أطلقت مجموعة "نختار الحياة" المسكونيّة، المؤلفة من لاهوتيات ولاهوتيين من الشرق الأوسط، وخبيرات وخبراء في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة والجيو- سياسيّة، وثيقة مرجعيّة، تتناول أوضاع المسيحيّين في المنطقة، من الناحية اللاهوتيّة والجيوسياسيّة والفكريّة والمجتمعيّة، في حفل أقيم في كنيسة مار الياس في أنطلياس بلبنان.
حضر الحفل السفير البابوي المطران جوزف سبيتيتري، ممثل شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ فاضل سليم، ممثل السيّد على فضل الله، الشيخ حسين شحادة، المطران بولس صيّاح، وحشد من الأكاديميات والأكاديميين ورجال دين مسيحيين ومسلمين ومهتمين.
كما شارك في الحفل، عددٌ من الناشطين، عبر منصّة زوم، من مصر والعراق والأردن وفلسطين ولبنان ورودلمار بيونو دو فاريا من جنيف، وأصدروا وثيقة حول أوضاع المسيحيين بالشرق الأوسط، بعنوان:"نختارُ الحياة".
الوثيقة رفضت أن يطلقوا على أنفسهم أقليّات، ورفضهم لاستِدعاء الحمايات. نحنُ ننتمي إلى أكثريّةٍ عربيّة تتطلّع إلى دَوْلةٍ مدنيّة رُكنها المواطنة الفاعِلة التي تصون التنوّع وتعتني بالتعدُّديّة". ومصر كانت دائما منذ تأسيس الدولة الحديثة يسير فيها المسيحيون على أرضية الوطنية المصرية.
ومن المواقف الوطنية أيضًا، والتى سجلت عبر التاريخ، كما يذكر ابن المقفع:
"كانت الإمبراطورية الروسية تعد أكبر دولة مسيحية أرثوذكسية ويحكمها قيصر، جاء سفير روسيا ليعرض على البابا بطرس الجاولي موضوع حماية قيصر روسيا للأقباط، فابتسم البابا بطرس في وجه محدثه وسأله برفق ومودة قائلًا له: "هل ملككم (قيصر روسيا) يموت أم يعيش إلى الأبد؟"، فقال له الزائر: "هو يموت طبعًا مثل كل بنى البشر".
لكن البابا بطرس رفض هذا العرض، ورد على السفير بهذه الجملة الذهبية: "نحن في حمى من لا يموت، فإذا كان قيصر روسيا يموت، فنحن نفضل أن نكون في حمى من لا يموت، وليس لملكه نهاية"،
فانصرف السفير من أمام البابا، وهو يتعجب من رده المنطقى، وتوجه السفير إلى محمد على، فسأله عما رأى بمصر.
فأجابه: "لم تدهشنى عظمة الأهرامات، ولا ارتفاع المسلات، ولا الكتابة الموجودة عليها، ولم يبهرنى كل ما هو موجود في مصر من عجائب، بل أثرت في نفسى فقط زيارتى للرجل التقى، بطريرك الأقباط، ثم روى له ما جرى بينهما، فطفح السرور على وجه محمد على باشا، ولما ذهب من أمامه السفير الروسى، حتى قام وذهب إلى المقر البابوى، وقدم الشكر الجزيل للبابا بطرس الجاولى، على ما أبداه من استقلالية لكنيسته، وعلى ما أبداه من وطنية ونبذ التدخل الخارجى".
ورفض الأقباط في دستور 1923، أن يوصفوا بالأقلية، ويكتب عن ذلك رشاد كامل، فقال: "مع بداية الجلسة الثانية 13 أبريل تشكلت لجنة وضع المبادئ العامة التى شكلت لجنة فرعية فوضع تقريرا عن المبادئ العامة التى يجب الأخذ بها في مشروعى الدستور وقانون الانتخاب وكانت تضم سواء عن عمد أو غير عمد ثلاثة من الأقباط هم: الأنبا يؤانس مطران الإسكندرية وقلينى فهمى وإلياس عوض وتوفيق دوس ومن عرب البدو صالح لملوم ومن الإسرائيليين يوسف أصلان قطاوى ومن السوريين يوسف سابا" ورفض الأقباط وجموع الأمة مبدأ الأقليات".
من المعروف ان مصر مسيحيين ومسلمين، في مواجهة "مؤتمر الأقليات" 1994 رفض المثقفون والكتاب المصريين، معنى أن يكون المسيحيون في مصر أقلية، وأكد ذلك بيان من البابا الراحل شنودة الثالث؛ موضحًا "إننا نحل مشاكلنا داخليا وفي إطار المحبة".
وتمضي المسيرة إلى ما بعد ثورة 30 يونيو وبداية الجمهورية الجديدة حيث يقف الرئيس عبد الفتاح السيسي بحزم، مع إطلاق أول استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، إنها خطوة جديدة تخطوها الدولة المصرية نحو الجمهورية الجديدة، بترسيخ حقوق المواطنة وضمان المساواة بين أبناء الوطن في الحقوق والواجبات.
وأضاف الرئيس السيسي: "لا تمييز بين دين ودين، والكل سواء ودى ممارسات لازم تتعمل، ولازم تتنفذ وتتحول لسياسات وآليات عمل في الدولة".
وتابع السيسي: "أصدرنا قانون لبناء الكنائس في مصر بعد أن ظل حلمًا لمدة 150 سنة لأن الدولة معنية بكفالة حق العبادة لجميع مواطنيها".
وأضاف أن "الدولة لازم تبنى كنائس لمواطنيها؛ لأن لهم الحق في العبادة كما يعبد الجميع، ولأن ده حق المواطن يعبد كما يشاء". ويذكر للبابا تواضروس الثاني مقولته الخالدة:"وطن بلا كنائس خيرا من كنائس بلا وطن".
حرية العقيدة
وأكد الرئيس السيسي، أنه من حق كل مواطن أن يعبد ما يشاء أو لا يعبد؛ مشيرا إلى أن الاعتقاد حرية شخصية، وحرية العقيدة حق من حقوق المواطن، وأن الدولة المصرية عازمة على بناء دور عبادة لكل الأديان في مصر.
وقال الرئيس السيسي، إن الدولة أصبحت تبني في كل مجتمع جديد دور عبادة لكل الطوائف والديانات، وأضاف: "لو هناك يهود في مصر لبنيت لهم الدولة دور عبادة"؛ مشيرًا إلى أن من أهم المطالب في هذه الفترة هو تصحيح الخطاب الديني".
هكذا هي مصر على مر العصور لا يحتاج فيها المسيحيون لحماية أجنبية ويرفضون وصفهم بأنهم "أقلية"، ويحلون مشكلاتهم في إطار المحبة، هكذا يري المواطنون المصريون المسيحيون وطنهم مصر كما قال البابا الراحل شنودة الثالث: "مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا".