في مثل هذا اليوم قبل 11 عاما غيَّب الموت والدي في «عز شبابه» قبل أن يُكمل عامه السادس والأربعين، وحين يموت الأب وقتها فقط تدرك معنى أن تصبح يتيمًا حتى وإن كنتَ سمعتَ وقرأتَ وعاصرتَ عشرات الحالات من الأيتام، فرغم بلوغي العشرين عاما حينئذٍ إلا أنني شعرت وكأنني طفل يتعلم المشي، ويبحث عن جدار يستند إليه حتى لا يسقط.
كان القدَر رحيمًا بي بعد أن جعلني أعيش مع والدي سنوات مرضه، وصراعه مع الفيروس الكبدي الوبائي اللعين «C»، فرغم حزني عليه طيلة هذه السنوات، إلا أنه كان راضيًا محتسبًا صابرًا لا يتضجر أبدًا.. أذكر أنه حتى آخر أنفاسه داخل العناية المركزة كان يدعو ربه بأن يجعل هذه المعاناة في ميزان حسانه، وأقول إن القدَر كان رحيمًا بي؛ لأنك عندما ترى أقرب الناس إليك يتمزق من داخله فلا يمكنك أن تتمنى له سوى الراحة، وهو ما يهون عليك صدمة الموت، حتى وإن كانت هذه الراحة ستوقعك أنت في بئر مظلمة.
بعد وفاة الأب معاني الحياة تختلف؛ الأحلام تتبدل.. الكل مُشفق عليك ويتساءل بينه وبين نفسه: «ماذا ستفعل أنت ولم تكمل تعليمك بعد؟». ليس أمامك سوى أن تُعيد النظر في كل شيء، لكنك لا تفكر إلا في شيء واحد «هل حقًّا لن أرى أبي مرة أخرى؟».
حاول أن يستفيق من الصدمة فوقف أمام المرآة، وسأل نفسه عمّا مضى وما آتٍ: «هل هناك شيء فعله قبل ذلك لإرضاء نفسه؟» كل ما حاول واجتهد لفعله كان بهدف إسعاد والده، طالبه بالتفوق وهو طفل فاشل لا أحد يتوقع منه أكثر من الحصول على «الدبلوم» مثل أبناء عمومته، فيجتهد ويتفوق ويلتحق بإحدى كليات القمة، كان على استعداد أن يفعل أي شيء بدافع وحيد؛ وهو أن يُسعد والده الحنون، الذي لا يملك الآن سوى أن يدعو له في كل صلواته، ويتمنى أن يراه ولو في المنام.
كل أهدافه انهارت، وأحلامه تحطمت بعد رحيل دافعه الوحيد في الحياة مبكرًا، وما زال يبحث عن دافع أو أمل علَّه يجده في أولاده.
آراء حرة
هل تراني يا أبي؟
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق