قصة ملهمة بطلها أحد ذوى الهمم الذى تحدى إعاقته أعلى كرسيه ليكون الدكتور محمد كيلانى محمود، صاحب الـ٤٩ سنة، حيث ولد فى كنف أسرة بسيطة، وأصيب بإعاقة حرمته من التعليم، إلا أن عزيمته نجحت في قيادته لقهر المستحيل من بيع اللب والتسالى وتعلم الحرف، حتى الحصول على الماجستير والدكتوراة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، فى«مسائل سيبويه النحوية فى كتب تفسير الأندلسيين.. توفيق ودراسة»، فهو بطل على كرسى متحرك، ونموذج مبهر وقاهر لتحدى المصاعب وتحقيق النجاح.
أصيب قاهر الأمية بمرض شلل الأطفال فى عمر سنة ونصف السنة، وهو ما دفع أهله لعدم إلحاقه بالمدارس خوفًا عليه من تعرضه لأى هزة نفسية أو تنمر وعدم وجود مدارس دمج حينها، قائلًا: «أصبح الكرسي المتحرك يصاحبنى منذ أكثر من ٤٥ عاما، فتحديث نفسى بالبحث عن عمل خاص، لكنى لم أستطع العمل في مهنة والدي بسبب ظروفي الصحية، ثم بدأت أعمل فى مهنة الترزى ولم أوفق فيها أيضا، ثم بدأت فى العشرينيات من العمر بالبحث عن مهنة أخرى مثل توزيع مواد على البقالة باستخدام الكرسى المتحرك، ثم اتجهت لبيع اللب والتسالى خاصة مع ظروفى الصحية وعدم حملى شهادة تعليمية».
واستكمل «كيلانى»:«عملت فى سينما الفيوم وكنت موظفا لحجز التذاكر وعملت فى استاد الفيوم الرياضى نحو عامين وجميعها مهن تناسب إعاقتى وظروفى الصحية، ثم حصلت على شهادة للتأهيل المهنى لغير الحاصلين على مؤهل تعليمى، ومن ثم عملت فى كلية الطب البيطرى كاتبا، ومن هنا بدأت رحلتى مع التعليم وحصولى على شهادة محو الأمية حتى أحسن من وضعى الوظيفى وحصلت عليها فى عام ١٩٩٣ وبدأت أذاكر المرحلة الإعدادية(منازل)، وحصلت عليها عام ١٩٩٦، ثم التحقت بالثانوية العامة(منازل)بالقسم الأدبى، وتم اجتيازها، ثم قمت بالبحث على كلية التحق بها وتكون بالقرب من مسكنى، حتى يتثنى لى التوفيق بين عملى ودراستى فى آن واحد، وبالمواظبة على عملى ودراستى والتحقت بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم عام ١٩٩٩ وتخرجت منها عام ٢٠٠٣».
وأضاف:«بعد تخرجى لم تنته رحلتي بعد، بل أزداد شغفي وحبي للتعليم، فحصلت على تمهيد ماجستير قسم نحو وصرف عام ٢٠٠٤، وفى هذه الأثناء تزوجت بعد مطالبات كثيرة من أسرتى، ثم قمت بتسجيلي الماجستير بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم، وحصلت على درجة الامتياز عام ٢٠٠٩، ورسالتى مرجع فى مكتبة الكلية، وكثيرا من الزملاء يتواصلون معي للاستفسار عن محاور برسالتى، ولم يتملكنى اليأس وراودنى الطموح وحتى أكون قدوة ومثالا حسنا لذوى الههم».
وتابع:قمت من جديد وواصلت رسالتى والتحقت بكلية الآداب حتى أسجل الدكتوراه لمعاناتى مع سلم كلية دار العلوم حتى أستطع وصولى للطابق الخامس بالكلية، وهذا ما عجزنى عن عودتى للمحاضرات النظامية، فقمت بتسجيل الدكتوراه في كلية الآداب بالنظام القديم وحصلت عليها بتقدير مرتبة الشرف الأولى عام ٢٠١٨، وحاليا أعمل فيى التصحيح اللغوى، وفي كل ما يتعلق باللغة العربية بتلخيص الكتب وما شابه ذلك، وأشارك ضمن كوكبة من علماء اللغة العربية في أعداد المعجم التاريخى للغة العربية التابع اتحاد المجامع العربية».
واستطرد«كيلاني»:«٢٥ سنة رحلة شاقة ممتعة من محو الأمية حتى الدكتوراه على كرسى متحرك، نظرا لمتطلبات الحياة وإنشاء أسرة وأولاد وأنفق على نفسى وأسرتيى، وشجعتنى زوجتى حيث كان هناك استقرار أسري دعمنى في استكمال مسيرتى حتى الدكتوراه، وأرى أن فكرة زواجى أصعب من وصولى للدكتوراه، من حيث الاختيار وخاصة التوافق مع ظروفى وقبولها».
وأضاف:«هيئة تعليم الكبار كانت بوابة عبور للحصول على شهادة وتحقيق ذاته، وكنت بقرأ وأكتب قبل دخولى محو الأمية وبكتب شعر وقصص كمان وكنت عضوا فى المنتدى الثقافى فى استاد الفيوم، وكنت عاشقا للقراءة وكنت أجلس مع أشقائى أثناء مذاكراتهم وتعلمت منهم الكتابة والقراءة نحو ١٢ سنة، وكتابة الشعر عندما أسمع أغنية أو قصة، وأقوم بترجمتها على هيئة أبيات من الشعر، وكنت أداوم على قراءة الجرائد وخاصة يوم الجمعة، وأعشق الرياضة، وأثقف نفسى بنفسى، وأشترى الكتب والمجلات وأتبادل الكتب مع بائع المجلات، وكانت أفكارى وحياتى قبل محو الأمية أشبه بفكر عباس العقاد».
واختتم:«أنصح كل أمي بأن يتعلم القراءة والكتابة، فقد تحديت نفسى حتى حصلت على الدكتوراه، وحاليا أسعى لأكون عضوا بهيئة التدريس بجامعة الفيوم، كما أسعى لأكون نموذجا لذوى الإعاقة ومضيئا لهم ورسالة طيبة لذوى الهمم لقهر اليأس، وزرع الدوافع والأهداف الإيجابية وعدم ترك أفكارهم وعزيمتهم لليأس أو أى شىء سلبى يؤثر عليهم .