الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

بعد قنبلة "هنداوى والنجيب" الإعلامية.. ناشرون وكتاب يجيبون عن السؤال الصعب: ماذا لو نشرت وزارة الثقافة مؤلفات نجيب محفوظ ورقيًا؟

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعاقد مؤسسة هنداوي على النسخة الإلكترونية من روايات ومقالات الأديب نجيب محفوظ، أثار حالة من الجدل في الوسط الثقافي، ليس فقط بين الناشرين الذين أرادوا الحصول على حقوق الملكية الفكرية لأديب نوبل، ورأوا في تعاقد ابنة محفوظ مع هنداوي الخيرية، إضرارًا بالكتاب الورقي، خاصة مع انتشار معلومات تفيد برغبة "أم كلثوم"، ابنة الأديب الراحل، بتوزيع حقوق الملكية، بين أكثر من جهة نشر، إذ ترغب في أن تحصل إحدى دور النشر على طباعة الأعمال الورقية فيما يحصل ناشر آخر على حقوق النسخة الصوتية، بالإضافة إلى توفير الأعمال في نسخة إلكترونية لإحدى المنصات مدفوعة الأجر، وتكون أم كلثوم وحدها المسئولة عن عقود تحويل الروايات لأعمال درامية، في محاولة لمنع تكرار عقد الاحتكار الذي وقعه الراحل مع دار الشروق وترى العائلة أنه أضر بحقوقه وحقوق أسرته.

مستقبل الورقي في ظل الإلكتروني

غضب دور النشر الخاصة، التي أرادت الحصول على حقوق أعمال محفوظ، من عقد مؤسسة هنداوي، يراه الناشر شريف بكر، مدير دار العربي، وعضو اتحاد الناشرين الدوليين، بأنه غضب مبرر لأنه يقلل فرص بيع الكتاب الورقي.

وأضاف "بكر"، في حديثه لـ"البوابة": "الأموال المطلوبة من ورثة "محفوظ" مقابل طباعة المؤلفات مرتفعة وبالتالي سينعكس ذلك على أسعار الكتب التي يصدرها الناشر، وهنا حسب ما يضيف بكر فإن طرح الروايات بنسخ إلكترونية عبر موقع وتطبيق هنداوي" مجانا، التي تتيمز بتقديم نسخ إلكترونية جيدة وسهلة للقارئ مقارنة بالنسخ المقرصنة، يجعل القراء ينصرفون عن النسخ الورقية، ما يعني أن فرص ربح الناشر قد تطول من ٥ سنوات لـ١٥ سنة على أقل تقدير.

مخاوف أخرى لدى الناشرين من الصراع على حقوق طباعة صاحب نوبل يكشف عنها "بكر" قائلًا إن هذه الأموال المطلوبة من قبل عائلة محفوظ، ستؤثر بالطبع على صناعة النشر، وتحديدًا فيما يخص العلاقة بين الناشر والمؤلف، لكنه تأثير حسب "بكر" سيكون إيجابيًا ينقل صناعة النشر والعقود لمرحلة أكثر احترافية.

ويوضح عضو اتحاد الناشرين الدوليين، أن هناك كُتاب تتصدر أعمالهم قوائم الكتب الأكثر مبيعا بغض الطرف عن قيمتها الأدبية، لكنهم يحققون مبيعات أكثر مما يحققها الراحل نجيب محفوظ، وبالتالي سيطالبون بزيادة أجورهم، وهو ما ينشأ حالة من التنافس بين الناشرين على الكتاب، ويفتح أيضًا بابا لعقود الاحتكار.

الهجوم على دار الشروق

واجهت دار الشروق– الناشر الحالي- لنجيب محفوظ حالة من الهجوم بسبب عدم توافر بعض روايات الراحل في منافذها، والتي يتراوح عددهم ما بين ٥٠ رواية وقصص قصيرة ومقالات- وعدم إصدار طبعات أخرى منها فضلا عن الارتفاع الكبير في أسعار المؤلفات.

ويقول شريف بكر، إن وجهة نظر دار الشروق التي لا تخفيها ويتفهمها الناشرون بأن أعمال محفوظ ليست جميعها تكون مطلوبة من قبل القراء وبالتالي إعادة طباعتها بالطرق التقليدية به مجازفة كبيرة.

وأضاف "بكر"، أن الشروق تغلبت على هذا الأمر بعد وجود الطباعة الديجيتال التي تتيح للناشر طباعة عدد كتب أقل من الطباعة التقليدية، لكن كل هذه الأمور لم تجعل القراء يخففون من حدة الغضب تجاه دار الشروق، بل ودشنت حملة إلكترونية للمطالبة بتدخل الدولة لإنقاذ نجيب محفوظ من دار الشروق.

قطاعات النشر بـ"الثقافة .. هل تكون بديلًا جيدًا؟"

عدم إتاحة بعض كتب وروايات "أديب نوبل"، ناهيك عن الارتفاع الكبير في أسعار الكتب الورقية، يطرح خيارا قويا بأن تحل الهيئة العامة للكتاب – التابعة لوزارة الثقافة لتكون الناشر الورقي لأديب نوبل.

ليس من هذا المنطلق فحسب، فهناك وجهة نظر أخرى ترى نجيب محفوظ قيمة مصرية لا بد من الحفاظ عليها.. كما يقول الناشر الدكتور أحمد السعيد مدير بيت الحكمة، في حديثه لـ"البوابة".

ويضيف "السعيد":" قيمة نجيب محفوظ قيمة مصرية تُعادل في تأثيرها العلامات الثقافية البارزة عن مصر، مثل: الأهرامات والسد العالي، ومحفوظ رمز لمُثُلِ ثقافة القوى الناعمة، التي يمكن العمل على استغلالها لإبقاء التأثير الثقافي المصري حاضرًا في المشهد العالمي.

ويتابع، أن "الثقافة هي هوية الدولة وبطاقة تعريفها، وحمايتها وتنميتها واجب أصيل على الدولة، فأعمال "محفوظ" يجب أن تبقى لدى الدولة، لكن بمعايير السوق واحترام حقوق الملكية الفكرية للورثة".

ويشير مدير بيت الحكمة إلى أن "وزارة الثقافة لديها ستة قطاعات تنشر إصدارات ليست بالقليلة، كما أنها منافس قوي لدور النشر الخاصة بما تملكه من إمكانيات القوى البشرية والمعدات وقلة التكلفة والمطابع. إذن، لماذا تذهب حقوق أعمال نجيب محفوظ الورقية لدار نشر خاصة تُعمِل فيها معايير السوق؛ من تركيز على بعض الأعمال وتقليل أو منع نشر بعضها الآخر، في حين أن دار النشر الرسمية للدولة، وهي هيئة الكتاب، يمكن أن تُوفّر هذه الأعمال بعدة طبعات وبأسعار جيدة؛ نظرا لانخفاض أسعار إصداراتها في الأساس".

ويكمل: "يمكن أن تكون هناك من خلالها طبعات شعبية وفاخرة للتوزيع الخارجي، وطبعات للناشئة، وبهذا تكون الدولة عبر وزارة ثقافتها حامية لإرث محفوظ، والذي هو جزء من إرث الوطن، وفي نفس الوقت هي الناشر الرسمي له، وهو الأمر الذي سيزيد بالطبع من مبيعات الهيئة في المعارض الدولية، بل ويؤسس لفكرة أن حماية التراث الثقافي والإبداع المصري هو دور الدولة وتؤديه على أكمل ما يكون.

ويوافقه في الرأي؛ الناشر أحمد سعيد عبدالمنعم، مدير دار منشورات الربيع، ويرى أن هذه الخطوة موفقة وجيدة شريطة تنفيذها بشكل يليق باسم الأديب نجيب محفوظ، خاصة في ظل وجود سابقة غير مبشرة وهي طباعة الأعمال الكاملة لطه حسين".

ويوضح "عبدالمنعم" لـ"البوابة"، رؤيته الخاصة بتنفيذ الكتب بشكل جيد، فيقول: "لا بد من الاستعانة بفنانين تشكيليين كبار ومصممى أغلفة متخصصين من القطاع الخاص، إلى الاهتمام بجودة الطباعة كي نتمكن من إعداد نسخ تليق باسم نجيب محفوظ كمنجز وطني قبل أي شيء وبسعي لتوفير كل أعماله في كل البلاد العربية، وفي كل منافذ التوزيع، بأسعار مقبولة لجميع فئات المجتمع".

في البداية يبدى الكاتب الروائي والصحفي وجدي الكومي- تحفظه على هذه الخطوة، إنه ليس ضد النشر الحكومي بشرط ألا يكون تأميمًا، أي أن تحصل ابنة محفوظ على مقابل لإتاحة أعمال والدها ورقيًا من قبل وزارة الثقافة، إذ أن التأميم بمثابة تعدٍ على ممتلكات الغير"، حسب تعبيره.

ويبدى تحفظه من هذه الخطوة قائلا:" قطاعات النشر في وزارة الثقافة تعاني ومليئة بالأزمات، كما أن معظم الأعمال التي يتم إصدارها لا يصدر منها طبعات أخرى، ولكن إذ تم تلافي مثل هذه الأمور سيكون أمر جيدًا".

"الدولة لا يجب أن تكون منافسة للناشرين، كما أن وزارة الثقافة لا يجب أن تكون مؤسسة هادفة للربح" بهذه العبارة يخالفهم في الرأي الناشر شريف بكر، الذي يرفض هذه الخطوة جملة وتفصيلًا.

ويشير "بكر"، إلى أن أعمال كبار الكتاب التي نشرتها قطاعات النشر لوزارة الثقافة، كان بها كثير من المشكلات، من اختيار عناوين غير جيدة، أو عدم طرح طبعات أخرى من الكتب، كما أن مشروع مكتبة الأسرة، رغم أهميته، حسب بكر فإنه لم تتم الاستفادة من هذه الأموال بشكل جيد، إذ أن عدد المستفيدين من القراء ليس كبيرا، إضافة إلى أن بعض الكتب ظلت حبيسة المخازن، لم يستفد منها أحد.

"بكر" يقدم حلولا أخرى، يمكن تقديمها من قبل وزارة الثقافة للاستفادة من مكانة وقيمة محفوظ وأعماله، مثل شراء وزارة الثقافة أعمال نجيب محفوظ من الناشرين، وعرضها في المكتبات، أو شراء حقوق الطباعة من الورثة لتقديم طبعات لطلاب المدارس والجامعات.

من جانبه؛ يقول الكاتب الصحفي محمد شعير، إن السؤال افتراضي، وافتراضاتنا لا تغير من الواقع شيئا، فالواقع أن حقوق أعمال نجيب محفوظ تظل ملكا لورثته، هم وحدهم من يقررون الناشر الذي يشعرون بالارتياح في التعامل معه، سواء أكان هذا الناشر مصريا، أو عربيا، أو دوليا.

ويتوجه "شعير"، خلال حديثه لـ"البوابة" بعدة تساؤلات لوزارة الثقافة، وهي هل تمتلك هيئات وزارة الثقافة، ميزانية تؤهلها لتنافس القطاع الخاص للحصول على أعمال كتاب كبار مثل محفوظ.

ويضيف: الثابت أن السلاسل والمجلات المختلفة التي تصدر عن هيئة الكتاب تعاني من تعثر دائم، ولا تصدر بانتظام حتى أن المجلات تصدر متأخرة عن موعد صدورها أحيانا بستة شهور. كما أن سلسلة مهمة مثل مكتبة الأسرة توقفت نهائيا منذ أكثر من خمس سنوات.

ومن باب أولى أن تقوم الهيئة بدور في انتظام مجلاتها وسلاسلها الإبداعية ومشروعاتها المتوقفة. وإذا توفرت الميزانيات فيمكن مناقشة دور الهيئة الذي ينبغي عليها القيام به، وهو تحديدا نشر ما لا يستطيع القطاع الخاص القيام به، من موسوعات، وتقديم أسماء إبداعية جديدة قد تجد صعوبة في النشر الخاص".

ويشير "شعير"، إلى إلغاء سلسلة "نجيب محفوظ" والتي كانت تقدم سنويا عددا لا يزيد على أصابع اليد الواحدة من أعمال نقدية تتناول عالم أديب نوبل الإبداعي وكانت حجتهم قلة الدراسات النقدية التي تقدم عن محفوظ، وكذلك إيقاف مجلة مهمة "دورية نجيب محفوظ" بحجج مختلفة، سواء عدم وجود ورق مرة أو ميزانية مرات.

ويختتم حديثه قائلا:" لا أظن أن هيئة الكتاب بإمكانياتها الضعيفة، وبيروقراطيتها المترسخة قادرة على تقديم طبعات تليق بالحاصل على جائزة نوبل، سواء نوعية الورق المستخدمة، أو الطباعة أو الأخطاء الطباعية، كل هذا يقف عقبة في سبيل تقديم أعمال محفوظ بشكل يليق".