الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

العبور إلى مواطن الجمهورية الجديدة..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ربما ظن بعضنا أن قرنين أو ثلاثة من الزمان يفصلون بين الجمهورية الجديدة والمواطن الذى بدونه لا ضمان لاستمراريتها وتطورها ونموها، خاصة فى ظل هيمنة خطاب دينى بات فى أحسن حالاته عاجزًا عن الحفاظ على القيم الإيجابية وتماسك المنظومة القيمية الأخلاقية، وتراجع قيم العمل والصدق والإخلاص فى مقابل انتعاش ما بات معروفًا فى الحالة المصرية بقيم الفهلوة والتدين الشكلى والفساد المغلف بمصطلحات وحتى فتاوى شرعية تجيز الرشوة للموظف العام المتعنت طالما دفعها المواطن سعيًا للحصول على حقه لا حق غيره.
وبالطبع ليس الخطاب السياسى والثقافى والاجتماعى أفضل حالًا؛ بل أن أكثر أجزاء النخبة السياسية والثقافية إدعاءًا للتنوير والتحرر من الأفكار النمطية كانت وللأسف الأكثر تشددًا ومحافظة وربما تخلفًا؛ ذلك أنها اعتبرت مرجعياتها الأيدلوجية اليسارية وحتى الليبرالية أصنامًا وكتبًا مقدسة لا يمكن الاقتراب منها، وبشكل عام اقتربت هذه النخبة مما تسمى بجماعات الإسلام السياسى وفى القلب منها جماعة الإخوان الإرهابية حتى أن بعضها دخل فى تحالفات سياسية وحركية مع هذه الجماعة طوال العقود الأربع الماضية دون قيد أو شرط ولم تستطع هذه النخبة تكوين سياج يحمى المحاولات القليلة والجادة لتشديد الخطاب الدينى خوفًا على مصالحها السياسية الضيقة مع التيارات الدينية الأكثر تشددًا وتطرفًا وربما تجسد ذلك جليًا فى المواقف الخجولة التى اتخذوها حيال الأزمات التى تعرض إليها مجددون حقيقيون إنخرطوا بشكل علمى فى قضية تجديد الفقه الدينى مثل الدكتور نصر حامد أبوزيد، واليوم لا نرى لهم أى موقف داعم لمساعى النظام السياسى من أجل إحداث ثورة حقيقية فى الخطاب الدينى رغم أن تجديده وتغييره يعد المدخل الرئيس إن لم يكن الأهم لتجديد الخطاب السياسى والثقافى والاجتماعى.
الموظف الفاسد والمهمل والحرفى المخادع والتاجر المغالى فى الأسعار، والممرضة التى لا تهتم بمريضها، كل هؤلاء الذين نلتقيهم يوميًا نتاج تلك الحالة المتدنية ومع ذلك من الظلم للشخصية المصرية القول بأننا بحاجة إلى شعب آخر جديد ومختلف فى وعيه وإدراكه للمفاهيم والقيم الإنسانية البسيطة كما يرد البعض تعبيرًا عن يأسه من إمكانية الوصول إلى هذا المواطن.
المسافة أقصر بكثير من قرنين أو ثلاث تلك التى تفصلنا عن المواطن الصالح لجمهوريتنا الجديدة التى نحن بصدد بنائها، وربما كان علينا فقط أن نعبر إليه حيث يقف ينتظر الفرصة لا أن نصنعه من جديد.
العبور إلى سيناء وتحطيم خط بارليف المنيع ومن وراءه أسطورة الجيش الذى لا يقهر كان على يد هذا المواطن الذى تحتاجه الجمهورية الجديدة الذى ظن الجميع أن الهزيمة قد نالت منه، وصحيح أن الأمر لم يحتج سوى فكرة خراطيم المياة التى ابتكرها اللواء باقى ذكى يوسف لنسف ما اعتقد العدو أنه أقوى ساتر ترابى قادر على حمايته إلا أن تلك الفكرة كانت بحاجة إلى شعب يدرك تمامًا قدره ومكانته على مدار التاريخ، شعب قادر على بناء ودعم جيش من أبناءه هو بالمعنى الحضارى أعظم جيوش الأرض.
ذلك الظرف الاستثائى الذى صنعته هزيمة 5 يونيو 1967 وضع المصريين فى لحظة وعى بقيمتهم الحقيقية، فكانت حرب الاستنزاف حتى لحظة العبور العظيم وبعبارة أخرى نفض المصريون تراب الهزيمة تمامًا كما ينفض الرجل الرمال عن ثوبه فإذا هو يعود ناصع البياض لتوه.
هذه اللحظة تكررت فى الثلاثين من يونيو عندما نفض المصريون كل الأوهام والقاذورات الفكرية التى ظلت جماعة الإخوان وأحلافها مما تسمى بحركات الإسلام السياسى يراكمونها حتى أصبحت تبدو مشابهة فى قذارتها ومتانتها لخط بارليف الصهيونى طوال ثمانين عامًا حتى ظن الجميع أنها صارت حائط سد منيع يحول دون العبور إلى الشخصية المصرية الأصيلة.
فى الثلاثين من يونيو حطم المصريون سواتر الجهل والتخلف وخط التطرف الإخوانى حفاظًا على هويتهم المصرية وكأنهم يعبرون إلى أنفسهم مجددًا وإن شئت القول يستعيدون طبيعتهم الأولى قبل أن يدنسها الخطاب الإخوانى البغيض.
أدرك أن المسألة أكثر تعقيدًا لاسيما وأن رواسب وتأثيرات خط بارليف الإخوانى -إن جاز التعبير- مازالت موجودة خاصة وأن الأمر يتعلق أيضًا برواسب خطاب دينى قديم لم يتغير منذ نحو 1200 عام، غير أننا لن نحتاج نصف قرن مثل الذى احتجناه لنستكمل العبور إلى سيناء بخمسة أنفاق و2 مليار متر مكعب مياة معالجة من مصرف بحر البقر وزراعة نصف مليون فدان ناهيك عن المدن الصناعية والموانىء والمراكز اللوجيستية العصرية وكلها بالمناسبة أخطر الأسلحة الاستراتيجية التى فاجأت العدو فى "الطرف الآخر".
هناك نفاط مضيئة قوامها هذا المواطن الصالح لبناء جمهوريتنا الجديدة، وأول تلك النقاط المنظومة المتكاملة التى وضعت الاستراتيجيات ونفذت الخطط لإعادة بناء الدولة عبر مشروعات قومية عملاقة بدأت بالقضاء على العشوائيات وبناء عاصمة إدارية جديدة تملء الفراغ الاستراتيجى شرق القاهرة اتصالًا بملء الفراغ الاستراتيجى داخل حدود بوابتنا الشرقية سيناء مرورًا بالمنطقة الصناعية بقناة السويس والمدن الجديدة بطول البلاد وعرضها.
فى تلك المنظومة نظام عمل وقانون صارم وبيئة صحية أتاحت للجميع فرصة إنجاز مهامه على الوجه الأكمل فى المواعيد المقررة.
وتمتد هذه النقاط المضيئة إلى تجارب أخرى ليست بقليلة مثل صرح د. مجدى يعقوب وقبله صروح د. محمد غنيم ورشاد برسوم وكلها تجارب لمنظومات طبية استطاعت خلق نظام وقانون يجعل الجميع يعمل بانضباط فى ظل إمكانات ليست أفضل بكثير مما تمتلكها المؤسسات الحكومية وتتكرر هذه النقاط فى عدة مؤسسات اقتصادية ضخمة منها الحكومى كالبنوك ومنها الخاص وكل المطلوب هو نقل تجربة هذه المنظومات المتعددة فى الإدراة لمؤسسات الدولة كافة ذلك أن الأمر لا يتعلق فقط بمحدودية الإمكانات وإنما أيضًا بالانضباط وإدراك الموظف لقيمة العمل الذى يقوم به إما عن طريق دورات التدريب والتوعية وإنما بالتطبيق الصارم لقوانين الرقابة والمحاسبة ويقينى لو سادت هذه الحالة مؤسساتنا ووزراتنا وهيئاتنا الحكومية فإنها ستتحول إلى عدوى تشمل باقى أجزاء المجتمع غير أننا قد نحتاج إلى خطوات أخرى ناعمة تساعد على العبور السريع إلى مواطنى الجمهورية الجديدة نشير إليها فى مقالات قادمة.