تناولنا في المقال السابق كيف استطاعت جماعة الإخوان أن تجمد –وباقتدار- دور وزارة الخارجية في عملية صنع القرار، وكيف تم إدماج السياسية المصرية بسياسة جماعة الإخوان الخارجية بقيادة السيد عصام الحداد.
وفي هذا المقال سوف نحاول بالتحليل تناول ما تحقق من رؤية الدكتور مرسي في مجال السياسية الخارجية، وفقًا لبرنامجه الانتخابي، حيث جاءت رؤية الرئيس في السياسة الخارجية مرتكزة على ثلاثة أسس، هي:
- الموازنة بين دوائر الانتماء المختلفة، وإحياء الدور الإقليمي لمصر على مختلف أصعدته، العربية والإفريقية والإسلامية؛ بما يحقق لمصر عمقًا إستراتيجيًّا أكبر، ويتيح لها مجالاً أوسع للعلاقات بمختلف مستوياتها، ويضمن لها التواجد بصورة فاعلة على الساحة الدولية .
- الانفتاح على جميع الدول، بما يعبر عن ضمير الشعب، والبحث عن المشترك الذي يحقق مصالحنا؛ أصبح ضرورة يفرضها واقع العلاقات الدولية، وتؤكدها مساوئ التجربة المصرية في السنوات الأخيرة .
- الالتزام بثوابت العلاقات الخارجية، المتمثلة في السياسة الحامية للحقوق المصونة للمصريين والمعبرة عن تطلعات الشعب المصري الحافظة لكرامته، بعيدًا عن التبعية للقوى الدولية، أو التهاون في المصالح المصرية .
بالنظر إلى هذه الرؤية، نجدها للوهلة الأولى متطابقة مع دوائر الحركة الثلاث، التي تحدث عنها الرئيس عبد الناصر في كتابه “,”فلسفة الثورة“,”. وبالتدقيق أيضًا نجد أن ما تحقق على الصعيد الخارجي خلال العام المنصرم هو عكس هذه الرؤية تمامًا؛ حيث نجد ضبابية كبيرة، بالإضافة إلى تخبط وارتباك واضح فيها.
فخلال مائة يوم في الحكم، سافر الرئيس محمد مرسي نحو 100 ساعة طيران في كل أرجاء الكرة الأرضية، حيث كانت لكل زيارة قصة وهدف؛ فبعد توليه سافر الرئيس مرسي 8 مرات، وقضى خارج مصر نحو 15 يومًا، استهل زياراته بالمملكة العربية السعودية والتي زارها مرتين، كما زار إثيوبيا والصين وإيران والولايات المتحدة وبلجيكا وإيطاليا وتركيا.
الزيارة الأولى للسعودية كانت بغرض توجيه رسالة إلى العالم العربي، مفادها متانة العلاقات المصرية السعودية، والتأكيد على الدورين المتسقين للدولتين في المنطقة، إضافة للتأكيد على عدم وجود أزمة في العلاقات بين البلدين بعد قضية الجيزاوي.
وعلى صعيد الموازنة بين دوائر الانتماء المختلفة وإحياء الدور المصري، نجد أن هناك محاولات لإقامة علاقات قوية مع إيران على حساب العلاقة مع دول الخليج العربي، وبدون النظر أيضًا إلى مسألة الأمن القومي المصري، المرتبط عضويًّا بالأمن الخليجي.
ومما زاد الطين بلة، أن أصبحت العلاقات مع بعض دول الخليج، التي نعتز ونفتخر بها، أكثر توترًا، وتتمادى الجماعة في التصعيد معها. كما يلاحظ أن العلاقة مع إيران لم تأخذ شكلاً محدد المعالِم نستطيع فيه القول إن العلاقة مع إيران عادت إلى مجرياتها الطبيعية، كما كانت في سبعينيات القرن المنصرم.
وعلى الرغم من جولات الرئيس المتعددة إلا أن نصيب إفريقيا من هذه الزيارات كان الأقل على الإطلاق؛ حيث زار السودان وأوغندا، وشارك مرسي في القمة الإفريقية العادية، التي أقيمت في أديس أبابا في يوليو 2012. في الوقت الذي تعتبر فيه إفريقيا المجال الأكبر للنفوذ المصري، والأرض البكر للمنتجات المصرية، على الرغم من منافسة دولة جنوب إفريقيا لنا في هذا المجال.
وعلى مستوى الانفتاح على جميع الدول، أعتقد أن هذا الانفتاح يضع السياسة المصرية في مأزق حقيقي؛ لأنه يجعلها بلا ملامح أو رؤية. وأعتقد أيضًا أن الدول الكبرى تنتهج سياسات محددة، وتسعى لتحقيق مصلحتها من خلال معرفة ماذا تريد من الآخرين، ولا تقيم علاقات مع دول لن تستفيد منها ناقة ولا جملاً. والسؤال هنا: هل مصر في هذه المرحلة لديها القدرة على إقامة علاقات مع دول لمجرد إيجاد تمثيل دبلوماسي فقط؟
أما مسألة الالتزام بثوابت العلاقات الخارجية، بعيدًا عن التبعية للقوى الدولية أو التهاون في المصالح المصرية؛ فأعتقد أن ما حدث، حتى الآن، هو استباحة للتراب الوطني المصري، من خلال تقديم تنازلات عن بعض أجزائها –بالرغم من نفي مؤسسة الرئاسة فيما بعد- مثلما طُرح حول استعداد الرئيس للتنازل عن مثلث “,”حلايب وشلاتين“,”، أو تقديم أجزاء من أرض سيناء إلى أهلنا في غزة؛ ظنًا من الرئيس وجماعته بأنها سوف تنهي الصراع العربي الإسرائيلي.
أما العلاقات المصرية الأمريكية، فإذا كانت في عهد نظام مبارك هي علاقة “,”تبعية“,”، فإنه أقل ما توصف به الآن أنها علاقة بين “,”سيد وخادمه“,”.. وهنا يمكن القول: إذا كان الرئيس السادات قال بأن 99% من قواعد اللعبة بيد أمريكا؛ فإن جماعة الإخوان قالت إن 100% من قواعد اللعبة بيد الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يتضح أكثر، ليس فقط من خلال التأييد المطلق من جانب الولايات المتحدة للجماعة بهذا الشكل، ولكن من خلال الزيارات المتتالية لكل المسئولين الأمريكيين للرئيس وجماعته.. كما تحولت السفيرة الأمريكية بالقاهرة إلى الناهي والحاكم بأمره.