بانتهاء فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الرابعة عشرة أقول: إنني لن أتحدث عن أن عضوا واحدا في اللجنة العليا، وهو – في الوقت نفسه – المسؤول عن أبحاثه وندواته، قام - وحده- باختيار الأبحاث، والباحثين، وأصدر كتابا عن واحد من المكرمين باسمه، وشارك ببحث، وأدار كل ندوات المهرجان، وأهمل إصدار كتاب الأبحاث، فأصبحت الندوات البحثية مجرد مكلمة، تُدار وقائعها، بوجهة نظر واحدة، هي وجهة نظر الباحث الذي لم يقدم بحثا مطبوعا، يكون بين يدي الناس، أثناء المناقشة، حفاظا علي سمعة البحث العلمي في مصر .
ولن أتحدث - أيضا - عن أن أبحاث هذا العام لا علاقة لها بعنوان المهرجان الذي حمل اسم "الكاتب المسرحي" وحين تبرر ذلك – كما حدث - بأنها جاءت استكمالا لأبحاث الدورة السابقة "13" فهذا التبرير يُعد مضحكا، ومُتعجلا أيضا، لأنه يعكس غياب المنهج والرؤية.
ولن أتحدث – كذلك – عن تشكيل اللجنة العليا، باحثا عن معيار اختيار أعضائها – مع احترامي الشديد لهم جميعا، فهم أصدقاء أعزاء – ولكن غياب المعيار شيء مرفوض، وكذلك الأمر فيما يتعلق بلجنة التحكيم، التي غاب عن أعضائها "عنصر الناقد" وكأن من شكلها لا يعترف بالنقد ولا النقاد!.
ولن أتحدث عن المكرمين، لأنه ليس من المبرر أن تكون حجتك هي تكريم بعض من رحلوا هذا العام، لأنك اخترت منهم، وأهملت آخرين، ولو كان هناك منهجا لتم تكريمهم في مهرجانات أخرى، بعيدا عن الحماس والحمية الوقتية، وتجاهل المؤلف المسرحي، والدورة تحتفي به.
ولن أتحدث عن طريقة اختيار العروض المُشاركة، في ظل غياب لائحة ثابته، غير تلك التي يقوم بتغيير بنودها كل رئيس للمهرجان، تبعا ـ لما يريده هو، وليس لضرورة تستوجب التعديل، وأؤكد أننا لا نعلم عن تلك اللائحة شيئا، ولم نجدها مثلا منشورة على الموقع الرسمي للمهرجان.
ولن أتحدث عن أعمال لجنة التحكيم، وغياب المعايير التي استندت إليها، وخلط الأوراق، والحديث عن البديهيات باعتبارها مسلمات، فهذا شأن يخصها، ويخص أفرادها، تبعا لثقافتهم ووعيهم، وذائقتهم، مع التأكيد علي أهمية اختيار عناصر أي لجنة، بشكل يساعد على الوصول إلى نتائج غير صادمة، وأول هذه المعايير أن يكون العضو متابعا جيدا للعروض المسرحية بكل أشكالها، فلا نكتفي بأن يكون دارسا، أو متخصصا، كما لاحظنا هذا بدون أي اتهام لأحد، لأن كلهم أساتذة أجلاء، ونحترم انجازاتهم.
لن أتحدث عن كل هذا يا سادة، برغم أن كل بند من البنود التي ذكرتها، يستحق وحده دراسة طويلة، توضح غياب المنهج الحاكم والمنظم لمحتواه.
ولكنني سأذكر: أن كل ما حدث، وسيحدث – في مهرجانات قادمة – سببه يعود إلي غياب الاستراتيجية الحاكمة لحركة نشاطنا المسرحي – بشكل عام – الرسمي منه وغير الرسمي، فضلا عن عدم وضوح موقف المسرحيين، من الحركة المسرحية ذاتها، بعيدا عن مجاملات المسؤول مثلا، أو خوفا من خسارة بعض المكاسب الصغيرة، أو حتى الكبيرة منها، وهنا فلابد أن نتحدث عن غياب الحركة النقدية التي تدفع نشاطنا المسرحي إلى الأمام.
فمن الخطأ أن نظن أن نشاطا نقديا نقرأه في الصحف، أو المجلات، يعني أن هناك حركة نقدية فاعلة ، فهذا ليس صحيحا، لأن الحركة النقدية الحقيقية، هي القادرة علي تحليل الظواهر السلبية، التي تؤدي وتساعد علي تراجع مسرحنا المصري، وبنشاطها يمكن أن ينهض مسرحنا المصري، مقالة نقدية واحدة كتبها د. لويس عوض، عن المسرح في الستينيات دفعت "جمال عبد الناصر" للانتباه إلى أهمية ما طرحه الرجل، فكلف "ثروت عكاشة" للقيام بمهام وزارة الثقافة، ليضع التصورات التي بها يتطور الفعل الثقافي، والمسرحي منه بوجه خاص، وهذا ما حدث أيامها بالفعل، أن يكون للنقاد دورهم في كشف كل ما يدور في واقعنا الفني بصدق بعيدا عن المجاملات الضارة.
وأيضا مع غياب الرؤي الحقيقية، والاستراتيجيات المُنظمة لحركة مسرحنا، ستكون النتيجة كما رأيناها في هذا المهرجان، أو غيره من المهرجانات أمرا طبيعيا.
وأعلم أن تلك السطور سيعتبرها بعض الناس تنفيسا، وسيعتبرها آخرون، موقفا شخصيا، وسيعتبرها طرف ثالث ما شاء له أن يعتبرها، لكن المشكلة ستظل قائمة حين تظن أنك فعلت شيئا عظيما، وأننا نوجه لك سهام غضبنا، بغير الحق.
فاذا كنت تشعر بأنك قد قدمت شيئا عظيما، لا محل للنقد في مواجهته، فستكون ضد فكرة التطوير، وهي فكرة ينبغي السعي لتحقيقها، لارتباطها بالناس جميعا، والنشاط الحقيقي لن تحققه أو تحقق أهدافه، مجموعة معينة يظن أفرادها أنهم – وحدهم – هم من يملكون الحقيقة.