أكد الكاتب والمفكر الراحل طلعت رضوان أن نمو الوعي القومي في أعقاب ثورة المصريين في مارس 1919 شكلَّ خطرًا كبيرا وملحوظًا على الوجود الإنجليزي في مصر، ما دفع المحتل للبحث عن حلول سحرية لمواجهة مثل هذا الوعي بوعي بديل زائف يمكن تغذيته لضمان وجودهم وشعورهم بالأمان، فكان الحل في دعم جماعة الإخوان لتمكين شعارات الانتماء للدين بدلا من الانتماء للوطن الذي يسهل معه الجمع بين كل طوائف الشعب في هدف واحد.
رضوان، الذي رحل صباح اليوم عن عمر ناهز الـ79 عامًا، أوضح أن الشعور الوطني عبَّر عن رغبته في التخلص من الإنجليز، وظهر مع هتاف الشعب "بلادي بلادي لك حبي وفؤادي" الذي غناه كنشيد قومي سيد درويش، وتلازم معه شعار "الدين لله والوطن للجميع"، وخطبة للشيخ محمد عبد المطلب الذي اعتبر أن الكفر الحقيقي في خطبة له هو "خذلان البلاد"، كما أن اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922 جعل الزجال والكاتب يونس القاضي يقول في قصيدة "دا أنا أبويا توت عنخ آمون" وغير ذلك.
في مقال له بعنوان "الدين والروح القومية قبل يوليو1952" يعتقد طلعت رضوان أن صعود التعصب الديني والإرهاب مع ظهور جماعة الإخوان المدعومة من الإنجليز سبقته عدة إرهاصات لا يستطيع أحد إنكارها بحسب تعبيره منها: "تحريض جمال الدين الإيراني الشهير بالأفغاني على الاغتيال السياسي وتصفية الخصوم جسديًا، وبذر بذرة العنف المسلح. ثم جاء الدور على شخص آخر لا يقل خطورة عنه، شخص غير مصري أيضًا هو محمد رشيد رضا "وُلد فى طرابلس الشام عام 1865وجاء إلى مصر عام 1897" ساهم فى بذر بذور التعصب الدينى، وهو تلميذ الأفغانى، وكان مثله يُنادى فى كتاباته بتطبيق الشريعة الإسلامية، وخضوع غير المسلمين لأحكامها، مما يعنى تغيير نظام الدولة من النظام العصرى الذى يتساوى فيه الجميع أمام القانون إلى نظام الدولة الدينية، أى تقسيم الوطن بعد تكريس التعصب. ونادى بضرورة عودة الخلافة الإسلامية، بكل الإرث الدامى لتاريخ الخلافة. وهذه المرحلة شهدتْ شخصًا ثالثا- غير مصرى أيضًا- هو التونسى عبد العزيز جاويش الذى كان واحدًا من المُتعصبين دينيًا. فكتب مقالا فى منفاه قال فيه: "لو دخلتك يا مصر لجعلتُ شعور المسيحيين حبالا ومن جلودهم نعالا".
وتطرق "رضوان" إلى نشأة الجماعة قائلا: إنشاء أول جماعة منظمة تقوم على أسس دينية "الإخوان المسلمين" التى نشأتْ فى مدينة الإسماعيلية عام 1927 ثم طوّرتْ نفسها وتخلــّـتْ عن ادعائها بأنها "جماعة دعوية" بدءًا من عام 28 ومع بداية الثلاثينيات أصبح لها جناح عسكري مهمته تصفية الخصوم السياسيين مثلما حدث مع اغتيال النقراشى باشا والخازندار إلخ.
وقال : وضع الإنجليز هدفـًا أساسيًا لهم هو عدم تكرار ما حدث والعمل على وأد أية ثورة شعبية. ولعلّ موقف المحتل البريطانى من جماعة الإخوان المسلمين يوضح ذلك، إذْ أيّد الإنجليز الإخوان المسلمين وساعدوهم بالمال. وحسن البنا اعترف فى "مذكرات الدعوة والداعية" بأنّ شركة القنال الإنجليزية تبرّعتْ بمبلغ 500جنيه عند بناء أحد المساجد بالإسماعيلية. وذكر أنه أثناء عمله بالتدريس، كان يُملى على التلاميذ موضوعات "فى حصة الإملاء" يتوخى فيها الثناء على الملك فؤاد، كما شجّع العمال على الخروج لتحية الملك يوم زيارته للإسماعيلية "حتى يفهم الأجانب -يقصد الإنجليز- أننا نحترم ملكنا ونحبه" لذا كتب أحد رجال البوليس تقريرًا أشاد فيه "بأثر الجماعة فى تقويم من لم تنفع معهم وسائل التأديب البوليسية" واقترح أنْ "تــُعمم الحكومة فروع هذه الجماعة فى البلاد".
ولفت "رضوان" إلى أن مؤسس الجماعة حسن البنا وصف الإسلام بـ"مصحف وسيف" في العدد الأول من مجلة النذير، كما تحدث عن رسالته "نحو النور" الذي تكلم فيه عن الموبقات العشر، تضمنت 50 مطلبًا لم يرد فيها مطلب خاص بجلاء الإنجليز، واستشهد بحديث طارق البشري "وصفه بالمتحول إلى داعية إسلامي" الذي اعتبر جماعة الإخوان "أقل التنظيمات المصرية تعرضًا للمسألة الوطنية".
وحول تعاون الحكومات مع الإخوان لضرب الوفد والشيوعيين، قال رضوان: ذكر أحمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة أنه أثناء اعتقاله فى معتقل الزيتون، تم اعتقال حسن البنا وقادة الإخوان كغيرهم. وفى يوم "حضر إلى المعتقل حامد جوده الوزير السعدى فى وزارة حسين سرى (عام 1941) واجتمع بحسن البنا عدة ساعات ثم أفرج عنه بعد أيام" فكتب طارق البشرى "يُفسر أحمد حسين هذا الإفراج الغريب بأنه كان رغبة فى أنْ يستغل حزب السعديين حركة الإخوان فى دعم نفوذ الحزب. وأنّ الشيخ البنا خرج من المعتقل وازداد جاهًا ونفوذا ومضى فى دعوته حرًا طليقــًا يجوب البلاد ، يؤلف الشـُعب داخل الجماعة. واشتهر فى البلاد أنّ الإخوان المسلمين فى حماية الحكومة القائمة وفى حماية السعديين بصفة خاصة" كما أنّ أحمد حسين ضرب الأمثلة لمساعدة الحكومات الرجعية للإخوان. واستشهد البشرى بما كتبه أحمد حسين كثيرًا عن الإخوان وعن حسن البنا وكيف غدروا به. ولماذا كانت حكومات الأقلية تساعد الإخوان المسلمين لضرب الوفد والشيوعيين وكافة القوى الوطنية.