تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
في مثل هذا اليوم وُلد عبد الرحمن عزام أو "جيفارا العرب" كما لُقب، نظرا لمشاركته في حروب كثيرة منها الحرب ضد "الصرب" في صفوف العثمانيين وروسيا، كما حارب الإنجليز مع أحمد الشريف السنوسي والفرنسيين، وحارب ضد الإيطاليين واحتل مع محمد صالح حرب والسيد أحمد الشريف الواحات المصرية.
أنشأ عزام الجيش المرابط خلال الحرب العالمية الثانية وأسهم في صنع أول جمهورية في العالم العربي وهي "الجمهورية الطرابلسية".
مولده:
وُلد عبد الرحمن حسن عزام في 8 مارس عام 1893، وتوفي في 2 يونيو 1976م، في قرية الشوبك الغربي في محافظة الجيزة، ودرس الطب في مصر، إلى أن أصبح في 22 مارس 1945م الأمين العام الأول لجامعة الدول العربية وبقي أمينا عاما إلى عام 1952.
قاتل مع العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، ثم سافر إلى ليبيا ليشارك في القتال ضد الإيطاليين، حيث أصبح مستشار الجمهورية الطرابلسية، أسس القوات المرابطة وقادها إلى أن أصبح وزير للخارجية المصرية.
في 1923م عاد إلى مصر، في 1924م انتخب في مجلس النواب المصري، في 1936م عينه الملك فاروق الأول وزيرا مفوضا وممثلا فوق العادة للمملكة المصرية، وفي 1939م أصبح وزير أوقاف في وزارة على ماهر باشا.
شارك في الوفد المصري لمؤتمر فلسطين في لندن سنة 1939م، وكان أحد أعضاء وفد مصر لوضع ميثاق جامعة الدول العربية بعد ذلك، سافر إلى السعودية حيث عمل مستشارًا في النزاع المتعلق بواحات البوريمي حتى عام 1974م.
عزام والجامعة العربية:
عرفت علاقة عبد الرحمن عزام بالجامعة العربية قبل إنشائها عام 1945م، قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، ذلك عبر حديث دار في مكتب اسعد داغر بدار الأهرام وكان في مجلسه عدد من أصدقائه السوريين والفلسطينيين وكان حديثنا عن مصير فلسطين بعد انتهاء الحرب بانتصار الإنجليز وماذا سيفعله العرب بعد هزيمة ألمانيا، فقال المرحوم إسحاق درويش، أحد قادة الهيئة العربية العليا لفلسطين أن عبد الرحمن عزام يدعو لفكرة جريئة سيكون لها دور كبير في قضية فلسطين فكرة "إنشاء اتحاد عربي" يضم جميع الشعوب العربية ومن بينها شعب فلسطين ودولة فلسطين وانه قدم مذكرة بذلك لعدد من ساسة الدول العربية خصوصا المصريين، وكان واضحا من حديثه أنه إذا وافقت مصر على المشروع فإنها سينجح، وفعلا تحمست الحكومة المصرية الوفدية برئاسة الزعيم مصطفى النحاس باشا في ذلك الوقت للفكرة وأنشأ الاتحاد باسم "الجامعة العربية".
ولقد عُلم منذ ذلك الوقت "قبل أن تنشأ الجامعة" أن صاحب الفكرة هو عبد الرحمن عزام وانه لهذا السبب قد اختارته الدول العربية فيما بعد أول أمين عام لها.
عمل عزام بالجامعة العربية لم يكن عملا بيروقراطيا سياسيا دبلوماسيا فقط كما كان يريد بعض الحكام العرب، لأنه بقي وفيا للمبادئ التي دفعته للتطوع في ميادين الجهاد في البلقان وفي برقة وطرابلس وأهمهما.
بعض الساسة العرب وحكامهم الذين عاصروا عبد الرحمن عزام عندما كنا أمينا عاما للجامعة العربية كانوا يكررون أنه الجامعة العربية لا علاقة لها بالإسلام وكانوا يقولون أن الجامعة ليست لها شخصية دولية وليس لها سياسة خاصة بها، لأنها ليست دولة فوق الدول وإنما هي نظام بيروقراطي لتنفيذ سياسة الدول الأعضاء فلا يمكن أن يكون لها نشاط إلا عن طريق حكومات الدول الأعضاء وكثير منهم لم يكن يخفى معارضته لمواقف عبد الرحمن عزام وتصريحاته ومواقفه الجريئة الصريحة خصوصًا بالنسبة إلى شمال إفريقيا.
ومن المؤكد أن عبد الرحمن عزام لم يقتنع بحجج هؤلاء الساسة والحكام وانه استمر أثناء عمله بالجامعة العربية يعتبر نفسه مجاهدا كما كان قبلها وكان في جهاده لا يفرق بين العروبة والإسلام ولا بين ميادين القتال وميدان السياسة.
ففي بداية عمله بالجامعة بدأت إندونيسيا كفاحها ضد الهولنديين فسارع إلى مساعدة الحركة الوطنية في إندونيسيا وبدأ سياسة للتقارب مع الهند التي أدت إلى تكوين كتلة دولية جديده في الأمم المتحدة تحمل اسم المجموعة العربية الآسيوية كان هدفها الأول هو الدفاع عن إندونيسيا حتى نالت استقلالها ولم يسمع لاحتجاجات بعض الزعماء العرب الذين قالو أن إندونيسيا ليست دولة عربية فلا شأن للجامعة العربية بقضيتها أنه رد عليهم بأنه بحاجة إلى مساعدة جميع الحركات الوطنية والى التعاون مع المجموعة الآسيوية لقضية فلسطين وانهم فعلا تعاونوا معنا في قضية سوريا ولبنان ضد الحكم الفرنسي التي انتهت باعتراف فرنسا باستقلال الجمهوريتين العربيتين ولا يمكن أن نتخلى عن التعاون معم ومع جميع المدافعين عن الحريات والاستقلال لجميع الشعوب وقد سار في دفاعه عن إندونيسيا حتى استقلت كما استقلت سوريا ولبنان.
لم تشغله قضية فلسطين ولا قضية سوريا ولبنان ولا إندونيسيا عن حبه الأول لأرض ليبيا وشعب ليبيا المكافح فقد جعل همه الأول عندما انشئت الجامعة تمويل الحركة الوطنية في ليبيا ومساعدتها ماليا وسياسيا والدفاع عن مطالبتها باستقلال ليبيا ووحدتها حتى استقلت ليبيا كما استقلت سوريا ولبنان وإندونيسيا ودافع عن الحركات الوطنية في إفريقيا الشمالية حتى استقلت المغرب وتونس والجزائر فيما بعد وظهر للحكام والساسة العرب الذين كانوا ينتقدونه ويهاجمونه أنه وأن كان فعلا قد خرج عم حدود العمل السياسي والبيروقراطي الذي رسموه للجامعة والأمانة العامة، إلا أنه كان أبعد منهم نظرا وأصدق نبوءة وأن أهدافه وأن كانت سابقة لزمانه إلا أنها في اتجاه سير التاريخ الذي أثبت صحتها.
لم يكن خصوم عبد الرحمن عزام من العرب فقط بل أن أكبر خصومه وأخطرهم كانوا من غير العرب خصوصا "الإنجليز والفرنسيين"، في باريس عندما زارها لأول مرة عام 1946 م وحضر مؤتمره الصحفي الذي تكلم فيه عن القضايا العربية وسياسة الجامعة العربية ازاءها ولم يقصر كلامه على قضية فلسطين ولا قضية ليبيا، كما كان الفرنسيون يتوقعون وإنما تكلم عن قضايا تونس والمغرب والجزائر مما أثار الفرنسيين الرسميين وغير الرسميين ولقد تابعت تعليقات الصحف الفرنسية على زيارة عزام وتصريحاته وكانت خلاصتها أن هذا رجل مخرف جاء لباريس ليتكلم عن شعوب خاضعة للسيادة الفرنسية والاتحاد الفرنسي وأن على الحكومة الفرنسية أن تلزم هذا الرجل حده أو تطرده من بلادها.
بعد خمس سنوات فقط من الزيارة الأولى ذهب إلى باريس في زيارته الثانية في خريف عام 1951 م ليدافع عن قضية المغرب أمام الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة وعادت الصحف الفرنسية تهاجمه، وحاصرته الحكومة الفرنسية هو ووفد الجامعة العربية حصارا شديدا حتى لا يتصل بأحد من زعماء الحركة الوطنية في أقطار شمال إفريقيا، لكنه لم يأبه لهذا الحصار ولا لهذه الحملات الصحافية
دعا عزام قبل إنشاء الجامعة العربية وقبل الحرب العالمية الثانية، مصر إلى إنشاء "قوات مسلحة شعبية"، وأقنع بذلك على ماهر باشا عندما كان رئيسا للوزارة وأنشئت هذه القوات تحت اسم "الجيش المرابط" والمصريون الذين عاصروا إنشاء هذا الجيش يعرفون كيف فزع الإنجليز من هذا الاتجاه الخطر عليهم، وكيف سعوا لإلغائه حتى نجحوا في إقالة على ماهر وإخراج عبد الرحمن عزام من الوزارة واضطهاده شخصيا في أقسى فترة مرت في حياته.
إن الجيش المرابط الذي كان في نظره إحياء لفكرة الجهاد الشعبي التطوعي ويقينا بأن المصريين لن ينالوا حقوقهم الا بالجهاد الشعبي ضد الجيوش الاستعمارية لذلك سارع بعد ذلك وهو أمين عام الجامعة بأن سخرها لمساعدة الفدائيين في فلسطين عام 1947-1948 وطلب من الحكومات العربية أن تسمح لضباط جيوشها بالتطوع لقيادة الكتائب الشعبية التي تمولها الجامعة العربية وفعلا صدر قرار بذلك وتطوع كثير من الضباط لقيادة كتائب المقاومة الشعبية التي كان يقودها الشهيد القائد البطل أحمد عبد العزيز.
بل إن المتطوعين الذين بدأوا العمل الفدائي ضد الإنجليز في منطقة القتال عام 1950 م يعلمون أن عبد الرحمن عزام لم يقصر في تدعيم الحركة الفدائية وتمويلها والدعاية لها حتى اعترفت بها الحكومة المصرية ودعمتها وشاركت فيها بقوات الشرطة كما هو معروف.
وفاته:
تُوفي عبد الرحمن عزام باشا في مصر في 2 يونيو 1976 عن عمر يناهز إحدى وثمانين سنة، ودفن بمسجد عزام بحلوان.