تنظم كلية اللاهوت المعمدانية العربية، مساء اليوم الخميس ، مؤتمر الشرق الأوسط 2021 عبر الإنترنت، والذي يستمر حتي بعد غد السبت، تحت عنوان “نحو كنيسة ديناميكية: إعداد التلاميذ وتنمية القادة والانخراط في المجتمع في لبنان والعالم”.
وأضافت الصفحة الرسمية للكلية، عبر موقعها الرسمي، منذ قليل، أن المؤتمر من المقرر ان يضم كلّ يوم مجموعة مساهمات من ممارسي الخدمة في لبنان، ومفكرين لاهوتيين بارزين وأصوات إقليمية وخبراء من العالم. سنشارك معًا في نقاش حيوي من شأنه أن يدفعنا إلى التفكير بعمق في طبيعة الكنيسة فيما نحدّد فرص الشهادة المسيحيّة الأمينة في الأوقات المعقّدة.
وتابعت الصفحة الرسمية للكلية : التغيير شاق. إعادة التفكير في المفاهيم والتساؤل حول الممارسات والتدقيق في القناعات قد يؤدي هذا كلّه إلى عواقب مجهولة. رغبتنا في الشعور بعو الحياة إلى طبيعتها غالبًا ما تجعل حتّى التعديلات الطفيفة تبدو وكأنها تحوّلات هائلة. يمتد القول المأثور بأنّ “الثابت الوحيد في الحياة هو التغيير” إلى كلّ مجالات الحياة، ولكن نشعر به في حياة الكنيسة بطرق فريدة. مواجهة التغيير في فهمنا وممارستنا للكنيسة هو مواجهة شيء مثير ومرعب في الوقت نفسه.
واستطردت “ كلية الاهوت ” ، الكنيسة مقدسة لأتباع المسيح. إنّه الكيان الحي حيث يتحد السر مع الملموس لتشكيل طقوسنا العبادية، وصياغة تعبيرات مجتمعنا الإيماني، وغرس إحساس عميق بالهدف. الطريقة التي يفهم بها أتباع المسيح الكنيسة ويمارسونها بها تتجاوز التقاليد البشرية، فنحن نربطها مباشرة بمعرفتنا عن الله وانخراطنا في إرسالية سماوية. ثمة الكثير على المحك عندما ندرس ونقيّم الكنيسة. يمكن أن تحمل الأسئلة حول الكنيسة – تلك التي تدرس طبيعة الكنيسة – زخمًا وخوفًا خاصين.
تابع “بيان الكلية” : من المهم أن ندرك أنّ الكنيسة لطالما كانت كائنًا حيًا خاضعًا للتغيير. لطالما وُجِهَت الوقائع البشريّة بطرق جديدة في الأوقات التي تمر فيها السياقات بعمليات تقلب حتمية. كان على جميع المجتمعات الكنسيّة في كلّ حقبة أن تتفحص مكانتها ووجودها في الأوقات المربكة.
لطالما كان التغيير عاملًا ثابتًا في تاريخ التجربة الكنسية، غير أنّه لمن المفهوم تمامًا أن نعتبر أنّ أوقاتنا الحالية تُحدث تغييرات بمستوى استثنائي. وتقنيات الاتصال ليست سوى مجال واحد يظهر فيه التغيير الواضح في الكنائس. ثمة الآن عناصر كاملة من حياة الكنيسة والخدمة التي لم يكن من الممكن تصورها منذ جيل مضى. التجمعات عبر الإنترنت، والتواجد على وسائل التواصل الاجتماعي، والشبكات العالمية الفورية كانت أمور يتخيلها أصحاب الرؤى الجريئون فقط. ها هي الآن شائعة في الكنائس. على الرغم من تبني هذه التطورات على نطاق واسع، إلّا أنّ هذه التغييرات لا يُرحّب بها دائمًا. يمكننا دائمًا أن نجد أسبابًا للتحسر على حدوث التغيير. إلّا أنّ وتيرة التغيير لا هوادة فيها والكنائس لا تبقى على قيد الحياة إذا لم تتغيّر.
كيف يمكن أن تُدير الكنائس تزعزع عالمنا غير المستقر؟ ليس هناك إجابات قاطعة، ولكن ثمة بعض المجالات الكنسيّة لنستكشفها والتي يمكن أن تساعدنا في طرح الأسئلة الملائمة وتأطير مناقشة مثمرة حول الجهود الملهمة لتعزيز الكنيسة الديناميكية: إعداد التلاميذ، وتنمية القادة، والانخراط في المجتمع.
فيما يلي بعض الأفكار الإرشادية التي يجب مراعاتها عند دراسة هذه العناصر الكنسيّة.
اليوم الأوّل: إعداد التلاميذ
غالبًا ما يُساء فهم التلمذة المسيحية بأنّها تنطوي على برامج دينيّة وقادة مرسومين وفعاليات خاصّة. وقد ساهم هذا في اعتماد مناهج تلمذّة عامّة ومنتشرة على نطاق واسع، غير قابلة للتكاثر، وغير مثمرة. من ناحية أخرى، تعكس التلمذة الكتابيّة تدفقًا ديناميكيًا للروح القدس الذي يفتح بصيرة غير المؤمنين للإيمان بالإنجيل ويعمّق إيمان المؤمنين عبر السياقات. تقاوم ممارسات التلمذة الأمينة الانقسامات الاختزالية بين المؤمنين وغير المؤمنين من خلال السعي لإحياء الكنائس والصحوة الروحية بين غير المؤمنين على حدّ سواء من خلال خدمات متكاملة ومتكيّفة. وبصريح العبارة، فإنّ الممارسة المتعمّدة للتلمذة هي دور أساسي للمجتمعات التي تتبع المسيح.
اليوم الثاني: تنمية القادة
ينشأ قادة الكنيسة عندما يعدّ التلاميذ تلاميذ آخرين، والقيادة أمر حتمي في الخدمة لتفعيل نضوج الكنيسة وتكاثرها. الأسئلة حول مناهج تنمية قادة الكنيسة معقدة ومحمّلة بعدد لا يحصى من المتغيرات. ما يدفع الكنيسة أن تسأل: ما هي أنواع مراكز التدريب والشبكات الازمة للمساعدة في تطوير القادة؟ ما هي الخصائص القيادية الأساسية لتنشئة الخدمة؟ كيف يمكن للتعليم اللاهوتي أن يساعد أو يعيق تنمية القادة؟ كل هذا له انعكاسات على مهمة أساسية للكنائس التي تعمل الآن على رعاية مجتمعات مستدامة تتبع المسيح تنمو وتشهد للمسيح على نحوٍ مستمر.
اليوم الثالث: الانخراط الاجتماعي
نظرًا لتراكم الاحتياجات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على نطاق واسع عبر السياقات، أصبحت الحاجة إلى انخراط تلاميذ يسوع في الشأن العام داخل مجتمعاتهم أمرًا ملحًا بصورة متزايدة. يساعدنا الفهم المتين لإنجيل الملكوت على مقاومة التفكير الضيق من خلال رعاية مجتمعات تلمذة تهتم باحتياجات المهمشين، وتحتشد لمعالجة المظالم، وتخدم أرواح المحرومين من البشارة. وهذا ينطوي على الاهتمام الذي يسعى إلى التأثير في صحة المجتمع والعمل على تكاثر الكنائس. الإيمان النابض يحفّز المؤمنين بصورة فعّالة للحضور بالشأن العام من منطلق الأمانة للمسيح ومحبة القريب.
عند النظر في هذه الأبعاد في كنائسنا، ندرك أنّ كلّ سياق مليء بالتعقيدات – لا سيّما في الشرق الأوسط. نشأت الكنيسة من هذه المنطقة واستمرت في القرون الأخيرة كأقلية مسيحية ضمن سياق يغلب عليه الطابع الإسلامي. اليوم، لا تزال الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تهز المنطقة بعمق. في خضم كلّ ذلك، تشهد الكنائس في الشرق الأوسط أنّ الوجود الخالي من السلطة ليس خاليًا من الربح. الروح القدس يعمل في المنطقة، وهذا يجب أن يدفع الكنيسة العالمية على الاهتمام والتعلم. في الوقت نفسه، ثمة حاجة ماسة للإصلاح والنمو بين مسيحيي الشرق الأوسط على أمل زيادة إظهار الإنجيل في المنطقة. لا شيء أسود وأبيض بالمطلق؛ يتطلّب كلّ موضوع دراسي حول الكنيسة قدرًا كبيرًا من الدقة والجديّة. هذا هو الحال بالتأكيد في الشرق الأوسط عامةً ولبنان خاصةً.
واختتمت الكلية بيانها ، لبنان بلد صغير شديد التعقيد وقد مرّ بعقد من الاضطرابات الكبيرة. أدّى تدفق اللاجئين من سوريا إلى مستوى متفاقم من الاحتياجات الإنسانية، وشهد العامان الماضيان انهيارًا اقتصاديًا نادرًا ما نشهده في التاريخ. صمدت الكنائس في لبنان بل تغيرت، في ظلّ الظروف الشاقة في السنوات الأخيرة. تميزت هذه التجربة العميقة بالتحدي والفرص، وهي بمثابة حالة دراسيّة لاستكشاف الموضوعات الرئيسية في لاهوت الكنيسة. هذا بالضبط ما نهدف إلى القيام به خلال مؤتمر الشرق الأوسط 2021 من خلال تحويل عدساتنا إلى لبنان بغية أجل الانخراط في خطاب حول طبيعة الكنيسة في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم.