عُقد لقاء القادة الدينيين، صباح اليوم، في الفاتيكان، وذلك في إطار الاستعداد لمؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي COP26 الذي سيُعقد في غلاسكو في نوفمبر المقبل.
وألقى البابا فرنسيس بابا الفاتيكان ، كلمة قال فيها: “إنَّ جميع الأمور متصلة ببعضها البعض، وكل شيء في العالم مرتبط بشكل وثيق. ليس العلم فقط، وإنما أدياننا وتقاليدنا الروحية تسلط الضوء أيضًا على هذا الارتباط الموجود بيننا جميعًا وباقي الخليقة. نحن نرى علامات التناغم الإلهي الموجودة في العالم الطبيعي: لا وجود لمخلوق مكتفٍ بذاته؛ كل مخلوق موجود فقط بالاعتماد على المخلوقات الأخرى، لكي يكمل أحدهما الآخر، في الخدمة المتبادلة. يمكننا أن نقول تقريبًا أن الخالق قد أعطاه للآخرين لكي يتمكنوا من أن ينموا ويحققوا ذواتهم بشكل كامل في علاقة محبّة واحترام. نباتات ومياه وكائنات حية يرشدها قانون طبعه الله فيها من أجل خير الخليقة كلِّها”.
وتابع البابا فرنسيس حسب ما نشرته الصفحة الرسمية للفاتيكان منذ قليل : يقول إن الاعتراف بأن العالم مترابط لا يعني فقط فهم العواقب الضارة لأفعالنا، وإنما أيضًا تحديد التصرفات والحلول التي ينبغي تبنيها بنظرة مُنفتحة على الترابط والمشاركة. لا يمكن للمرء أن تتصرف بمفرده، وبالتالي فإن التزام كل فرد بالعناية بالآخرين والبيئة هو أمر أساسي، وهو التزام يحمل إلى تغيير مُلحٍّ في المسار ويجب أن يتغذى أيضًا من إيمان الفرد وروحانيته. بالنسبة للمسيحيين، تنبع نظرة الترابط من سر الله الثالوث: فالإنسان ينمو وينضج ويتقدّس بقدر ما يدخل في علاقة، عندما يخرج من ذاته ليعيش في شركة مع الله، والآخرين ومع جميع المخلوقات. وهكذا يأخذ في حياته تلك الديناميكية الثالوثية التي طبعها الله فيه منذ لحظة خلقه.
وأضاف البابا فرنسيس ، بإنَّ لقاء اليوم، الذي يوحد العديد من الثقافات والروحانيات بروح الأخوة، يعزز الوعي بأننا أعضاء في عائلة بشرية واحدة: لكل منا إيمانه وتقاليده الروحية، ولكن لا توجد حدود أو حواجز ثقافية أو سياسية أو اجتماعية تسمح لنا بعزل أنفسنا. ولكي نسلِّط الضوء على هذه النظرة، نريد أن نلتزم بمستقبل يتشكل من الاعتماد المتبادل والمسؤولية المشتركة. وهذا الالتزام ينبغي أن نطلبه باستمرار من محرك الحب: لأنّه من أعماق كل قلب، يخلق الحب الروابط ويوسع الحياة عندما يجعل الشخص يخرج من نفسه نحو الآخر. وبالتالي، فإن قوة الحب الدافعة لا "تتحرك" لمرة واحدة وحسب، وإنما ينبغي إحياؤها يومًا بعد يوم؛ وهذا هو أحد أكبر الإسهامات التي يمكن لأدياننا وتقاليدنا الروحية أن تقدمها من أجل تسهيل تغيير المسار هذا الذي نحن بأمسِّ الحاجة له.
وتابع البابا فرنسيس يقول الحب هو مرآة حياة روحية تُعاش بعمق. حب يمتد إلى الجميع، أبعد من الحدود الثقافية والسياسية والاجتماعية؛ حب يدمج، أيضًا وبشكل خاص لصالح الأخيرين، الذين غالبًا ما يعلموننا أن نتخطّى حواجز الأنانية ونكسر جدران الأنا. إنّه التحدي الذي ينشأ إزاء الحاجة لمواجهة ثقافة الإقصاء هذه، التي يبدو أنها تسود في مجتمعنا وتستقر على الذين يسمّيهم نداؤنا المشترك بذور الصراعات: الجشع، واللامبالاة، والجهل، والخوف، والظلم، انعدام الأمن والعنف. إنها بذار الصراع عينها التي تسبب الجراح الخطيرة التي تُلحق الضرر بالبيئة مثل تغير المناخ، والتصحر، والتلوث، وفقدان التنوع البيولوجي، وتؤدي إلى كسر ذلك العهد بين الكائن البشري والبيئة الذي يجب أن يكون مرآةً لمحبة الله الخالقة، التي منها نأتي ونسير نحوها.
واستطرد البابا فرنسيس، إنَّ هذا التحدي لصالح ثقافة العناية ببيتنا المشترك وذواتنا يحمل طعم الرجاء لأنّه لا شك في أن البشرية لم يكن لديها أبدًا هذا الكمُّ من الوسائل لتحقيق هذا الهدف كما هو الحال اليوم. وبالتالي يمكننا مواجهة هذا التحدي عينه على مستويات مختلفة؛ ولكن أرغب بشكل خاص أن أسلط الضوء على اثنين منهم: المثال والعمل، والتعليم. في كلا المستويين، يمكننا، إذ نستلهم من إيماننا وتقاليدنا الروحية، أن نقدم إسهامات مهمة. هناك العديد من الاحتمالات التي تظهر، كما يُظهر أيضًا النداء المشترك، الذي يوضح أيضًا مسارات تعليمية وتربوية مختلفة يمكننا أن نطوِّرها لصالح العناية ببيتنا المشترك.
وتابع بابا الفاتيكان : هذه العناية هي أيضًا دعوة للاحترام: احترام الخليقة، واحترام القريب، واحترام الذات، واحترام الخالق. وإنما أيضًا الاحترام المتبادل بين الإيمان والعلم، لكي يدخلا في حوار فيما بينهما موجه نحو العناية بالطبيعة، والدفاع عن الفقراء، وبناء شبكة من الاحترام والأخوَّة. احترام لا يكون مجرد اعتراف بالآخر سلبي وتجريدي، بل يعاش بطريقة تعاطفية وفاعلة في الرغبة في معرفة الآخر والدخول في حوار معه من أجل السير معًا في هذه الرحلة المشتركة، مدركين جيدًا، وكما يشير النداء، أن ما يمكننا تحقيقه لا يعتمد على الفرص والموارد وحسب، وإنما على الرجاء والشجاعة وحسن النية أيضًا.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول نظرة الترابط والمشاركة، محرك الحب والدعوة إلى الاحترام. إنها ثلاث كلمات أساسيّة يبدو لي أنها تنير عملنا للعناية بالبيت المشترك. إنَّ مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي COP26 في غلاسكو مدعوٌّ بشكل مُلحٍّ لكي يقدِّم أجوبة فعالة للأزمة البيئية التي لم يسبق لها مثيل ولأزمة القيم التي نعيشها، وبالتالي لكي يقدّم رجاء ملموسًا للأجيال القادمة: ونحن نرغب في أن نرافقه بالتزامنا وقربنا الروحي.