الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوادث وقضايا

الانتحار.. ناقوس خطر يهدد المجتمع .. خبراء: غياب الهوية والاهتزاز النفسي أبرز الأسباب

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لحظة فارقة أشبه بالشعرة بين الحياة والموت، دقائق قليلة تفصل الإنسان، بين هذه الحياة التي قرر أن يتركها، وبين الموت الذي قرر أن يذهب إليه طواعية أو مرغمًا، هذا سر لا يعمله سوى من اتخذ هذا القرار.

تفكير مشوش لا يستطيع الإنسان أن يميز به بين ما يجب عليه فعله وبين ما هو مُساق إليه دون وعي ودون تحكم كأنه تحت تأثير مخدر، نبضات قلب تتسارع تعجز عن إيقافه عن قراره الذي لا رجعة فيه حسبما يرى، أنها آخر خمس دقائق قبل أن يُقدم الإنسان فيها على الانتحار بمحض إرادته أو مسلوبًا منها.

بكل تأكيد من قرر أن ينهي عمره في لحظة لم يفكر فيمن سيحزنون لفراقه أو فيمن سيتركهم وراءه يحملون له ذكرياتٍ مختلطةً بالدموع، لم يفكر في مستقبله الذي اختار أن ينهيه الآن، ولكن لا يرى سوى تلك الغشاوة التي نزلت على عينيه فأعمته عن رؤية الحياة وأخذته نحو الموت الذي قرر أن يختم به مصيره.

تساؤلات عديدة نطرحها لنصل إلى أسرار هذه الدقائق الأخيرة في حياة المنتحر في ماذا يفكر ولماذا قرر الانتحار وما دور المجتمع والدين ووسائل التواصل الاجتماعي في هذا القرار، وكيف يمكن تقليل نسبة معدلات الانتحار ومواجهة هذا السلوك الذي يقضي على حياة الإنسان.

في الإسماعيلية؛ حاول شاب الانتحار، وهو في العشرينيات من العمر، وذلك بعدما رفض أهله زواجه من فتاة يحبها رغم الإلحاح الشديد منه، ما تسبب له في أزمة نفسية.

وفي محافظة كفر الشيخ؛ أقدم طالب بالثانوية التجارية على التخلص من حياته بتناول قرص حفظ الغلال، إلا أن العناية الإلهية أنقذته، وجرى إسعافه.

وفي كفر الشيخ أيضًا؛ قام صبي وفتاة لم يتجاوز عمرهما الـ١٥ عامًا بالانتحار، عندما رفضت أسرتهما الارتباط فقاما بإنهاء حياتهما، بتناول حبة الغلال المعروفة إعلاميا بـالحبة القاتلة.

كما ألقت سيدة في العقد الخامس من عمرها بنفسها أسفل عجلات مترو الأنفاق، لحظة دخوله محطة عين شمس.

وفي ذلك السياق؛ قال الخبير النفسي، الدكتور محمد عبد المنعم يوسف، إن القصة أشبه بالبالون المتروكة على الأرض وغير مقيدة بأي شيء فيصعب السيطرة عليها أو معرفة ما سيحدث لها، فالسبب الأساسي لزيادة معدلات الانتحار هو غياب الهوية المجتمعية والشخصية الثقافية والدينية، بدأت معدلات الانتحار في الارتفاع وأخذت في التزايد من بعد أحداث ٢٥ يناير. وأضاف "عبد المنعم": لأن السياسة جزء من حياتنا فبعد هذه الأحداث دخلت على المجتمع فكرة أن الفوضى هي الحرية، إلا أن مفهوم الحرية الحقيقي هو التصرف وفق اختيار الشخص كيفما يريد ولكن في نطاق ثوابت اجتماعية وثقافية ودينية وقانونية، وأما الثمار التي نجنيها حاليا ما هي إلا ثمار الفوضى التي رأيناها خلال أحداث ٢٠١١ وما تبعها من أحداث فوضوية.

وقال: مثل التحرش على سبيل المثال سببه هو الفهم الخاطئ لمصطلح الحرية، وكذلك مثل زيادة معدلات العنف الأسري واستغلال الأطفال نرى السبب وراء كل هذا هو الفهم الخاطئ للحرية، هذا الجيل أصبح مُهددًا ولا يستطيع أن يكوِّن شخصية مستقرة خاصة بذاته.

وأكد أن معدلات الانتحار قد ارتفعت خلال العشر سنوات الماضية، ومن الطبيعي أنه إذا تم زراعة شيء نجني محصوله بعد فترة، وما وصلنا إليه الآن ما هو إلا نتيجة لما تمت زراعته داخل المجتمع من فوضى منذ عشر سنوات، ولا أنكر وجود فكرة الانتحار منذ زمن لأن هذا طبيعي فنحن في هذه الدنيا تواجهنا أشكالا وأنواعا عديدة من المشكلات.

وأردف محمد عبدالمنعم يوسف، إن بعض النشطاء استغلوا الانتحار كوسيلة سياسية ليرسلوا بها رسائل من خلال القيام بالانتحار مثل محمد بو عزيزي وبسمة محجوب التي انتحرت، وقالت قبل الانتحار إنها تبعث رسالة سياسية للمجتمع المصري ولكن في حقيقة الأمر أنها كان لديها مشكلات نفسية وظروف سيئة، فبدأنا نزرع أن الانتحار عمل بطولي يتم إرسال الرسائل من خلاله.

وفيما يتعلق بالحل ومواجهة الانتحار؛ يشير "عبدالمنعم"، إلى أن هذه الحوادث سببها هو ضعف التواصل، فالحل السحري هو التواصل داخل الأسرة، وما بين المراهقين بالأكبر سنًا، منهم مثل الأب والأم، فيجب التواصل مع المراهق والتقرب منه ولا نتركه فريسة لمعلومات أو وقائع خاطئة على صفحات النت والسوشيال ميديا فيشاهد مقاطع فيديو تعجبه فيحاول تقليدها.

وأطلب من الإعلام عدم محاولة التبرير للمنتحر بل على العكس يجب أن ينفّر من هذا الفعل، وللأسف الإعلام قد يساعد في جعل المنتحرين أبطالًا دون قصد وبهذا الشكل يجعل المراهق عندما يشاهد هذه الصورة التي يرسمها الإعلام للمنتحر يحاول أن يقلدها وبهذا نكون أداة لتدمير جيل كامل.

من جانبه؛ قال الدكتور فتحي قناوي، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية، إن الانتحار بين المراهقين أو بوجه عام لا يُعد ظاهرة، وذلك لأنه لا يمثل ١٠٪ من عدد سكاننا، ولكن الفكرة في أن التوقيت الذي حدثت فيه عدة وقائع انتحار كان متقاربا وفي أزمنة متتابعة خلال وقت قصير، وهذا ما جعلنا نلحظ تزايدًا في حالات الانتحار.

وأوضح، أن أسباب الانتحار هو حدوث اهتزاز نفسي لدى الفرد يجعله يشعر بأنه كل شيء يهتز من حواله، فعملية الحصول على ما يريد هي الأساس، فعندما يحاول الفرد بشتي الطرق الحصول على ما يريد في حدود فكره المحدود يؤثر ذلك على تفكيره واتخاذه للقرار.

وقال "قناوي": بالإضافة لعدم مشاركة الآخرين وابتعادهم عن التعامل معه والضغط الأسري مع عدم وجود نزعة دينية قوية عنده ولا اتساع أفق ولا وعي، فيلجأ هنا لأخذ القرار السريع الذي يخلصه من كل مشكلاته بشكل سريع وهو الانتحار.

ويذكر "قناوي"، أن الانتحار هو عملية فردية تحدث نتيجة للضغوط التي تقع على المنتحر، فلو نظرنا إلى جميع الناس سنجد أن الجميع عليه ضغوط فلماذا لا ينتحرون جميعا!، لأن ببساطة لدينا أسس وعوامل ومقومات تمنعنا من هذا التفكير من أساسه سواء نواحي اجتماعية أو نفسية أو أنه عنده أمل في أن المشكلة ممكن حلها، فبالتالي يفضل عدم التركيز؛ لأن انتشار الظاهرة يكون من خلال عرض المشكلات، فلا بد أن يكون عندنا أخلاقيات ووعي.

وفيما يخص الروشتة العلاجية للحد من هذه الحوادث؛ يقول الدكتور فتحي قناوي، إن الاختيار السليم للزوج والزوجة، من أساسيات تفادي هذه الحوادث، فلا بد من وجود تفاهم بين الطرفين، ليستطيعا إخراج نشء سوي، ولابد من وجود تربية قبل الرعاية، لأن هناك فرقا بينهما، فالأسرة التي تربي تختلف عن الأسرة التي ترعى.

وقال الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع: يجب علينا معرفة أن فترة المراهقة هذه فترة مضطربة نفسيًا، فالشخص يعرف هل هو طفل أم نضج، سنجد في تلك المرحلة بعض التوتر، وعدم إدراك، وتطرف في الأفكار والملابس وكل شيء، وفيما يخص التربية؛ فإن بعض الأهل عندهم أفكار متطرفة، وسوء معاملة للبنت.

وأضاف "صادق": فيقوم بالتضييق عليها بمفاهيم موروثة، بأن هذه بنت ويخاف والدها عليها، وأنها ستجلب العار في العائلة، فيضيق عليها ويسأل إلى أين ستخرجين ومتى ستعودين وماذا كنتِ تفعلين، أوقات يكون الخوف من الأهل نتيجة إن الشارع المصري غير آمن فبالتالي أنا لا أكون مطمئنًا على ابني أو بنتي وأحيانا يكون لدى الأهل الحق وهذا أمر طبيعي، فمثلا إذا كنت ستذهب إلى الأصدقاء أو النادي.

وفيما يخص الحب في مثل هذه السن أوقات يكون جميلًا بلا مقاومة أو تجارب سابقة قبل ذلك، ويتمحور الكون في الشخص الذي يحبه، ولو هذا الشخص ضاع من يدي فسأكون دمرت حياتي، فلو هذا الحب ضاع من يدي سأعتبر نفسي تعبت بفيروس، وسأرتاح قليلًا إلى أن يتعافى جسدي، وأراجع الطبيب.

واستدرك قائلا: لكن للأسف هناك بعض الناس يظن أن الحياة قد انتهت وبما أنه لم يتزوج من الفتاة التي أحبها فبالتالي يخسر حياته بسهولة، وبعض المراهقين يرون أن قصص الحب التي تنتهي بالموت وكلاهما مجانين ويقولون لبعضهما هيا نقلدهم وننتحر، لكن إذا كان الشخص عاقلًا سيقول للطرف الثاني لا انتظر مازال العمر أمامنا.

ويواصل الدكتور سعيد صادق، موضحًا أن فكرة الانتحار يسهل تنفيذها، فمن الممكن شرب السم أو تناول أقراص أو حبات، وهذا يفسر أنني أوجه رسالة للمجتمع بأني راحل لأن المجتمع لم يفهمني، وفيما يخص الروشتة العلاجية للحد من هذه الحوادث فأنصح بعدم التشدد مع المراهقين والتعامل معهم بحرص شديد؛ لأنهم في مرحلة الحساسية الزائدة، وضرورة العناية بالفتيات بالذات.

ويشير "صادق"، إلى أن بعض الأسر متطرفة في تعاملها لكن التضييق الزيادة عن اللازم، يؤدي إلى عدم راحة أو سعادة، والمدارس والجامعات يجب أن تقيم ندوات عن مشكلات الشباب، وتضع لها الحلول، مع ضرورة وضع خط مجاني للاتصال، ويكون سريًا لا يعرف أي شيء عن هوية المتصل، حتى يجد المقبل على الانتحار من يساعده ويكشف هويته.