أشعة الشمس تمددت هذا الصباح في السماء ،لكنها كثفت أشعتها على نافذة نور لتوقظها ،فهي تحب الشمس ،نور فاجأت الصباح باستيقاظها مبكرا وقبل الشمس ،فالأشراق يكمن في روحها ،دائما ماتقول :
النور يبدا ها هنا وتشير إلى قلبها .
فتحت نافذتها تنفست الهواء المندى برائحة الليل الغائب ،فردت ذراعيها حتى بدت وكأنها تعانق السماء ،ارتدت ملابسها ،وضعت الحكل في عينيها ،والأحمر في شفتيها ،استكملت زينتها بعقد الؤلؤ،ابتسمت كعادتها حتى صارت ابتسامتها تفصيلا لا يختلف عن عينيها ،لم يصادف أن أرى تكشيره تعلو وجهها ،يتجلى مزاجها غير الرائق بخفوت بريق العينين .
ملأت نهاري بتفاصيلها الصغيرة ،منحتني بهجة متفردة ،جعلتني أحب الصباح وأنتظره ، لم أشعر بهذا في اللقاء الأول العابر لكن بعد مراقبتي لها ،فعندما صادفني صباحها لأول مرة ظننت كما الجميع أنها مجنونة ،حين تأملتها أسرتني طريقتها الفريدة في الاحتفال بالصباح ، كانت تصر على تقديم التحية طازجة لكل البشر في أوانها ،تمضي يومها باكرا بالتجوال فى الشارع المزدحم بالمارة بسيارتها البرتقالية الصغيرة ،تطلق أبواق سيارتها نغمات متتالية فرحة بالحياة ،تحييّ كل من يمر فى طريقها بمرح :
صباح الياسمين ،صباح مكلل بعطر الزهور...
يرتبك الأخرون ويرون هذا الأحتفال فى غير محله .
كانت ترى أن وجود الصباح الجديد أمر يستحق الاحتفال، تلوح بيديها ،أتمنى أن ينافس صباحك مساءك بهجة ،تلقى قبلات فى الهواء ،يصرخ بها أحدهم :
أذهبي يامجنونه من هنا...
تستمر بالابتسام لديها قدرة خارقة على مواجهة التفاصيل المزعجة بقلب مفعم بالأمل والسعادة ،وحين يمر بها أحدهم دون أن يلتفت لتحيتها ،توقف سيارتها على جانب الطريق وتركض خلفه لتتأكد من وصولها :
كم هو سرور عظيم مرورك فى طريقى شكرا لك .
كان البعض يفهم تحيتها على غير مقصدها ،يسيئون لها والبعض الآخر يتجرأ عليها بالسب والشجار ،رغم سؤ قبول تحيتها لم تمتنع مرة واحدة عن ذلك ، كانت تلتمس لهم العذر وتبرر:
" الناس مثقلون بالهموم ،ذاهبون إلى العمل محزونين كئيبين ،أنا أفهم شعورهم وأقدر... " تمضي فى طريقها لآخر الشارع وتعود مرة أخرى ،تصدر "كلاكسات "تخرج رأسها ويديها من شباك السيارة ،توشك على السقوط .
ترتب اللوحات على الرصيف ،تغمس الفرشاه بالألوان ،تدعو كل من يمر بقرب بستان صباحها ،أن يملأ اللوحة الفارغة ،أو يترك أثرا.
كانت لي كضربة فرشاة ملونة فوق الأبيض الفارغ .
غابت نور وغاب معها الإشراق ،شيء ما دفعني للوقوف أسفل نافذتها ، مناديا :
نور نور غيرعابئ بنظرات العابرين ،فتحت نافذتها التي اشتكت الغياب ،كان الظل يغطي نصف وجهها ويشطر ابتسامتها نصفين، صدمت عندما اختفت ضحكتها ولمحت دموعها لأول مره ، بادرت هي بالإجابة عن سؤال لم أنطقه :
قررت الآن بعد المشهد الأخير أن أرفع الستار، وأهديك العرض الحقيقي، عرض الكواليس المفعم بالأسرار والمشاعر الحقيقيه ، التي أواريها خلف الأبتسامة ،الحقيقه بمذاقها المر ، البشر ليسو مهيئين للتعامل مع المختلف ليس في الشكل فقط بل في الفكر ايضا ،أزعجهم اختلافي فقرروا أن ينقذو العالم مني ،تم اصطحابي للمصحة وبعد أيام قضيتها هناك تعهدت ألا أعود لأفكاري المحلقة فوق المألوف.
اليوم عدت للمنزل وربما لن أخرج منه بعد الآن .
بثقه قلت لها :
حافظي على حريتك ولا تدعي شيئا يقيدك.
شددت على أسنانها مع ابتسامة ساخرة ،لا أفهم كيف أحافظ على شيء لا أملكه .
ثقافة
إبداع"البوابة نيوز"|"نصف ابتسامة".. قصة لأسماء صلاح
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق