العراق: علاج مرضى التدرن المقاوم للأدوية المتعددة مريضًا تلو الآخر
في مدينة الصدر، إحدى مناطق العاصمة العراقية بغداد، يجلس إحسان علي مع أطفاله الأربعة في البيت، حيث يستمتع الأب البالغ من العمر 44 سنة بصحبة أسرته بعد أسابيعٍ اضطر أثناءها أن يلجأ للعزلة عنهم. أصيب إحسان بالتدرن (السل) مرتين من قبل، لكن الأطباء شخَّصوا إصابته مؤخرًا على أنها من النوع المقاوم للأدوية المتعددة.
عادة ما يعاني مرضى التدرن من أعراض خطيرة تؤثر على حياتهم بالغ التأثير وتشمل السعال وألم الصدر والوهن الشديد والفقدان المفاجئ للوزن والحمى. إن التدرن الذي لا يرافقه مضاعفات مرضٌ يمكن شفاؤه، لكن على المرضى تحمل أشهر من العلاج بأدوية شديدة وقاسية. لكن يمكن أن تتفاقم عدوى التدرن لتصبح مقاومةً للأدوية وبهذا يتحول المرض إلى ما يعرف بالتدرن المقاوم للأدوية المتعددة.
تحدث مقاومة الأدوية عندما لا تستخدم أدوية التدرن بالشكل الصحيح وذلك حين يرتكب القائمون على الرعاية الصحية أخطاءً في وصفها أو حين تكون الأدوية رديئة النوعية أو حين لا يمتثل المرضى لتناول العلاجات الموصوفة لهم بحسب نصائح الأطباء. وإلى وقت قريب كان علاج التدرن المقاوم للأدوية المتعددة يعتمد على عقارات قوية تؤخذ فمويًا وحقنًا، بحيث يمكن أن يستغرق البرنامج العلاجي مدة تصل إلى سنتين وقد تؤدي تلك العلاجات إلى تأثر المرضى بآثار جانبية خطيرة كالصمم وضرر الكِلى ومشاكل نفسية شديدة.
علاج أفضل لمرضى التدرن المقاوم للأدوية المتعددة
تدعم فرق أطباء بلا حدود العاملة في العراق المعهد الوطني لمكافحة التدرن في تحري وتشخيص مرضى التدرن العادي والتدرن المقاوم للأدوية المتعددة.
كما عملت منظمة أطباء بلا حدود على تقديم برنامج مبتكر لعلاج مرضى التدرن المقاوم للأدوية المتعددة يعتمد على عقارين جديدين ألا وهما بيداكيلين وديلامانيد. ويقوم هذا البرنامج الجديد الذي توصي به منظمة الصحة العالمية على أدوية فموية بالكامل، مما يغني المرضى عن الحقن المؤلمة التي كانوا يضطرون لأخذها. كما أثبتت هذه الأدوية الجديدة تحسنًا في معدلات امتثال المرضى للبرامج العلاجية وحققت نجاحًا أكبر في علاج التدرن المقاوم للأدوية في فترة أقصر وبآثار جانبية أقل.
تقول حميدة وهي جدة تبلغ من العمر 65 عامًا كانت مصابة بالتدرن المقاوم للأدوية المتعددة: "كنت أتعالج من إصاباتي السابقة بحقن يومية كانت تسبب لي الكثير من الآثار الجانبية. "كنت أعاني من حكة شديدة ومن كدمات على الجلد. لكنني أشعر بالتحسن منذ أن بدأت بتناول الأقراص الدوائية الفموية فهي أفضل بكثير. الأقراص تسبب لي بعض آلام المعدة، لكن آثارها الجانبية أقل بكثير مقارنةً بالحقن". حميدة من بين أوائل المرضى العراقيين الذين حققوا شفاءً كاملًا من المرض بعد إتمامهم للبرنامج العلاجي الجديد.
ويقول المستشار الطبي لمشروع أطباء بلا حدود في بغداد “ هيمانت بانغتي ” الذي يشرف على مجموعة مرضى التدرن المقاوم للأدوية المتعددة: "إننا سعداء جدًا بإتمام ستة مرضى عراقيين مصابين بالتدرن المقاوم للأدوية البرنامج الجديد بالكامل وبشفائهم، علمًا أن هناك اليوم في أغسطس 2021 ما مجموعه 93 مريضًا لا زالوا يتلقون العلاج الفموي". وقد بدأت منظمة أطباء بلا حدود في 2020 بتطبيق البرنامج الجديد لعلاج مرضى التدرن المقاوم للأدوية المتعددة في العراق بالتعاون مع المعهد الوطني لمكافحة التدرن، حيث اعتُمِد البرنامج الجديد في وقت لاحق من ذلك العام رسميًا لعلاج جميع مرضى التدرن المقاوم للأدوية المتعددة في البلاد، إذ يخضع جميع المرضى الذين تُشخَّص إصابتهم بهذا الشكل من التدرن لبرنامج علاجي بأدوية فموية بالكامل ما عدا استثناءات قليلة تكون نتيجةً لمتطلبات طبية معينة.
ويقول إحسان: "حين أعلموني بأنني مصاب بالتدرن المقاوم للأدوية المتعددة أخبرني الأطباء في المعهد الوطني لمكافحة التدرن عن البرنامج العلاجي الجديد الذي يعتمد على أدوية فموية. وقد وافقت على الفور إذ لم أكن أريد أخذ الحقن المؤلمة مجددًا كل يوم. وها أنا اليوم أخضع للعلاج منذ حوالي 10 أشهر وأبلي بلاءً حسنًا. فهذه الحبوب التي أتناولها نعمة مقارنةً بالحقن".
تخفيف المعاناة اليومية
ويواجه مرضى التدرن بمختلف أشكاله العديد من التحديات في حياتهم اليومية نظرًا لوضعهم الصحي. كما أنهم ينقلون العدوى في المرحلة المبكرة للإصابة ويجب عليهم عزل أنفسهم تجنبًا لإصابة الآخرين، مما يؤثر عادةً في صحتهم النفسية ومصدر رزقهم. وفي هذا الخصوص يقول إبراهيم محمد، وهو أب لثمانية أطفال يعيش في مدينة الصدر: "كنت حمالًا قبل أن أصاب بالمرض، لكنني لم أعد أقدر على العمل بسبب مرضي. ولا يمكننا تحمل تكاليف الكثير من الأمور". إبراهيم مصاب بالتدرن المقاوم للأدوية المتعددة وهو حاليًا في المرحلة المعدية. ويتابع قائلًا: "في معظم الأوقات، طعامنا هو الشيء الوحيد الذي نستطيع أن نتحمل تكاليفه وهذا بفضل مدخول ابني الذي يعمل حمالًا هو الآخر".
وتؤمن منظمة أطباء بلا حدود الدعم لمرضى التدرن المقاوم للأدوية المتعددة تخفيفًا للأعباء المادية التي يفرضها عليهم العلاج وتشجيعًا لهم على حضور جلسات المتابعة التي يوصيهم بها القائمون على الرعاية الصحية. ويتضمن هذا الدعم بدل مواصلات للذهاب إلى المعهد الوطني لمكافحة التدرن والعودة منه، إلى جانب السلات الغذائية لمن لا يقدر على العمل خلال فترة المرض كما هو حال إبراهيم.
وفي هذا الشأن يقول بانغتي: "يتلخص هدفنا القائم حاليًا في إلغاء مركزية العلاج بحيث لا يضطر الناس للسفر إلى بغداد للاستفادة من هذه الخدمات. فقد كان على جميع المرضى من مختلف أرجاء العراق حتى الآن المجيء إلى هنا للحصول على أدويتهم ومتابعة حالتهم. لكننا نريد أن يتغير هذا الواقع. فالتغلب على التدرن في حد ذاته صعب ومؤلم بما فيه الكفاية. كما أن علاج الشكل المقاوم للأدوية المتعددة أصعب حتى. ولهذا نريد تسهيل إجراءات العلاج على المرضى بكل ما نستطيع إليه سبيلًا، وقد اتخذنا بالتعاون مع المعهد الوطني لمكافحة التدرن خطوات كبيرة في هذا الاتجاه".
"التدرن ليس بالمرض السهل"
اسمي فاتن وأعيش في بغداد. أنا أم لشاب وثلاثة فتيات.
في يوليو 2020، كنت أعاني من السعال ومن حمى متواصلة كما كنت أشعر بالتعب طوال الوقت. فذهبت لطلب المشورة الطبية وأحالني الأطباء إلى المعهد الوطني لمكافحة التدرن (السل) حيث شُخِصَت إصابتي بالتدرن المقاوم للأدوية المتعددة. لم تفاجئني نتائج الفحوصات، إذ كنت على علمٍ بطبيعة هذا المرض ومعتادة على عوارضه.
لم يكن المرض وطبيعة علاجه غريبين عني، إذ أصيبت ابنتي بالتدرن في وقت سابق وتلقت العلاج في المعهد وتعافت بشكل كامل. وتخلل النظام العلاجي الّذي اتبعته ابنتي حقنًا وأدوية فموية، فكانت تأخذ حقنة كل يوم على مدار ثمانية أشهر. لقد عانت الأمرين حتى تعافت، إذ شعرت بالوهن الشديد طيلة هذه الفترة وفقدت الكثير من وزنها. كما فقدت قدرتها على الدراسة أو الذهاب إلى المدرسة. كنا نزور المعهد كل شهر لإجراء الفحوصات والحصول على الأدوية.
عندما شُخِصَت إصابتي بالتدرن المقاوم للأدوية المتعددة، لم أتلقَ أية حقن، بل اتبعت نظامًا علاجيًا فمويًا بالكامل. في البداية، شعرت بتعب شديد. وتوجب عليّ ملازمة السرير طوال الوقت. وجاء التعب والحمى ليكللا معاناتي. إن معالجة التدرن ليس بالأمر السهل أبدًا. فعلاوة على المعاناة الجسدية، كان عليّ أن أعزل نفسي وألا أرى عائلتي وتساءلت كيف يمكنني أن أنجز مهامي كربّة منزل. لكن الحمد لله، ساعدتني ابنتي الكبرى في أعمال المنزل.
عندما عزلت نفسي، أصيبت ابنتَي الصغيرتين بإحباط شديد. كانتا تبكيان في الكثير من الأحيان، إذ ظنتا أنني أعاني من مرض بالغ الخطورة. ومع الوقت، بعد أن شرح لهما أفراد العائلة حقيقة الوضع، فهمتا أن العزل يصب في مصلحتهما. في الواقع، كانت الفترة التي أمضيتها في العزل أسهل من تجربة ابنتي في العزل، إذ أصبت بالتدرن في الوقت الّذي تفشى فيه فيروس كورونا وتوجب على الجميع عزل أنفسهم والمحافظة على التباعد الاجتماعي. فكان أسهل عليّ أن ألازم منزلي وألا أزور أحدًا.
يعمل زوجي كسائق سيارة أجرة ونعيش حياةً متواضعةً. لكن لم يشكل مستوانا المعيشي عائقًا للعلاج، إذ توفر لنا أطباء بلا حدود سلات الطعام كلما زرت المعهد الوطني لمكافحة التدرن كما تغطي تكاليف التنقل، وقد ساعدني ذلك بشدة خلال تلقي العلاج. وبدون مساعدة المنظمة، لا أعلم ما إذا كان بإمكاني تحمل تكاليف الذهاب إلى العيادة والعودة منها.
وبعد شهر ونصف من تناول الأدوية، بدأت ألاحظ فروقات كبيرة. لقد عادت حياتي إلى طبيعتها أخيرًا. ولم أعد احتاج إلى عزل نفسي فلم يعد المرض معديًا. ومع ذلك، يتعين عليّ إبقاء أغراضي الشخصية بعيدًا عن متناول الآخرين كالصحون وأدوات المائدة كما يجب أن أتفادى الاقتراب منهم بشكل كبير، لكن على الأقل يمكنني أن أجلس بجوارهم من جديد.
"النظام العلاجي الفموي أفضل من العلاج التقليدي ويترك آثارًا جانبية أقل"
اسمي حميدة. أنا من بغداد من العراق وأبلغ من العمر 65 عامًا. وأنا أمٌّ لست بنات وثلاثة أبناء.
شُخصت إصابتي بالتدرن (السل) للمرة الأولى في العام 2015. ولم أعرف آنذاك سبب العوارض التي تصيبني. عانيت من السعال والحمى الليلية ولم أكن على ما يرام. كما كان ضغط دمي ومستوى السكر فيه يسجلان مستويات مرتفعة. عندما طلبت المشورة الطبية، أخبروني أنني أصبت بجلطة خفيفة وأعطوني علاجًا لتنظيم ضغط الدم ومستوى السكر في الدم وأدوية للوقاية من الجلطة، لكن الأعراض ما انفكت تصيبني.
وبدأت ألاحظ أن السعال يقترن بكمية كبيرة من البلغم وأن صحتي لم تكن تتحسن. فأخذني ابني مرة أخرى إلى الطبيب الّذي أحالني بدوره إلى المعهد الوطني لعلاج التدرن في بغداد. وفي المعهد، شُخصت إصابتي بالتدرن. ووصف لي الفريق الطبي في المعهد علاجًا بالحقن وكنت أشعر بالإعياء والتعب كلّما أخذتها.
عندما أصبت بالمرض في المرة الأولى، أخبرني الأطباء أن التدرن هو مرض معدي ويجب أن أعزل نفسي وألا أخالط أحدًا. لم أعد أخرج من المنزل كما لم أزر أحدًا طيلة هذه الفترة. تناولت أدويتي لمدة ثمانية أشهر، قبل أن يبلغني الأطباء أنني شفيت. ومع ذلك، واجهت ثلاث انتكاسات منذ ذلك الحين كان آخرها في بداية العام 2020، إذ شخصت إصابتي بالتدرن المقاوم للأدوية المتعددة وتحتم عليّ اتباع نظام علاجي جديد يقوم على الأدوية الفموية.
في المرات الأخرى التي أصبت فيها بالسل، خضعت لعلاج يومي بالحقن التي أدت إلى آثار جانبية كثيرة. على سبيل المثال، كان جسمي يحكني بشدة وظهرت ندبات عديدة على جلدي. ولكن منذ أن بدأت بتناول الأدوية الفموية، شعرت بتحسن كبير. إن أقراص الدواء تتسبب ببعض الألم في معدتي لكن رغم ذلك فإن آثارها الجانبية أقل بكثير من آثار الحقن.
في بداية العلاج، كنت أشعر بتعب شديد. وفقدت قدرتي على المشي. كان ابني يقدم الرعاية لي ويساعدني لأذهب إلى المعهد الوطني لمكافحة التدرن لإجراء الفحوصات. إن ابني هو معيل أسرتنا الوحيد، وعانى هو أيضًا الأمرّين في هذا الوضع. ففي بعض الأحيان، كان يأخذني إلى عيادة خاصة للحصول على استشارات طبية بشأن المرض المزمن الّذي أعاني منه والّذي فرض علينا شراء أدوية باهظة الثمن. حال هذا الوضع دون ذهابه إلى عمله ما أثر بشدة على مستوانا المعيشي. وبعد 18 شهرًا من تناول الأدوية، أشكر الله أنني أتممت العلاج وشفيت من المرض وتجاوزت الصعوبات التي فرضها. لقد تحسنت صحتي ولم أعد أحتاج إلى الرعاية.
"لم أسمع عن التدرن المقاوم للأدوية المتعددة قبل أن تُشخص إصابتي به"
اسمي عبد الله. أنا من بغداد (العراق)، وأبلغ من العمر 30 عامًا. أنا مدرس لغة إنكليزية وأعمل كمدرس خصوصي. وفي العام 2019، شُخصت إصابتي بالتدرن (السل) المقاوم للأدوية المتعددة، لم يكن لدي أدنى فكرة عن المرض آنذاك.
وبعد أن شرح لي الطاقم الطبي في المعهد الوطني لمكافحة التدرن في بغداد عن المرض، فاجأتني خطورته ومدة علاجه الطويلة. وأبلغني الطاقم أنني مؤهل لأخضع لنظام علاجي جديد يقوم على تناول الأدوية الفموية. يستغرق هذا الأخير وقتًا أقصر ويحقق نتائج أفضل من العلاج المعتاد الّذي يعتمد على الحقن. أردت أن أُشفى بأسرع وقتٍ ممكن وكنت مفعمًا بالأمل، فوافقت على الخضوع لهذا العلاج.
وفي العام 2020، بدأت العلاج وكنت أتناول بين 14 و18 قرصًا من الدواء كل يوم. توجب عليّ أن أتناول هذا العدد الكبير من الأدوية لأنني اتبعت نظامًا علاجيًا قصيرًا يمتد على 9 أشهر في حين توفر العيادة نظامًا علاجيًا أطول يمتد على 18 شهرًا. وفي البداية، كان عليّ أن أعزل نفسي وألا أخالط أفراد عائلتي لكيلا أنقل العدوى إليهم.
وخلال الأسبوعين الأولين من العلاج، كنت على قدر كبير من الأمل. وكنت أقول لنفسي إنني على ما يرام وإنني في طريق التعافي. لكن بعد ذلك، بدأت أفقد شهيتي. لم أستطع أن أتناول أي وجبة وبات تناول أقراص الدواء صعبًا للغاية. هذا وفقدت قدرتي على المشي، فما إن أخطو بضع خطوات حتى يتملكني التعب. وفي بعض الأحيان، كنت أشعر بألم مروع في جسمي يدفعني إلى البكاء. وبسبب هذا كلّه، خسرت مصدر رزقي الأساسي ولم أستطع إعطاء دروس خصوصية.
شعرت بإحباط شديد وأردت أن أهرب وأن أترك كل شيء ورائي. خافت أمي من أن أرتكب خطأ من هذا القبيل فأندم عليه في وقت لاحق وأبقت جميع الوثائق الرسمية بحوزتها. أدركت أن هذا المرض يمكن أن يودي بحياتي وكنت أدعو الله ليغفر ذنوبي.
ولحسن الحظ، بقي العاملون في العيادة على اتصال دائم معي. فكانوا يطمئنون عليّ ويتأكدون أنني لم أترك العلاج وأنني أتناول أدويتي بانتظام. أبلغني الطاقم بصعوبة العلاج منذ البداية لكنهم شجعوني وأعطوني الإرادة لأستمر فيه. لم أقتنع حينها بما كانوا يقولون لكنني أدرك الآن أن تفاؤلهم وتشجيعهم هو ما منعني من الاستسلام منذ وقت طويل. سأظل ممتنا للدعم الّذي قدموه لي إلى الأبد.
وخلال الشهر الثالث من العلاج، بدأت أشعر بالتحسن. كنت أذهب إلى المناطق الريفية وأمارس الرياضة مع أصدقائي الذين كانوا يشجعونني بدورهم. ساعدني ذلك بشكل كبير وبدأت أشعر بتحسن كبير. أصبح تناول الأدوية أسهل وبدأت أكتسب الوزن من جديد. ومنذ ذلك الحين، بدأت الأمور تأخذ منحًى جديدًا.
وعندما أستذكر ما حصل معي، أشعر وكأنّ الكون يهديني حياةّ جديدة وأشعر بالامتنان لكل ما حدث. كنت أدخن واستطعت أن أترك التدخين بعد إصابتي بالتدرن. وقبل أن أعرف أنني أعاني من التدرن، كنت على وشك أن أبدأ برسالة الماجستير لكن حالتي الصحية لم تتح لي إنجاز هذه الخطوة. لكنني الآن مستعد وسعيد لإكمال الدراسة.
"لا أطيق الانتظار حتى أحمل أطفالي بين ذراعي مرة أخرى"
اسمي ابراهيم محمد، عمري 50 سنة وأنا من مدينة الصدر في بغداد، متزوج وأب لثمانية أطفال.
أصبت بمرض التدرن (السل) لأول مرة منذ حوالي ثلاث سنوات، واستغرق العلاج من هذا المرض عامًا كاملًا حتى تعافيت منه. ولكن بعد مرور بعض الوقت، بدأت أشعر بنفس الأعراض مرة أخرى وعرفت أن مرض التدرن قد عاد إلي.
فقمت بزيارة مركز البرنامج الوطني لمكافحة التدرن وأخبروني هناك بأني مصاب بالتدرن المقاوم للأدوية المتعددة، ووصفوا لي الأدوية التي يتم تناولها عن طريق الفم، على عكس الأدوية التي كنت أتناولها أثناء إصابتي الأولى، والتي كانت عن طريق الحقن.
وبناءً على نصيحة الطبيب، عزلت نفسي على الفور عن عائلتي وانتقلت إلى منزل فارغ يملكه أخي، والذي يقع بجوار منزلي مباشرةً. حبست نفسي داخل المنزل ولم أخرج على الإطلاق، ولا حتى لرؤية عائلتي. أراهم من خلف النوافذ فقط. كانت عائلتي حزينة وقلقة عليّ، ولم يعرفوا الكثير عن المرض وكيف سيؤثر علي. ومنذ ذلك الحين، كنت أقضي يومي داخل المنزل. عندما استيق' صباحًا في عزلتي، أشغل نفسي بالأعمال المنزلية، فأضع سريري تحت أشعة الشمس وأنظف المنزل. وعندما يحين وقت الغداء، تحضر لي عائلتي الطعام، ولا أسمح لهم بالدخول إلى المنزل، يتركون لي الطعام في الخارج ومن ثم أخرج لأخذه بعد مغادرتهم.
كنت أعمل حمّالًا قبل أن أصاب، ولكن لم أعد أستطيع العمل بسبب هذا المرض. والآن لا يمكننا تحمل تكلفة الكثير من الأشياء، حتى أننا اضطررنا إلى قطع خط الكهرباء الثانوي عن منزلي لأننا لم نعد قادرين على دفع ثمنه. وفي معظم الأوقات، لا يمكننا شراء أي شيء سوى الطعام، والذي نوفر ثمنه أساسًا من عمل ابني، الذي يعمل حمّالًا هو الآخر.
بالإضافة إلى مرض التدرن المقاوم للأدوية المتعددة فإنا مصاب بأمراض مزمنة أيضًا، حيث أتناول أدوية ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب، والتي يجب أن أشتريها بنفسي. تكلفني هذه الأدوية 30 ألف دينار عراقي (أي: 20 دولارًا أمريكيًا) شهريًا، وأحيانًا أضطر إلى اقتراض أموال من أشخاص آخرين حتى استلام راتبي من الضمان الاجتماعي لسداد تلك الديون.
أشعر بالضعف والتعب بسرعة. لكن بشكل عام، أشعر بالسعادة لأنني أتناول هذا العلاج لأنه ليس له العديد من الآثار الجانبية السلبية عليّ. آمل أن أستعيد صحتي الكاملة حتى أتمكن من العودة إلى العمل وإعالة أسرتي مرة أخرى. وأنا أفتقد أولادي كثيرًا، إذ لا يمكنني رؤيتهم إلا من خلف النافذة عندما يلعبون في الخارج. لا أطيق الانتظار حتى أحملهم بين ذراعي مرة أخرى.
"علاج التدرن الجديد هذا نعمة مقارنة بالعلاج القديم"
اسمي إحسان علي وعمري 44 سنة. أنا متزوج ولدي ثلاثة أولاد وبنت واحدة. وأعيش في منطقة الحميدية في بغداد (العراق). ليس لدي وظيفة ثابتة: أحيانًا أعمل كعامل بناء وأحيانًا أستعير سيارة أجرة من صديقي وأعمل عليها.
في عام 2014، كانت المرة الأولى التي أصبت فيها بالتدرن (السل). ذهبت إلى المستشفى وأخبروني أنني مصاب به. وفي ذلك الوقت، تناولت العلاج لمدة 3 أشهر تقريبًا، ولكني توقفت عن تناوله تلقائيًا بمجرد أن تحسنت ودون استشارة الطبيب.
بعد عام، عاد المرض، ولكن أقوى من قبل. تم وضعي مرة أخرى على نظام علاجي مختلط متكون من الحبوب والحقن. هذه المرة، واصلت علاجي طوال الفترة الموصوفة، ثمانية أشهر في المجموع. وكنت أشعر بتحسن كبير.
ولكن في بداية عام 2020، بينما كنت عائدًا من العمل، شعرت فجأة بالدوار والتعب. لم أكن أتوقع أن يكون مرض التدرن مرة أخرى، لكن عائلتي اقترحت أن أجري اختبارًا للتأكد فقط. كانت نتيجة الاختبار إيجابية: لقد تعرضت لانتكاسة. وهذه المرة كان مرض التدرن المقاوم للأدوية المتعددة.
عزلت نفسي في بيتي ولم أسمح لأحد بالاقتراب مني. لم يكن الأمر سهلًا ولكن كان لا بد من القيام به. ثم تم إبلاغي بأن هناك نظامًا علاجيًا جديدًا لا يتضمن أخذ الحقن وسيستمر لمدة 18 شهرًا. وافقت على الفور لأنني لم أرغب في العودة إلى أخذ الحقن كل يوم.
مرّ ما يقرب من 10 أشهر وأنا أستخدم نظام الأدوية الجديد هذا وأنا أتحسن بشكل جيد. لا يزال أمامي طريق طويل للتعافي ولكن آمل أن أتغلب على هذا المرض. الحبوب التي أتناولها هي نعمة مقارنة بالحقن. كانت الحقن مؤلمة، وكان علي أن أذهب إلى عيادة خاصة محلية كل يوم حتى يعطيها لي أحد مقدمي الرعاية الصحية.
قبل شهر، مرضت مرة أخرى، وعانيت من الحمى وآلام الجسم والسعال. أجريت اختبارًا وهذه المرة كنت مصابًا بمرض كوفيد-19. واضطررت إلى عزل نفسي مرة أخرى وأصبحت مكتئبًا بعض الشيء. لكنني لم أفقد الأمل أبدًا، حيث كان إيماني قويًا. لقد توكلت على الله، وعلى العلاج، والإجراءات الاحترازية التي كنت أراعيها. كنت مريضًا جدًا لمدة 20 يومًا. وعلى الرغم من أنني لم أتعافى تمامًا، إلا أنني أفضل بكثير الآن بفضل الله.
أنا المعيل لأسرتي، وفي معظم الأوقات التي كنت مريضًا فيها لم أستطع العمل. ولحسن الحظ، وقف الأصدقاء والأقارب إلى جانبي ودعموني وساعدوني. أنا ممتن لله وإليهم. والآن، أملي الوحيد هو أن تتحسن صحتي حتى أعمل مرة أخرى وأعيل أسرتي وأعوضهم عن كل الوقت الذي كنت فيه مريضًا.
"في النهاية، تعلمت كيف أتعامل مع مرض التدرن وعلاجه"
اسمي روابي مصطفى، عمري 37 سنة وأنا من بغداد (العراق).
بدأت صحتي تتدهور في عام 2019 ولم أكن أعرف ما هي علّتي. كنت أشعر بألم في صدري، وأصبحت أحس بالضعف شيئًا فشيئًا. لم أكن أستطيع النوم حتى بشكل جيد. وذات يوم شممت رائحة شيء ما وبدأت أشعر بالغثيان، تقيأت وبعد ذلك مباشرة، لاحظت أنني أبصق دمًا. كنت خائفة من رؤية الدم وذهبت على الفور إلى المستشفى. أجرى الأطباء بعض الفحوصات الأولية وحددوا لي موعدًا بعد يومين. في وقت الموعد، قاموا بفحصي وطلبوا بعض الفحوصات المخبرية والصور الإشعاعية. وبعد أيام قليلة عدت لأحصل على النتائج، ليخبرني الأطباء بأنني مصابة بمرض التدرن (السل) وأحالوني إلى البرنامج الوطني لمكافحة التدرن، حيث تم تسجيلي ووضع خطة علاجية لي.
بعد ذلك، كان عليّ مراجعة مركز الرعاية الصحية الأساسية في منطقتي، لتلقي الأدوية الخاصة بي على أساس منتظم. وكنت حازمة جدًا في تناول أدويتي في الوقت المحدد وعلى النحو الموصوف. وبعد شهرين ونصف من بدء العلاج، أوقف الأطباء الدواء وأخبروني أنني تعافيت. لكن بعد فترة، بدأت أشعر بالتعب مرة أخرى. قررت العودة إلى البرنامج الوطني لمكافحة التدرن للحصول على المشورة.
قابلت الدكتورة نادية وشرحت لها وضعي، فطلبت مني إجراء بعض الفحوصات المخبرية وبعض الصور الإشعاعية. وبعد ظهور النتائج، أخبرتني أنني أصبت بمرض التدرن مرة أخرى وهذه المرة كان النوع الذي أصبت به هو أحد أشكال المرض المقاومة للأدوية. لقد وصفت لي نظامًا علاجيًا مختلفًا، كان العلاج فيه عن طريق الفم بالكامل: لم أكن مضطرةً إلى أخذ الحقن، كان العلاج مكونًا من الحبوب فقط. لقد كان الأمر مطمئنًا بالنسبة لي عندما أخبرني الطبيب أن هناك علاجًا لحالتي ولا زلت أخضع له حتى الآن.
لقد تغيرت حياتي الآن. إذ اعتدت أن أكون أفضل بكثير قبل إصابتي بالتدرن. ولكن المرض جعلني أشعر بالتعب طوال الوقت. أحاول القيام ببعض التمارين الخفيفة في المنزل، ولكني لا أمتلك الطاقة الكافية للقيام بالكثير. كما أثر التدرن أيضًا على علاقاتي مع الأصدقاء والآخرين، إذ كنت أخشى أن أصيبهم بالعدوى. فابتعدت عنهم وبقيت في عزلة. وحتى الآن ومع أن حالتي لم تعد معدية، ويمكنني أن أتواجد مع الآخرين مرة أخرى، ما زلت أطبق الاحتياطات مثل تجنب الاتصال المطول أو القريب وأحاول تناول الطعام بمفردي. وما زلت لا أشعر أنني بحالة جيدة من الناحية الجسدية والنفسية.
لم أكن أعرف شيئًا عن مرض التدرن طوال حياتي، ربما كنت أعرف اسم المرض فقط، ولكن لم أكن أعرف ما هو فعلًا وكيف يؤثر على الناس. وعندما أصبت به لأول مرة، كنت خائفة. لكن كلما عرفت أكثر عن المرض، كلما قل خوفي. تعلمت في النهاية كيف علي أن أتعامل مع المرض ومع العلاج أيضًا. كانت عائلتي خائفة أيضًا. لكن كان الجميع يدعمني بغض النظر عن أي شيء.
نصيحتي للمرضى الآخرين هي أن يكونوا حازمين وجادين بشأن تناول أدويتهم في موعدها المحدد وعلى النحو المطلوب وألا يخافوا كثيرًا. فإذا أخذوا أدويتهم على النحو الموصوف، فيمكنهم أن يتحسنوا.