في كتابه "فيه ما فيه" يشرح شاعر الصوفية الأكبر مولانا جلال الدين الرومي التباسات العبارة الشهيرة "أنا الحق" المنسوبة للمتصوف أبي الحسين بن منصور الحلاج، جاعلا منها عبارة ترمز لحقيقة الإيمان وتواضع العبد أمام خالقه، كما يبرز علاقتها بما سماه "الاستغراق والاستسلام لله"، رافضًا توصيف كلمة "أنا الحق" بالادعاء العظيم أو الافتراءات المخرجة من الدين.
الرومي، الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم الخميس، ذكر في كتابه "فيه ما فيه" الذي نقله عن اللغة الفارسية عيسى العاكوب، قائلا: إن الحواس مجتمعة من جهة المعنى، أما من جهة الصورة متفرقة. وعندما يحصل لعضو استغراق تام، تستغرق فيه الأعضاء كلها، ولهذا فإنه عندما تطير الذبابة إلى أعلى تحرك جناحيها ورأسها وأجزاءها جميعا، أما عندما تستغرق في العسل فإن أجزاءها جميعا تغدو شيئا واحدًا ولا يبدى أي منها حركة. وطبيعة الاستغراق أن المستغرق لا يعود موجودا ولا يبقى له جهد، ولا يبقى له فعل وحركة، يغدو غارقا في الماء، وكل فعل يصدر عنه لا يكون فعله هو، بل فعل الماء.
وأضاف الرومي: خذ العبارة الشهيرة "أنا الحق" يظن بعض الناس أنها "ادعاء عظيم" ولكن "أنا الحق" على الحقيقة تواضع عظيم، لأن من يقول "أنا عبد الحق"، يُثبت وجودين اثنين أحدهما نفسه والآخر الله. أما من يقول أنا الحق، فقد نفى نفسه وأسلمها للريح. يقول "أنا الحق" يعني "أنا عدم" هو الكل، لا وجود إلا لله، أنا بكليتي عدم، أنا لست شيئا.
التواضع في هذا أعظم، وهذا ما لم يفهمه الناس. وإذا ما قدم إنسان العبودية من أجل الله، حسبة لله، فإن عبوديته تظل موجودة وحتى لو كانت من أجل الله، يظل يرى نفسه ويرى فعله ويرى الله، لا يكون غارقا في الماء، الغارق في الماء هو ذلك الذي لا يبقى له آية حركة وأي فعل، وأما حركاته فتكون حركات الماء.
الاستغراق الحقيقي هو أن الحق تعالى يجعل للأولياء خوفا غير خوف الخلق الذين يخافون من الأسد والنمر ومن الظالم، يجعل الحق تعالى الولي خائفا منه هو، ويكشف له أن الخوف من الحق، والأمن من الحق، وأن العيش الهانئ من الحق، والسرور من الحق، وأن الأكل والنوم من الحق.
ثقافة
في ذكرى ميلاده.. جلال الدين الرومي يشرح مقولة الحلاج "أنا الحق"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق