوالي 900 مليار دولار وهى الفاتورة الأكبر في التاريخ الحديث لإعادة إعمار دولة مدمرة، وهذا المبلغ يثير لعاب الدول التي تتطلع لدور أكبر في عملية إعادة الإعمار عقب إيجاد حل سياسى للأزمة.
وحسب اتحاد المقاولين اليمني، تتراوح قيمة إعادة إعمار اليمن ما بين 80 إلى 90 مليار دولار، حيث توقفت حركة التشييد والبناء تمامًا منذ 2011.
ودفع لبنان ثمن الحرب السورية فقد خسر اقتصاده حوالي 25 مليار دولار، لعدة أسباب منها استضافة أكثر من 1.6 مليون لاجئ سوري ما رفع نسبة الفقر لديه إلى 30%، ومعدلات البطالة إلى أكثر من 30% وعجز المالية العامة إلى 11% ، في وقت تراجع النمو الاقتصادي من 8% سنوياً قبل الأزمة، إلى ما يقارب 1% حالياً وقدر البنك الدولي إجمالي الخسارة التي تكبدها الناتج المحلي اللبناني جراء الأزمة السورية حتى نهاية 2015 فقط بأكثر من 18 مليار دولار.
فيما تقترب فاتورة إعادة إعمار العراق بعد سنوات من الحرب والاضطرابات الاقتصادية من 300 مليار دولار.. أما في ليبيا فقدرت وزارة الشؤون الاقتصادية الليبية، قيمة التمويل المطلوب لإعادة إعمار ليبيا بنحو 111 مليار دولار.. ورجحت تقارير ودراسات أن تصل فاتورة إعمار قطاع غزة إلى 8 مليارات دولار.
وتسعى مصر سعيا حثيثا للمشاركة والمساهمة في إعادة إعمار الدول العربية نظرا لمكانتها العربية كشقيقة كبرى عملية إعادة الإعمار وتحاول مصر جاهدة من خلال القيادة السياسية لدعم دول مثل العراق وليبيا وسوريا لتنفيذ العديد من مشروعات البنية التحتية وإعادة الإعمار فيها، لتلعب دوراً سياسياً ومهماً فى محو آثار الدمار الذى لحق بهذه الدول.
فبمجرد بدء عملية الاستقرار السياسي في ليبا وبدء الإعمار شهدت صادرات قطاع البناء والتشييد كمنتجات الحديد والإسمنت والرخام ومواد خام قفزة هائلة إلى السوق الليبية، حيث أعلن المجلس التصديري المصري، نمو صادرات مصر من الحديد والصلب إلى ليبيا بنسبة 5.34%، في الفترة من يناير حتى نهاية أغسطس الماضيين، مقارنة بذات الفترة من العام الماضي، لتسجل قيمة 10.8 مليون دولار، مقابل 1.7% عن الفترة نفسها من 2020.
وتصدرت السوق الليبية قائمة الدول المستوردة لمنتجات الإسمنت المصرية خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2021، وحققت الصادرات نسبة نمو بلغت 1.7%، حيث استوردت ليبيا أسمنت مصر بقيمة 45.2 مليون دولار، مقارنة بـ16.7 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وليبيا مليار دولار، وفقا لإحصاءات 2019، وتستعد الشركات المصرية والعربية للمشاركة في إعادة إعمار ليبيا بعد عودة الاستقرار الأمني والسياسي بدرجة كبيرة خلال الشهور الأخيرة في ظل الاتفاقات التي تمت مؤخرا بين الأطراف المتناحرة هناك والسير في خارطة طريق سياسية قد تسفر عن قيادة جديدة موحدة للبلاد، ويعتزم القطاع الخاص المصري المشاركة في إعادة الإعمار وهي فرصة لعودة حوالي 2 مليون عامل مصري إلى السوق الليبي.
ووقعت مصر والعراق العديد من مذكرات التفاهم والتعاون فى مجالات مختلفة منها النقل والموارد المائية والصحة والبيئة والعدل والاستثمار والإسكان والإعمار والصناعة والتجارة والمالية، ونقل التكنولوجيات الصناعية المصرية المتطورة إلى الصناعات العراقية، وسيؤثر اتفاق إعادة إعمار العراق بشكل إيجابى على قطاع مواد البناء من خلال خلق فرص عمل جديدة وزيادة الطاقات الإنتاجية للمصانع بما يساهم فى زيادة صادرات مواد البناء المصرية بنحو مليار دولار سنويا، كما يتوقع دخول 2 مليون عامل للسوق العراقي.
وتمتلك مصر الخبرة الكافية فى البناء والبنية التحتية وإعادة الإعمار، وهناك شركات كبرى مصرية تعمل فى عدد كبير من الدول العربية مثل المقاولون العرب، متلك الخبرة فى البناء والبنية التحتية، وهناك شركات كبرى مصرية تعمل فى العراق مثل المقاولون العرب، كما أن إعادة الإعمار يمثل فرصة ذهبية للشركات المصرية للاستفادة من تنفيذ المشروعات ورفع كفاءتها وتحقق أرباح وتوفير فرص عمل للشباب وزيادة تحويلات المصريين فى الخارج من العملة الصعبة.