ناقش الناقد الأدبي الدكتور محمد مندور عددا من الأسباب التي تقف وراء تنوع مسرح الأديب الكبير توفيق الحكيم، وهل هي تعود لظروف الحياة من ناحية، ولسد حالة الفراغ الذي عاش فيها المسرح المصري من ناحية أخرى وفق ما أعلنه "الحكيم" نفسه عن أسباب تنوع مسرحه.
الحكيم، الذي تحل ذكرى ميلاده غد السبت، قدم تفسيرات حول تنوع مسرحه، وانتقاله بين فنون المسرح المختلفة من اجتماعية إلى ذهنية إلى نفسية، إنما كان بسبب فقر أدبنا العربي في مجال الأدب التمثيلي، ورغبته هو في أن يملأ ما يستطيع ملأه من هذا الفراغ. كما قال في موضع آخر إن انتقاله بين فنون المسرح المختلفة إنما كان استجابةً لظروف الحياة العامة التي أحاطت به، وتطوُّر تلك الظروف.
وفي كتابه "مسرح توفيق الحكيم" يسرد "مندور" تفسيرات "الحكيم" ولا يعتمد عليها اعتمادا كاملا، بل يذهب إلى أن تنوع مسرح الحكيم يرجع لأسباب كثيرة ومختلفة ومنها عوامل ذاتية أثرت في حياة الحكيم، مثل رؤيته الذاتية حول عدوانية المرأة، وسفره إلى أوربا واتصاله بالأدب العالمي وتأثره به.
وحول هذا قال "مندور": أي التفسيرين نقبل؛ التفسير الأول الذي يقول فيه الحكيم إنه قد تنقَّل بين فنون المسرح المختلفة بوحي إرادته التي انطلقت تجوب الآفاق لملء الفراغ أثناء بحث الفنان عن نفسه وعن فنه، أم التفسير الذي يُخضِع هذه الظاهرة لتأثير المجتمع وأحداثه وتفاعل الفنان معه؟
والجواب عن هذا السؤال لا يكمل إلا إذا جمعنا بين التفسيرَيْن، بل أضفنا إليهما تفسيراتٍ أخرى يمكن أن نعثر عليها في تاريخ حياة توفيق الحكيم الشخصية كإنسان وكفنان، وتاريخ تكوُّن ثقافته الفنية وتطور تلك الثقافة.
فمما لا شك فيه مثلًا أن المرأة قد لعبت في حياة توفيق الحكيم الشخصية والفنية دورًا كبيرًا منذ أن عرف المرأة لأول مرة في شخصية أمه القوية المسيطرة، ثم في شخصية الفتاة القاهرية سنية التي حرَّكت عواطفه وعواطف أبناء عمه الذين كان يسكن معهم محسن في قصة «عودة الروح»، ثم في شخصية بائعة التذاكر في شباك مسرح الأوديون بباريس، على نحوِ ما نطالع في الحوار الغزلي البارع الذي سجَّله بالفرنسية أثناء وجوده بباريس.
وأضاف: والظاهر أن كل تجارب توفيق الحكيم الأولى مع المرأة لم تكن موفَّقة، مما ولَّد في نفسه الخوفَ منها ومحاولة إقناع نفسه بالقدرة على الاستغناء عنها، بل ومناصَبتها العداء، وكأنه يرى فيها معوقًا خطيرًا عن الإنتاج الفني الرفيع الذي يطمع فيه، ولعلنا نجد خير تعبير صريح عن هذه الحالة النفسية الخاصة في فصل قصير من فصول كتابه «عهد الشيطان»، أي شيطان الفن، وقد كتب هذا الفصل الخاص بالمرأة وموقفه منها تحت عنوان «كُنْ عدوَّ المرأة».
ويستنتج "مندور" من مثاله حول المرأة في أدب الحكيم، قائلا: وواضح أن مثل هذا الموضوع الذي يشغل جزءًا هامًّا من إنتاج توفيق الحكيم المسرحي لا يرتبط أو لا يكاد يرتبط بمشكلة عامة، بقدر ما يرتبط بمشكلة خاصة في حياة الحكيم الشخصية.
ويتابع: وكذلك الأمر في انتقال الحكيم من المسرحيات ذات الطابع المحلي إلى المسرحيات ذات الطابع الإنساني العام، التي يسمِّيها ﺑ «المسرحيات الذهنية»؛ لأن الصراع يجري فيها داخل الذهن البشري بين ما يسمِّيه ﺑ «القِيَم المطلَقة»؛ فمن المؤكد أن هذا الاتجاه لا يرجع إلى استقرار ظروف حياتنا العامة في بعض الفترات فحسب، بل يرجع على الأرجح إلى تأثر الحكيم ببعض اتجاهات الأدب العالمي، وبخاصة في فترة إقامته بباريس وما تلاها، على نحو ما هو واضح في عدد من المقدمات التي كتبها لمسرحياته الذهنية، مثل مقدمة أوديب ملكًا ومقدمة بجماليون.
ويؤكد "مندور" أن قراءة الحكيم أو مشاهدته لروائع المسرحيات العالمية التي تقوم على التفسيرات المختلفة للأساطير القديمة، مثل تفسير كلٍّ من سوفوكليس اليوناني القديم وأندريه جِيد الفرنسي المعاصر؛ هي التي أوحت إليه بأن يتجه نحو الأساطير والقصص الدينية أو الشعبية ليعالج بواسطتها بعض قضايا الحياة الإنسانية العامة التي شغلته.