فى منتصف التسعينيات كانت مصر تموج بنشاط صحفى وإطلاق رجال أعمال صحفًا ناجحة كـ«الشروق، والمصرى اليوم» كما أن الدولة انطلقت هى الأخرى فى إطلاق صحف جديدة فكانت «القاهرة اليوم» ثم «أخبار الأدب» مع مؤسسها الراحل الكبير جمال الغيطانى الذى تحدثنا عنه فى مقال سابق و«الأهرام إبدو» مع مهندسها الكاتب الصحفى الكبير محمد سلماوى، ومن هنا كانت بدايات التعرف عليه فى باريس.
فى الواقع لدى الباريسيين المخضرمين أمثالى، وهم كبير هو لا أحد يعرف مجاهل وأسرار باريس مثلهم. يدهشك محمد سلماوى بأنه يعرفها مثلك وربما أفضل عمارة وتاريخًا وأدبًا وموسيقى. يجول الرجل حوارى باريس وأسواق التحف القديمة التى يعرف مواعيدها على مدى السنة ويرتاد مسارحها ليعطى زبدة رحلته إلى باريس فى مقالات غنية بالثقافة الرفيعة بالأهرام اليومى ثم مترجمة إلى الفرنسية فى «الأهرام إبدو».
بدورها باريس تعرف محمد سلماوى حق المعرفة منذ أن عرضت على مسارحها مسرحيته الشهيرة «الجنزير» فى عز التفجيرات الإرهابية التى ضربت مصر فى التسعينيات ومنذ أن أصدرت دار النشر المرموقة «Lattès» حواراته مع نجيب محفوظ تحت عنوان «mon Égypte» لتتوالى بعدها ترجمات رواياته فى دور نشر أخرى.
عند زياراتى للقاهرة كان يدعونى لحضور اجتماع مجلس تحرير «الأهرام إبدو» قبل أن يدعونى لمنزله الأنيق بضاحية المعادى حينها ينعم الضيف بالحديث معه عن اللوحات التى اقتناها فى عواصم أوروبا والحديث مع زوجته الفنانة المتميزة نازلى مدكور وكان آخر معارضها الكبيرة فى فرنسا فى ضاحية فرساى عام ٢٠٠٥.
وعندما أراد ناشرى الفرنسى «le Rocher» نشر «أحلام فترة النقاهة» وكانت تنشرها مجلة «نص الدنيا» بـ«الأهرام» انتهز «سلماوى» فرصة وجودى بالقاهرة ليصحبنى معه إلى منزل نجيب محفوظ وكم كانت سعادة «محفوظ» بذلك المشروع. قمت بالترجمة وقام «سلماوى» بوضع مقدمة إضافية لتنجح نجاحا باهرا فى فرنسا تحت عنوان «les rêves de convalescence».
وحال «سلماوى»- كحال لويس عوض- يتقن الإنجليزية وثقافتها وأدبها، ولكن «نداهة باريس» أقوى منه ومنا.
المتابع لإصداراته الأخيرة وهى أجزاء مثيرة من سيرته الذاتية يكتشف أن سيرة الرجل هى سيرة الوطن خلال قرن فاءت تمتد فى نيله وديان الصحافة والأدب والفن وكأن النيل أودع فى قلم «سلماوى» مداد عطاء الروح الذى لا ينتهى.