قضت المحكمه الإدارية العليا ، بأحقية الدولة في الحصول على مبلغ ٢٥١ مليون جنيه من شركة جنوب الوادي للاسمنت مقابل الحصول علي الترخيص لها بمصنع اسمنت من حصة المصانع المحددة لجمهورية مصر العربية .
جاء منطوق الحكم في الطعن رقم ١٠٩٢٧ لسنة ٥٦ ق ع برفض دعوي الشركة بطلب الحصول علي ترخيص دون سداد قيمة مزاد بيع الرخصة .
صدر الحكم برئاسة المستشار أحمد شمس و عضوية المستشارين د.حسن هند ، عادل فاروق ، د. هشام عزب ، عمر السيد نواب رئيس مجلس الدولة ، وبحضور المستشار أحمد عصام مفوض الدولة .
وأكدت المحكمة ، في حيثيات حكمها ، صحة الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصناعة و هيئة التنميه الصناعيه بشأن بيع تراخيص مصانع الأسمنت بالمزاد العلني بعد تأهيل الشركات المتقدمه ومن بينهم شركة جنوب الوادي وفقا لاحكام قانون المناقصات و المزايدات.
وأضافت أنه إزاء الطلبات المتكررة والشكاوى التى تقدمت بها الشركة المدعية، بطلب إعفائها من الاشتراك فى المزايدة، فقد قامت الجهة الإدارية بإحالة الأمر إلى اللجنة الفنية المختصة بدراسة طلبات منح تراخيص مصانع الأسمنت.
وانتهت اللجنة إلى أنه يجوز منح الترخيص للشركة، إذا ما قامت بسداد السعر الذى رسى به المزاد، وذلك حفاظاً على المال العام ، ولكن ثار تساؤل قانونى حول تحديد سعر المزايدة بهذه المحافظة، أيكون مبلغ (134.5) مليون جنيه، أم مبلغ (251) مليون جنيه.
وتنفيذاً لاتفاق وسطي ، تضمن اعتبار سعر المزايدة ١٣٤ ونصف مليون جنيه ، أصدرت الجهة الإدارية موافقة نهائية للشركة المدعية لإقامة وتشغيل مصنع أسمنت بمحافظة بنى سويف، بطاقة إنتاجية مليون وخمسمائة ألف طن سنوياً، واستهلاك غاز طبيعى (135) مليون متر مكعب سنوياً
ولكن ثبت للمحكمة ، أن الشركة المدعية نقضت هذا الاتفاق، ولم تقدم دليلاً على سداد المبلغ المتفق عليه ، وأصرت الشركة على أحقيتها فى الحصول على الترخيص بعد سداد (جنيهين مصرى) لا غير، الجعل المالى المقرر بمقتضى قانون الصناعة الصادر منذ ما يزيد على ستين عاماً.
ورأت المحكمة ، أن طرح رخصة أسمنت بمحافظة بنى سويف فى مزايدة علنية رفق الشروط التى أعلنت عنها الجهة الإدارية، وسريان هذه الشروط على الشركة المدعية، يتفق مع القانون ، ومع المصلحة العامة ، فإجراءات هذه المزايدة كانت محققة- بصدق- لتكافؤ الفرص بين الشركات التى تزاحمت على الحصول على رخصة مصنع الأسمنت المزمع إقامته فى محافظة بنى سويف، وتمت الإجراءات فى شفافية ونزاهة.
كما أن اتفاق الجهة الإدارية مع الشركة المدعية على سداد الأخيرة لسعر المزاد، على الرغم من عدم اشتراكها فى المزايدة يعد- على الحقيقة- بمثابة قرار بإلغاء المزايدة لتقديم سعر وحيد لأن الشركات انسحبت من المزايدة قبل إتمام الجولة الثانية ، وإلغاء المزايدة فى هذه الحالة، أمر تملكه الجهة الإدارية، وقد قدرت أن الإلغاء يحقق المصلحة العامة، وخلت الأوراق مما يفيد انحراف أو تعسف الجهة الإدارية بسلطتها عند إلغاء المزايدة أو الاتفاق مع الشركة المدعية ، بل إن هذا الاتفاق كان إدراكاً من الجهة الإدارية لظروف واقع مشروع الشركة كونها اتخذت خطوات جادة نحو إقامة المشروع.
وهذه الخطوات وإن لم تضع الشركة المدعية فى مركز قانونى يمنحها وصف (المرخص له قانوناً).
بيد إن الجهة الإدارية لم تغفل هذا الواقع، واعتبرته جديراً بالحماية، ولكن الجهة الإدارية أحدثت توازناً بين حماية هذا الواقع الجاد وبين المحافظة على المال العام، لذلك اشترطت سداد الشركة لسعر المزايدة ، وحتى تتم المساواة بين باقى المستثمرين الذين لم يحصلوا على رخص مصانعهم إلا بعد سداد السعر الذى رسى به المزاد.
وهذه المرونة التى أبدتها الجهة الإدارية اتسمت بالمشروعية، وتوافقت مع معايير الرشد الإدارى، وتهدف إلى تحقيق التوازن الفعال بين المحافظة على المال العام وبين تشجيع الاستثمار الصناعى بما يتوافق مع خطط التنمية المستدامة ، ومن ثم فليس صحيحاً ما زعمته الشركة من وصف سعر المزايدة بأنه ضريبة فرضتها الجهة الإدارية بالمخالفة للدستور.
ورأت المحكمة ، أن الدولة المصرية بحاجة إلى الاستثمار الخاص، فإن حاجتها لا تحرمها من حقها فى تحديد عدد المشروعات الصناعية بما يحقق أعلى عائد مالى واقتصادى وتنموى للناتج القومى لاقتصادها ، وفى الحقيقة فإن حق الدولة المستضيفة للاستثمار الداخلى فى أن تختار أفضل المتنافسين على العدد المحدود من المشروعات الصناعية بما يتفق وخطط التنمية، هذا الحق يعد توقع مشروع للدولة، وجدير بالحماية، شأنه شأن حق المستثمر فى تحقيق أعلى ربح، إذ لا تعارض بينهما.
كما أن حق الدولة فى هذا الشأن ، من أخص مظاهر سيادتها التى لا يجوز قانوناً أن تحرم منه ، ولو تحت وطأة حاجتها لمشاركة القطاع الخاص فى تنفيذ خطط التنمية الحاصل أن الجهة الإدارية وهى تمارس سلطة الضبط الاقتصادى بشأن منح رخص لإقامة عدد محدود من مصانع الأسمنت، ما كان ينبغى لها ألا أن تضع القواعد الموضوعية التى تقدم بيانها للاختيار بين المتزاحمين على رخص هذه المشروعات .