ترأس البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، صباح اليوم الخميس، لقاء أكاديميًّا في جامعة اللاتيران، أطلق فيه دورة دراسيّة جديدة في الإيكولوجيا وعلم البيئة، بمشاركة البطريرك المسكوني برتلماوس وأودري أزولاي، مديرة اليونسكو.
ووجه البابا فرنسيس كلمة نشرتها الصفحة الرسمية للفاتيكان منذ قليل، قال فيها يسعدني إن أكون بينكم، في هذا اللقاء الأكاديمي المخصص للقضايا الإيكولوجيّة والبيئية، كما يهدف أيضًا إلى إرساء أسس حوار مفتوح ومنظم، مع الجميع، حول كيف نعرف ونصغي إلى صوت بيتنا المشترك، الذي يطلب منا أن نحافظ عليه ونعتني به. إنَّ حماية الخليقة هي أسلوب من أساليب المحبة، والانتقال التدريجي مما أريده إلى ما يحتاجه عالم الله. إنه التحرر من الخوف والجشع والإدمان.
تابع البابا فرنسيس: لقد تمكّن اليوم التفكير المشترك كتلاميذ للمسيح من أن يخترق العديد من السياقات من خلال الجمع بين الاهتمامات التي غالبًا ما تكون بعيدة، كما هو الحال في سياق المنظمات الدولية، والمؤتمرات المتعددة الأطراف الخاصة المخصصة لقطاعات أو أنظمة بيئية مختلفة. في هذا المنظور، على سبيل المثال، تندرج الرسالة التي أعديناها الآن مع البطريرك برتلماوس ورئيس الأساقفة جوستين ويلبي، في ضوء موعد انعقاد مؤتمر COP26 في غلاسكو. أعتقد أننا جميعًا ندرك هذا الأمر: لم يعد الضرر الذي نسببه لكوكب الأرض يقتصر على الأضرار التي تلحق بالمناخ والمياه والتربة، ولكنه الآن يهدد الحياة على الأرض. إزاء هذا الأمر، لا يكفي تكرار المبادئ، التي تجعلنا نشعر بأنَّ كلَّ شيء على ما يرام لأننا، من بين أمور أخرى، نهتمُّ أيضًا بالبيئة. في الواقع، يتطلب تعقيد الأزمة الإيكولوجيّة المسؤولية والحيوية والكفاءة.
أضاف بابا الفاتيكان: هذه هي الخيارات التي تذكر الجامعة برسالتها الأصلية، كمكان مميّز لتنشئة الأشخاص وإعدادهم، حيث تلتقي المعارف المختلفة، وحيث يجتمع الطلاب والمعلمون معًا للتفكير في مسارات جديدة ينبغي اتباعها وتطويرها بشكل إبداعي. من الجامعة يمرُّ أيضًا الجهد لتنشئة وعي بيئي وتطوير بحث من أجل حماية البيت المشترك. وبالتالي يُدعى النشاط الأكاديمي إلى تعزيز ارتداد إيكولوجي متكامل من أجل الحفاظ على روعة الطبيعة، أولاً من خلال إعادة بناء الوحدة الضرورية بين العلوم الطبيعية والاجتماعية مع ما يقدمه التأمُّل اللاهوتي والفلسفي والأخلاقي، وذلك لإلهام القاعدة القانونية ورؤية اقتصادية سليمة.
تابع البابا فرنسيس: شهد اجتماع اليوم أيضًا تمثيلًا على أعلى مستوى لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، المعينة للحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي العالمي، وتعزيز العلوم في ديناميكيتها، لاسيما من خلال التنشئة. أشكر اليونسكو على الاهتمام الذي أظهرته لهذه المبادرة مع إطلاق مسار دراسي حول مستقبل التربية على الاستدامة. هذه هي الروح والافتراضات والنية التي أوكِلَت إلى دورة الدراسات الجديدة في الإيكولوجيا وعلم البيئة التي تولد اليوم في هذه الجامعة. إذ تدخل أيضًا في المسيرة نحو الشركة الكنسية الكاملة، ستعمل مع كرسي الرسول أندراوس، بمنظور منفتح، وروح عظيمة قادرة على قبول اهتمام الكنائس المسيحية، والجماعات الدينية المختلفة، والذين يبحثون عن الله والذين يعلنون أنهم غير مؤمنين. وبالتالي يجب أن تكون نقطة التقاء للتأمُّل حول إيكولوجيا متكاملة، قادرة على أن تجمع خبرات وأفكار مختلفة، وتجمع بينها من خلال أسلوب بحث علمي. بهذه الطريقة تظهر الجامعة لا كمجرّد تعبير عن وحدة المعارف وحسب، وإنما أيضًا كحافظة لوصيّة لا تعرف حدودًا دينية أو أيديولوجية أو ثقافية: لحماية بيتنا المشترك، والحفاظ عليه من الأفعال الفاضحة والشريرة، التي ربما قد تستلهم من سياسة أو اقتصاد أو تنشئة ترتبط بنتائج فورية، لصالح أقليّة معينة.
أضاف إن التوقعات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة التي سيتم تحقيقها بحلول عام ٢٠٣٠ تتحرك بعيدًا، بالإضافة إلى أهداف أكثر تحديدًا تتعلق بحماية الهواء أو الماء أو المناخ أو مكافحة التصحر. ربما لأننا ربطنا هذه الأهداف فقط بعلاقة السبب والنتيجة، ربما باسم الفعاليّة، ونسينا أنه لا وجود للإيكولوجيا بدون أنثروبولوجيا ملائمة. بدون إيكولوجيا متكاملة حقيقية سيكون لدينا خلل جديد لن يحل المشاكل ولكنّه سيضيف مشاكل أخرى. وبالتالي، فإن فكرة دورة دراسات خاصة ستعمل على تحويل الاهتمام بالبيئة حتى بين المؤمنين إلى رسالة يقوم بها أشخاص منشَّؤون، نتيجة لخبرة تربوية مناسبة. هذه هي المسؤولية الأكبر إزاء الذين تم إقصاؤهم وهجرهم ونسيانهم بسبب التدهور البيئي. عمل تُدعى إليه الكنائس، بدعوتها، وكل شخص ذوي الإرادة الصالحة، لكي يقدِّموا كل الإسهام الضروري، ويجعلوا من ذواتهم صوت الذين لا صوت لهم، صوت يرتفع فوق مصالح الأطراف ولا يبقى مجرّد تذمُّر.
واختتم البابا فرنسيس كلمته بالقول إلى الجماعة الأكاديميّة في جامعة اللاتيران، بجميع مكوناتها، أوجه تشجيعي على الاستمرار، بتواضع ومثابرة، في مواجهة علامات الأزمنة. موقف يتطلب الانفتاح والإبداع وعروض تنشئة أوسع، وإنما أيضًا التضحية والالتزام والشفافية والاستقامة في الخيارات، لاسيما في هذا الوقت الصعب. لنتخلّى بشكل قاطع عن الـ "لقد كنا نفعل هكذا دائمًا"، الذي يفقدنا المصداقية لأنه يولد السطحية والإجابات التي لا تصلح إلا في المظهر. نحن مدعوون إلى عمل مؤهل يطلب من الجميع السخاء والمجانيّة للاستجابة للسياق الثقافي الذي تنتظر تحدياته الواقعية والدقة والقدرة على المواجهة. ليملأنا الله بحنانه وليسكب قوة محبّته على طريقنا لكي نزرع الجمال لا التلوث والدمار.