يواجه الإثيوبي تيدروس أدهانوم جيبريسوس مدير منظمة الصحة العالمية، ضغوط كبيرة من الولايات المتحدة وأوروبا، بسبب الفضيحة الجنسية التي تورط فيهما موظفي الصحة العالمية ووكالات إغاثية أخرى، خلال تفشي وباء إيبولا في شرق الكونغو الديمقراطية، فيما أكد عدد من المسئولين الأفارقة أن تلك الأزمة تهدف إلى إبعاد مدير الصحة العالمية عن الاستمرار في منصبه لولاية ثانية، مؤكدين استمرار التأييد لتولي “أدهانوم” لإدارة المنظمة العالمية خلال السنوات الخمسة المقبلة، ما أصبح يشكل صداما بين الدول الغربية والولايات المتحدة، وقادة الدول الأفريقية.
الدول الغربية تطالب بسرعة التحقيق في الفضيحة الجنسية
وطالبت الولايات المتحدة مدير منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة بسرعة التحقيق في فضيحة اعتداء جنسي التي تورطت فيها المنظمة ووكالات إغاثة أخرى في الكونغو الديمقراطية،، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز".
يذكر أن لجنة مستقلة أكدت الثلاثاء الماضي 28 سبتمبر، أن أكثر من 80 من عمال الإغاثة، ربعهم موظفون في منظمة الصحة العالمية، متورطون في انتهاكات جنسية واستغلال خلال تفشي وباء إيبولا في شرق الكونغو.
وقالت "رويترز" إن التحقيق الذي بدأه مدير الصحة العالمية، يستند على تحقيق أجرته مؤسسة تومسون رويترز و The New Humanitarian خلال العام الماضي 2020 واتهمت فيه أكثر من 50 امرأة عاملين في مجال الإغاثة من منظمة الصحة العالمية ووكالات أخرى بالمطالبة بالجنس مقابل الحصول على وظائف.
وصدر التقرير - الذي تأخر شهرًا بسبب مزاعم جديدة وتحقيقات موسعة - بعد أسبوع من إغلاق فترة تعيين المدير العام التالي لمنظمة الصحة العالمية.
ووجدت اللجنة أن 21 على الأقل من 83 من الجناة المشتبه بهم يعملون لدى منظمة الصحة العالمية، وأن الانتهاكات، التي تضمنت تسعة مزاعم بالاغتصاب، ارتكبها موظفون وطنيون ودوليون.
وقال متحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إنها تسعى للحصول على معلومات عن عمال إغاثة من وكالات أخرى غير منظمة الصحة العالمية متورطة في الانتهاكات، لكنها رفضت تحديد ما إذا كان موظفوها متورطين.
وقال "نبقى ثابتين في التزامنا بإنهاء الاستغلال والانتهاك الجنسيين في قطاع الإغاثة، وتقديم المساعدة للضحايا، ومحاسبة الجناة".
وقال وزير الصحة في الكونغو جان جاك مبونغاني مباندا، إن على السلطات الآن "محاسبة كل من يُفترض أنهم ارتكبوا هذه الأعمال المشينة".
أزمة متوطنة في الأمم المتحدة
قال مسؤول كبير سابق في الأمم المتحدة عمل في الكونغو خلال أزمة الإيبولا: "يجب فصلهم وتجريدهم من حصانتهم لدى الأمم المتحدة وتسليمهم إلى سلطات الادعاء الوطنية، لقد ارتكبوا جرائم في ذلك البلد ويخضعون لعقوبات ذلك"، مضيفا "إنها مشكلة متوطنة في الأمم المتحدة، لذا فهي ليست خاصة بمنظمة الصحة العالمية، وبالتالي فهي ليست خاصة بتيدروس أدهانوم جيبريسوس".
ويتمتع معظم موظفي الأمم المتحدة بالحصانة الوظيفية، مما يعني أنه لا يمكن مقاضاتهم على أي شيء فعلوه كجزء من عملهم، لكن الأمين العام لديه سلطة التنازل عن هذه الحصانة إذا كانت "ستعرقل سير العدالة".
نشطاء: التحرش والاعتداء الجنسي شائعان في الكونغو
وقال نشطاء إن التحرش والاعتداء الجنسي شائعان في الكونغو ودعوا إلى إجراء إصلاحات، وكانت هناك العديد من حوادث الانتهاك الجنسي المزعوم من قبل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في عدة بعثات في إفريقيا خلال العقد الماضي.
وقال جان موبيرت سينجا، باحث الكونغو في منظمة العفو الدولية: "... يجب على منظمة الصحة العالمية ومؤسسات الأمم المتحدة الأخرى الآن تنفيذ توصيات التقرير واتخاذ أي خطوة ضرورية لمنع حدوث مثل هذه الانتهاكات مرة أخرى، في جمهورية الكونغو الديمقراطية أو في أي مكان آخر".
صدام بين الغرب وأفريقيا بسبب الفضيحة الجنسية في الكونغو
وبدا الأمر كصدام بين القارة الأفريقية، والدول الغربية حيث طالبت الدول الاوروبية والولايات المتحدة، بضرورة التحقيق في الوقائع، مع اتخاذ قرارات سريعة، وهو الأمر الذي ينظر إليه الدول الأفريقية أنها حملة موجهة ضد مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس، الذي يحمل الجنسية الإثيوبية، وأوضح عدد من المسئولين الأفارقة أن الضغط على " تيدروس أدهانوم" ربما يهدف إلى منع استمراره على رأس منظمة الصحة العالمية.
وحث المانحون في بيان مشترك على اتخاذ إجراءات سريعة، وقالت البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة في جنيف نيابة عن أستراليا وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا والنرويج وأوروبا: "نتوقع التزامًا كاملًا من منظمة الصحة العالمية لمنع مثل هذه الأعمال والتصدي لها، بما في ذلك من خلال الإصلاحات الأساسية لمنظمة الصحة العالمية".
وأعربت البلدان عن دعمها "للإجراءات الفورية التي تتخذها منظمة الصحة العالمية لإنهاء عقود الجناة المفترضين الذين ما زالوا في عملهم" ولمطالبة الآخرين بأخذ إجازة إدارية بانتظار مزيد من التحقيقات.
وأضافوا "... نحث منظمة الصحة العالمية على الشروع في إجراء تقييم فوري وشامل ومفصل للسياسات المؤسسية والعمليات التشغيلية وثقافة القيادة والظروف في منظمة الصحة العالمية التي سمحت بحدوث ذلك، بما في ذلك الحالات التي لم يتم الإبلاغ عنها لقيادة منظمة الصحة العالمية والدول الأعضاء.
وحثت فرنسا بالفعل تيدروس على الوفاء بالتزامه بتقديم خطة عمل تتناول توصيات التحقيق في غضون 10 أيام.
مدير منظمة الصحة العالمية: لا تسامح مع الاستغلال الجنسي
وتعهد أدهانوم، الذي زار الكونغو 14 مرة أثناء تفشي وباء إيبولا، في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء الماضي، بعدم التسامح مطلقا مع الاستغلال الجنسي لكنه امتنع عن الإفصاح عما إذا كان يفكر في الاستقالة.
قال دبلوماسيون لوكالة رويترز يوم 23 سبتمبر إن مدير الصحة العالمية، نال دعما واسعا للاستمرار في ولاية ثانية مدتها خمس سنوات، حيث رشحته رسميا 17 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك المانحين الرئيسيين ألمانيا وفرنسا، وبدعم من دول في مناطق أخرى، إلى جانب الولايات المتحدة.
أعرب دبلوماسيون غربيون عن قلقهم إزاء "الفشل الإداري" لمنظمة الصحة العالمية أثناء العنف الجنسي في الكونغو، وأضافوا أن المديرين المتوسطين تعرضوا لانتقادات، لكن المستويات العليا، بما في ذلك مدير المنظمة تيدروس أدهانوم جيبريسوس، ظهرت دون اتهامهم أو ارتباطهم بشكل مباشر.
وقال دبلوماسي غربي لرويترز "التقرير سيء للغاية، لكن يبدو أنه تبرأ منه هو والإدارة العليا، ويجب على أدهانوم القيام بدوره وإظهار القيادة واتخاذ الإجراءات في أسرع وقت ممكن".
أفريقيا تدعم مدير منظمة الصحة العالمية
ونفى ماتشاريا كاماو السكرتير الأول في وزارة الخارجية الكينية، الأنباء التي ترددت بشأن سحب نيروبي ترشيح تيدروس، لولاية ثانية في منظمة الصحة العالمية متسائلا "هل حقا؟ أليس هذا سخيفًا بعض الشيء؟ ".
وقال أوكيلو أورييم وزير الدولة الأوغندي للشؤون الخارجية لرويترز إن "تيدروس مرشح أفريقي" وأن أوغندا لن تسحب دعمها، مضيفا "المنظمات غير الحكومية التي تطلق هذه المزاعم من دول غربية، قد لا يرغب البعض في وجود تيدروس، قد تكون مؤامرة من قبل بعض الدول الغربية لحرمان أفريقيا من هذا الموقف"، مضيفا "لا يمكن تحميل تيدروس المسؤولية عن شيء حدث على بعد آلاف الأميال في الكونغو".