فوز الأديب التنزانى عبد الرزاق جورنا بجائزة نوبل في الآداب.. يطرح قضية مهمة على مائدة البحث والمناقشة، فقد أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية منح جائزة نوبل في الآداب لعام 2021 إلى الكاتب التنزاني، عبد الرازق جورنا، المقيم في بريطانيا، لكن الطريقة التى نُشر بها الخبر فى معظم المواقع المصرية، كشفت عن عوار كبير.. كم نحن غائبون عن قارتنا السمراء.. معظم المواقع كتبت فى الخلفية تفاصيل عن جائزة نوبل التى نعرفها جميعًا، أما الفائز الذى لا نعرفه فلا معلومات عنه.
العلاقات بين الدول ليست الاقتصاد فقط، على الرغم من أهميته.
القوى الناعمة مفتاح عظيم لكل الأبواب الموصدة أمام أى دولة فى علاقتها بالآخرين.
إفريقيا غنية بمثقفيها الذين لا نعرف عنهم شيئًا.. غنية بسينمائييها، وخاصة المخرجين الذين قدموا أفلامًا مبهرة حصدت جوائز عديدة فى مهرجانات أوروبية [معظمهم تعلموا فى فرنسا].. غنية بمفكريها وفلاسفتها وعلمائها وشبابها وفنانيها ولا نرى أحدًا يهتم بكل ذلك.
نعرف بالتفصيل الممل كل المعلومات عن مخرجين وممثلين من أمريكا وأوروبا والغرب بشكل عام «ولا ضير فى ذلك»، لكن هل سمعنا على سبيل المثال لا الحصر عن «عثمان سمبين» الذى منحته الصحافة الغربية لقب «أبو السينما الإفريقية»؟، وذلك بعد أن نجح هذا المخرج والروائى السنغالى فى تجسيد صوت أفريقيا في عالم السينما، على الرغم من أنه فى الأصل كاتب رواية من طراز رفيع، وصدرت له باللغة الفرنسية عدة روايات منها «عامل تحميل السفن الأسود»، و«خالا» التى حولها فيما بعد إلى فيلم بالاسم نفسه، و«قطع الخشب السماوية».
رواياته تضعه مع كتاب أفريقيا العظماء مثل وول سوينكا وتشينوا اتشيبي «هل سمعنا عنهم؟»، لكنه توجه للسينما، لإعتقاده بأن الفن السابع سيعمل على مساعدة أفريقيا في التحدث بأسلوب خاص بها، من خلال النزعة الإنسانية القوية والحيوية التي تمنحها الصورة السينمائية، وكان يرى أن نشر كتاب باللغة الفرنسية لن يصل إلا إلى قلة من المتحدثين بها، بينما تسمح السينما بإدارة حوار حى مع الناس، وتسهل عملية اللقاء الفكري بين أفريقيا والعالم الآخر.. هكذا تحدث عثمان سمبين، ومثله كثيرون فى إفريقيا، لكننا، فيما يبدو، فى «عالمٍ آخر».
هل نطمح أن نعود إلى «عالم حقيقى»، يتولى فيه المركز القومى للترجمة مسؤولية تعريف المصريين بالأدب الأفريقى الحديث فى كل فروعه؟ وتقود فيه لجان المجلس الأعلى للثقافة عملية إعادة اكتشاف قارتنا التى نجهلها؟.
على أى حال، فإن القضية برمتها تحتاج إلى مناقشة موضوعية وتحتاج إلى عصف ذهنى يسعى للبحث فى ضرورة جعل القوى الناعمة لقارتنا فى قلب اهتماماتنا.
يبقى أن نقول أن لجنة نوبل ذكرت، فى بيان، أن الجائزة منحت للأديب التنزانى «لتعمقه المتجذر وغير المسبوق في آثار الاستعمار ومصائر اللاجئين في الخليج الواقع بين الثقافات والقارات».
والكاتب عبد الرازق جورنا [بحسب ما نشر فى وكالات عالمية] من مواليد زنجبار عام 1948، ويكتب باللغة الإنجليزية، ومن أشهر رواياته «الجنة»، التي كتبها عام 1994، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزتي البوكر ووويتبريد، و«الهجران» (2005)، و«أمام البحر» (2001).
ذهب جورنا للدراسة في بريطانيا عام 1968، ثم عمل محاضرًا بين عامي 1980-1982 في جامعة بايرو كانو في نيجيريا، ثم انتقل إلى جامعة كنت، حيث حصل هناك على درجة الدكتوراه عام 1982. وهو الآن أستاذ ورئيس الدراسات العليا في قسم اللغة الإنجليزية بالجامعة. يعد اهتمامه الأكاديمي الرئيسي هو تناول قضايا ما بعد الاستعمار، والخطاب المرتبط بالاستعمار، خاصة ما يتعلق بأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والهند.
وتوثق رواياته الثلاث الأولى، «ذاكرة المغادرة» (1987)، «طريق الحج» (1988) و«دوتي» (1990)، تجربة المهاجرين في بريطانيا المعاصرة من وجهات نظر مختلفة. أما روايته الرابعة «الجنة» (1994)، فتدور أحداثها في شرق أفريقيا المستعمرة خلال الحرب العالمية الأولى. وتحكى روايته «الإعجاب بالصمت» (1996) قصة شاب يغادر زنجبار ويهاجر إلى بريطانيا، حيث يتزوج ويصبح مدرسًا، ثم يتأثر موقفه تجاه نفسه، وتجاه زواجه، في زيارة العودة إلى وطنه الأصلي، بعد 20 عامًا.
عمومًا، لم تعد القضية الآن مجرد «البحث عن جورنا» بقدر العمل بجدٍ وإخلاص للبحث عن «إفريقيا.. الكنز الذى نجهله».
آراء حرة
البحث عن «جورنا».. واكتشاف إفريقيا
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق