يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أشهر سيفه في وجه المغرب العربي، بعد قرار تخفيض التأشيرات إلى تونس والجزائر والمغرب، وجاء الإعلان عن طريق بيان يتضمن لهجة حادة وفق تصريحات جابريال أتال المتحدث يإسم الحكومة الفرنسية الذي قال "حصل حوار ثم وجهت تهديدات، اليوم ننفّذ التهديد " في لهجة متشددة، أبدت استغراب البعض، وقررت باريس تقليص أعداد التأشيرات الممنوحة لتونس والمغرب والجزائر بنسب تتراوح بين ٣٣ و٥٠ في المائة.
وبررت فرنسا قرارها بأن دول المغرب العربي رفضت التعاون بشكل مقنع مع باريس في استرجاع مواطنيها المعنيين بإجراءات ترحيل على خلفية وجودهم على التراب الفرنسي بصفة غير شرعية أو لتورطهم في أنشطة متطرفة جعلتهم تحت طائلة القانون ولم تعد فرنسا ترغب في وجودهم على أراضيها.
واحتلت الجزائر الصدارة في أزمة فرنسا مع المغرب العربي، بسبب التصريحات التي أدلى بها ماكرون خلال اجتماعه ببعض الشباب الجزائريين ونشرت صحيفة "لموند" الفرنسية، حيث أكد ماكرون "أن النظام الجزائري متعب وقد أضعفه الحراك"، مضيفا خلال استقباله ١٨ شابا وفتاة من عائلات عاشت أتون الحرب في الجزائر "أنا شخصيا كان لي حوار جيد مع الرئيس تبون، لكنني أرى أنه عالق داخل نظام صعب للغاية ".
وأوضح الرئيس الفرنسي في رده على مداخلة أحد الشباب الذين قالوا إن الجزائريين لا يكنون كراهية لفرنسا: "أنا لا أتحدث عن المجتمع الجزائري في أعماقه ولكن عن النظام السياسي العسكري الذي تم بناؤه على هذا الريع المرتبط بالذاكرة".
وأشار ماكرون إلى أنه يرغب في إعادة كتابة التاريخ الجزائري باللغتين العربية والأمازيغية: "لكشف تزييف الحقائق الذي قام به الأتراك الذين يعيدون كتابة التاريخ" مبديا اندهاشه من قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تماما الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها، وترويجها لفكرة أن الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون، وهو أمر يصدقه الجزائريون".
وتساءل الرئيس الفرنسي: "هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال"، ما تسبب في غضب عارم لدى المسئولين الجزائريين والشعب على السواء.
سحب السفير الجزائري من فرنسا
وجاء رد الفعل الجزائري بسحب السفير محمد عنتر داود، من باريس، وأعربت الرئاسة الجزائرية في بيان لها رفضها القاطع للتدخل غير المقبول في شئونها الداخلية، موضحة أن هذه التصريحات تحمل في طياتها اعتداء غير مقبول لذاكرة ٥ ملايين و٦٣٠ ألف شهيد ضحوا بالنفس والنفيس في مقاومتهم البطولية ضد الغزو الاستعماري الفرنسي وكذا في حرب التحرير الوطني المباركة.
وأضاف البيان أن جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر لا تعد ولا تحصى وتستجيب لتعريفات الإبادة الجماعية ضد الإنسانية، فهذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم ولا يجب أن تكون محل تلاعب بالوقائع وتأويلات تخفف من بشاعتها.
فيما كشفت مصادر أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قرر إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام جميع الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل في إطار عملية "برخان"، حيث إن عبور الطائرات العسكرية الفرنسية إلى منطقة الساحل عبر الأجواء الجزائرية "امتياز ممنوح لفرنسا منذ فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وظل ساري المفعول لمدة ٤ سنوات".
في هذا السياق، قال توفيق بوسيتي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة ٨ ماي ١٩٤٥ قالمة الجزائرية، إن سحب سفير الجزائر من باريس، هي خطوة طبيعية تنسجم وتتسق مع الأعراف الدبلوماسية باعتبار تصريحات ماكرون تندرج ضمن التدخل في الشئون الداخلية لدولة الجزائر، إلى جانب حساسية العلاقات بين البلدين باعتبار الجزائر مستعمرة فرنسية تاريخيًا، وفي ظل تطلع الجزائر لقيام فرنسا بالاعتراف بجرائمها الاستعمارية في الجزائر.
وأشار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في تصريحات خاصة لـ"البوابة" إلى أن مستقبل الأزمة ربما يتجه نحو مطالبة الجزائر اعتذار فرنسي عن الجرائم الاستعمارية، وربما يكون هناك تصعيد بشأن ملف العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
ماكرون يغازل الناخب الفرنسي
وتطرق ماكرون لملف التأشيرات خلال لقائه بالشباب الجزائريين، حيث أعلن أن القرار لن يؤثر على الطلاب ومجتمع الأعمال، مضيفا "سنقوم بالتضييق على أشخاص ضمن النظام الحاكم، الذين اعتادوا على التقدم بطلب للحصول على تأشيرات بسهولة، وهي وسيلة ضغط للقول لهؤلاء القادة إنه إذا لم يتعاونوا لإبعاد الأشخاص الموجودين في وضع غير نظامي وخطير في فرنسا، فلن نجعل حياتهم سهلة".
وعلقت مارين لوبن المرشحة الفرنسية السابقة في الانتخابات الفرنسية وأبرز معارضي ماكرون على قرار خفض التأشيرات قائلة "إن حكومة ماكرون انتظرت طويلًا قبل أن تتصرف"، مضيفة "منذ فترة طويلة، طويلة، طويلة، طويلة، كنت أطالب باتخاذ خطوات لإلزام دول معينة باحترام القانون الدولي، وذكرت الجزائر وتونس، يسرني أن رئيس الجمهورية سمعني، أجد أن الوقت متأخر بعض الشيء".
وأثار قرار ماكرون بشأن التأشيرات استغراب النائب بالبرلمان الفرنسي أورلين برادي متسائلا "لماذا تفعل هذا فجأة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية؟"، وتم الإعلان عن تحرك الحكومة بشأن التأشيرات في نفس اليوم الذي قالت فيه المرشحة الرئاسية مارين لوبان إنها ستدعو إلى استفتاء يقترح قيودًا صارمة على الهجرة إذا تم انتخابها.
في هذا السياق؛ قال الدكتور توفيق بوسيتي، إن فشل ماكرون في عدد من الملفات الخارجية، وأبرزها أزمة الغواصات مع أستراليا، إلى جانب تضاؤل الدور الفرنسي في مالي، يدفعه إلى الاستجابة لمطالب اليمين في فرنسا، والمرتكز أساسًا على مناهضة الهجرة من الضفة الجنوبية للمتوسط وخاصة من دول المغرب العربي".
وأضاف "بوسيتي"، أن "قرار ماكرون بتخفيض التأشيرات يعتبر محاولة منه لكسب تعاطف اليمين المتطرف في فرنسا قبيل الانتخابات الرئاسية العام المقبل، المزمع إجراؤها أبريل ٢٠٢٢ خاصة في ظل الأوضاع والمطالب الاجتماعية والاقتصادية في فرنسا وتراجع شعبية الرئيس".
وأشار إلى أن "ملف الهجرة هو ملف تحكمه العديد من الاتفاقيات التي تربط أوروبا بشكل عام "الاتحاد الأوروبي" مع دول جنوب البحر المتوسط "الدول المغاربية" بدءا من إعلان برشلونة وصولًا إلى إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية بين فرنسا وبلدان المغرب العربي كل على حدا".
ونشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية نتيجة استطلاع أجرته خلال سبتمبر المنصرم، أوضحت أن ملف الهجرة احتل المرتبة الخامسة في الاهتمامات الرئيسية للناخبين الفرنسيين، وجاءت بعد ملفات الصحة والبيئة والرعاية الاجتماعية وكيفية تغطية نفقاتهم.