الجمعة 27 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بوابة العرب

" الوصايا العشر" كيف نجح أبطال فلسطين في التخفي من جحيم الاحتلال؟ حكايات التخفي وقطع العلاقات الاجتماعية والعيش في الظلام

الوصايا العشر.. حكايات
الوصايا العشر.. حكايات التخفي والهروب من سجون الإحتلال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«لا تسمع، لا تتحدث، لا تتواصل مع أي شخص، لا تسلم نفسك، فقط اجلس، انتظر، وانظر إلى أن يأتيك الأمر، اسمع ولا تجادل، وتريث»... تلك الوصايا العشر أول ما يبلغ بها المتخفي أو الهارب من قوات الاحتلال الصهيوني، من جبهته التي يتبعها، ليقف أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يلتزم بها وينجو بنفسه، أو يكسرها وتفشل تجربة تخفيه.
وعلى عكس ما يعتقده الكثير، فالوضع بالنسبة للمطارد لن يكون سهلا أبدا، فما بين الهروب والاعتقال، خمسة أيام عاشها 4 من أصل ستة أسرى نجحوا في عملية هروبهم من سجن جلبوع أحد أشد سجون الاحتلال فتكا بمساجينها، ليلحق بهم آخر أسيرين بعد 14 يوما من المطاردة والتخفي.
أيام في نظر الكثير مدة قليلة ولكن لا يعلموا أنها بالنسبة للمطارد اليوم الواحد يعادل سنة بل يزيد.
وفي لقاء سابق أجرته «البوابة»، مع مهندس الهروب حمزة يونس، والذي نجح في خوض معركة الهروب من سجون الاحتلال ثلاث مرات، قال لنا: «المطاردة بعد الهروب كانت دوما هي المرحلة الأصعب».
ويشرح «يونس»: «كان علينا في كل مرة أن نخفي آثارنا كما أننا ممنوعون حتى من الحديث مع أقرب أحبائنا وهم الأهل، في أيام المطاردة نتخفى حتى من ظلالنا».
وهذه المرة تواصلنا مع واحد ممن خاضوا تجربة التخفي، وهو «وسام الرفيدى»، الذي نجح في التخفي لمدة 7 سنوات ليحكي لنا أكثر عن صعوبة تلك التجربة.
إضافة إلى قصة أسطورة التخفي أحمد قطامش، واستمر في الهروب من أعين الاحتلال لمدة 17 عاما.
 

 

وسام الرفيدي
  • وسام الرفيدى لـ«البوابة»: عشت متخفيا 9 سنوات و9 أخرى خلف الأسوار
  • النضال ليس متعة بل ضرورة.. ولم يعلم أحد بمكانى سوى أمى
  • الحياة فى الخفاء لها متطلبات وقواعد لا تهاون فيها.. وليس بمقدور أي شخص الاختفاء وتأدية مهام محددة
  • الجيل الحالي أذكى وأكثر حيوية.. ولكن القوى السياسية لا تساعده
  • المتخفى يعيش حالة من التخبط فى المشاعر.. قطع كل العلاقات الاجتماعية أثناء التخفي ليس أمرًا سهلًا.. والاختفاء تجربة تعيد صياغة الشخصية وتصقلها وتجعلها تنضج أكثر

«الحياة في الخفاء لها متطلبات كثيرة وقواعد لا تهاون فيها، وأول وأهم تلك القواعد هي أن لا يرانا أحد حتى أقرب المقربين ولا نتحدث مع أحد» هكذا بدأ «وسام الرفيدى» حديثه مع «البوابة» عن تجربته في الاختفاء والمطاردة مع قوات الاحتلال لمدة وصلت إلى 9 سنوات.
وفي رسالة تسلمها «وسام» في بداية تخفيه من قادته في الجبهة الشعبية، قيل له فيها: «لا تسلّم نفسك، ولتنتقل إلى التخفي، للحياة السريّة بما تتطلبه تلك الحياة من إجراءات، وتحوُّطات، ومتطلبات، وقواعد ينبغي مراعاتها حرفيًا، وأولها: لا تستقبل أحدًا، ولا تزر أحدًا».
9 سنوات قضاها «الرفيدى» ما بين عامى 1982 إلى أن تم اعتقاله عام 1991، كان يعيش فيها متخفيا في البيوت السرية، لم يكن قرار التخفي قراره بمفرده بل كان قرارا من الجبهة التي كان ينتمي اليها، أما المقصد من وراء هذا القرار كان أنه لا فائدة من دخول عدد كبير من المناضلين إلى السجون وتقييد نضالهم وحريتهم، فكان يجب عليهم التخفي لإكمال مهامهم.
ويقول «وسام»: «الاختفاء في حد ذاته صعب جدًا، فليس بمقدور أي شخص الاختفاء، والقيام بمهام محددة، والعيش ضمن نمط محدد، ولأن الأرض المحتلة عاشت ظروفًا مريرة في التقاطعات التنظيمية، من خلال المجموعات التي تتشكل وتكشف وتنسجن».
تجربة الاختفاء في فلسطين أصعب من أي بلد آخر، فالموضوع يختلف بحسب طبيعة البلد الجغرافية ومساحتها وعدد سكانها ونوعية المطارد إذا كان احتلالا كما لدينا أو المطاردة والتخفي من شرطة أهل البلد نفسه، هكذا تحدث «الرفيدي» عن أحد الصعوبات التي تواجه المتخفي في فلسطين.
وكان «الرفيدي» في جامعة بيرزيت، وكانت تلك أحد الصعوبات التي واجهته أثناء تخفيه، فطبيعة عمله جعلته على علاقة بعدد كبير جدا بالطلاب في الضفة الغربية وغزة، فكان من المستحيل أن يتحرك بسهولة في الشوارع حتى لو كان متخفيا كي لا يحدث أي أمر سواء كان مقصودا أم لا؟.
ويحكي «الرفيدي»، عن ما ترتب على هذا الموقف: «سبب علاقاتي الكثيره بالطلاب لم يكن لدي الحرية في أن أخرج بشكل علني في أي منطقة، خاصة وأن مساحة فلسطين صغيرة فلم أكن أملك أي خيارات للتنقل، لذلك اضطررت أن أعيش في بيت سري لا أخرج منه، إلا بعد ترتيبات أمنية دقيقة ومدروسة وهو ما زاد الأمر صعوبة».
خلق الله الإنسان بطبيعته كائنا اجتماعيا، وحياة المناضلين في حد ذاتها حياة مليئة بالمقابلات والأحداث، ورغم ذلك وجد الرفيدي نفسه فجأه في شيء أشبه بالحبس الانفرادي، فهكذا شاءت الظروف وهكذا كان عليه أن يتقبل، ساعات وأيام تمر على الرفيدي في مخبأه السري وحيدا لا يتحدث مع أحد ولا يحدثه أحد.

 

وسام الرفيدي


تلك الفترة كانت أصعب الفترات التي مرت عليه وعلى كل مطارد، فذاك الصمت الذي يحيط به يدخله في حالة نفسية سيئة جدا تجعله يعيد تفكيره في كل ما مضى، ليبدأ الدخول في أقصى مراحل الضعف، ليسأل لنفسه «متى ستكون النهاية ؟!» وفي بعض الأحيان يتطور الضعف من مجرد حديث مع النفس إلى إرادة وتفكير في إنهاء كل شيء ليبدأ فعليا بالتفكير في أن يفتح الباب ويخرج من مكانه.
ويقول «الرفيدي»، إن قطع الاتصال بالخارج وانقطاع كل العلاقات الاجتماعية شيء صعب لا يمكن على الإنسان تحمله بسهولة، فخلال سنوات التخفي لم يكن يتواصل مع أحد من أقربائه أو أصدقائه سوى أمه فقط، هي التي كانت على علم بآخر أخباره، فحتى إخوته لم يكونوا على علم بأي شيء، بل كان الأقسى من ذلك أن الانتظار كان يمثل لهم خبرا في حد ذاته أن أخوهم لا زال على قيد الحياة طالما لم ينشر أي خبر عن استشهاده.
لم يقتصر الأمر على ذلك فقط، فحتى خطيبة الرفيدي تركته لأنها لم تكن على استعداد لأن تعيش معه تلك الظروف، لتختزل كل علاقاته الاجتماعية في رؤية أمه فقط وعلى فترات متباعدة.
ويعلق «الرفيدي»، على صعوبات تلك الفترة: «لا خيار للمتخفي سوى أن يكون مستعدا للتخلي عن طبيعته البشرية وعن علاقاته الاجتماعية وكل متطلباته البشرية لصالح قضيته التي يؤمن بها والأمر هنا ليس سهلا على الإطلاق، فهذا يحتاج لقوة وإرادة صلبة جدا وإيمان قوي بالقضية التي وهب نفسه لها، وإلا لن يستطع ان يكمل في هذه الحياة، وهي تجربة تعيد صياغة الشخصية وتصقلها، تنضجها أكثر، كما أن ثقتي بنفسي وبعدالة قضيتنا ازدادت، والقدرة على التحدي أيضًا».
وفي مفارقة لم يكن مخطط لها، جلس الرفيدي يدخن سيجارته داخل مخبأه السري ويحرق أوراقه السرية، وما هي إلا لحظات ليجد الرفيدي نفسه محاصرا من قوات الاحتلال، وهو الأمر الذي فاجئهم أيضا، حيث كانت عملية تمشيط عادية ليقضى الرفيدي بعدها سنواته التسع في السجن كما قضى مثيلتها في الهرب والاختباء.
وما زالت هناك عدد من العادات التي تعلمها الرفيدي في تلك الفترة عالقة في ذهنه حتى الآن، منها المشي في نفس المكان ذاته، والقراءة والكتابة، كما أن أكثر ما تعلمه هو الحياة وحيدا لأيام داخل المنزل.


وبين الماضي والحاضر تجارب التخفي عديدة ولن تنتهي، ولكن لتجارب الماضي صعوبتها وللحاضر أيضا صعوباته، فلا يمكن أن نصف أحدهما بأنه أصعب من الآخر فإذا ما قارنا بين هذا وذاك، سنجد أنه في الماضي لم يكن يمتلك المتخفي جهاز محمول يستطيع أن يكون على اتصال مع جبهته بسهولة، ولكن كان هناك عملاء يوشون بنا في كل خطوة، هكذا قال الرفيدي.
وأكمل: «اليوم بات التطور التكنولوجي والتنصت خطرًا كبيرًا يواجه المتخفي، فحتى أجهزة الملاحقة باتت متطورة جدا، فالكاميرات في كل الشوارع وأجهزة المتابعة والدوريات في كل مكان وهو ما يصعب على المتخفي مهمته».
ويكمل «الرفيدي»: «الجيل الحالي رغم أنه ليس أنضج ولكن أذكى منا، لديه الحيوية والحافز العالي لأن يكمل المسيرة، كما أن عمره الصغير وصحته تساعده، ولكن هذا الجيل للأسف لا يجد من القوى السياسية من يهيئه لتلك الظروف».
ولهذا يرجع «الرفيدي» السبب في فشل عملية هروب «أسرى جلبوع» ويرى أن الحاضنة الشعبية والبنية التنظيمية القوية أبرز عوامل نجاح «التخفى» أثناء الملاحقة من الاحتلال للمقاوم الفلسطيني.
وأضاف: «الشعب كان جاهزًا جدا لاحتضان مطاردي جلبوع بدليل الإنحياز الواضح والجدي من المواطنين وفرحهم بالعملية، ولكن للأسف في المقابل لم تكن البنية التنظيمية للمنظمات أو الأحزاب جاهزة، لذلك كان من الصعب نجاح العملية وصمود المطاردين والمتخفين».
ويقول «الرفيدي»: «على الجميع أن يفهم أن النضال ليس متعة بل ضرورة، في الوضع الطبيعي لن يختار الإنسان أبدا أن يقطع كل علاقاته الاجتماعية وأن يعيش معزولا عن العالم، خاصة أول خمسة أشهر يكون مطلوبا منك أن تكون معزولا عن كل العالم بشكل كامل».
وفي الختام؛ قال: «الخروج من السجن لا يعني انتهاء مرحلة النضال، بل هو استكمال لها، كما أنّ الانخراط بالعمل الوطني مع الجماعة وسيلة أخرى لتسهيل انخراط الأسير المحرر في المجتمع».

 


 

  • حكاية أسطورة التخفى.. أحمد قطامش
  • 17 عامًا مدة اختفائه.. ووالدته فوجئت بأن طفلة تلعب معها منذ سنوات حفيدتها
  • زوجته: قال فى بداية اعتقاله لن أغير مبادئي أبدًا

في مشهد كان أشبه بالأفلام السينمائية، فتحت والدة أحمد قطامش الباب لتجد أمامها سهى البرغوثي، تخبرها بأن ابنها بات رهن الاعتقال بعد اختفاء 17 عامًا، ليس هذا وحسب بل إنها، سهى البرغوثي، زوجته وهذه الطفلة التي كان تلعب أمامها منذ سنوات هي حفيدتها ولم تكن تعلم.
فجأة اختلطت المشاعر على الأم ولم تكن تدرك هل تفرح بزواج ابنها الذي لم تعرف عنه شيئا منذ 17 عامًا، أم تحزن لاعتقاله، خاصة وأنها خاضت مرار تجارب الاعتقال مع إخوته من قبل.
«والدته لم تره من 17 عاما»، كان ذلك العنوان الأبرز والذي سبق العنوان الرئيسي حول خبر اعتقال أحمد قطامش بعد تجربة اختفاء ناجحة استمرت 17 عاما، بعد البحث والتقصي من خلال الأرشيف وجدنا تفاصيل أكثر حول عملية الهروب تلك والتي قالت فيها والدته إنها لم تكن تعرف أن ابنها متزوج ولديه ابنة.
لم يكن ما قالته والدته خبرًا عاديًا، ولكن كان يعكس واقعًا كبيرًا حول ما يعاني منه المتخفي من قطع علاقاته الاجتماعية تماما كما ذكر وسام الرفيدي، وفي أحد المواد الأرشيفية التى وجدناها أثناء بحثنا، قالت والدته: «كنت أرى ابنته حنين تلعب في بيتي ولا أعرف أنها حفيدتي».
ويقول «قطامش» فى إحدى المقابلات التي أجريت معه عقب خروجه من السجن عام 1992: «فيما يتعلق بتجربة المطاردة أو التخفي، أود أن أوضح أن المطاردة تعني المواجهة اليومية لجيش الاحتلال والظهور باستمرار أمام الناس، وهذه بالعادة عمرها قصير».
ويضيف: «أما التخفي فهو قانون مستنبط من ظروف موضوعية حينما يكون العدو الطبقي أو القومي قوية ومساحة البلاد صغيرة، ما يستوجب عدم الظهور والسكون وندرة الحركة، الأمر الذي يديم التخفي سنوات وسنوات، وهذا يقتضي المثابرة والجلد والنفس الطويل والتقشف والتخلي عن مغانم الحياة، وكل ذلك لا يكون إلا باقتناع المتخفي بالفكرة التي يؤمن بها».
قبل التخفي كان «أحمد» قد تم اعتقاله لمدة 5 سنوات، وبعدها عاش مع أهله 4 أشهر فقط ومن ثم بدأ رحلته في التخفي، كان شقيقه الأكبر «محمد» فى السجن وقتها، ومع مرور الوقت بدأ هاجس فقدان «أحمد» يراود أمه طوال الوقت.
وتقول والدته فى إحدى المقابلات الصحفية بعد اعتقاله: «كان هاجس فقدانه إلى الأبد يرعبني، كان أحمد سؤالا صعبا لي، توفي والده قبل أشهر وفي نفسه حسرة لأنه لم ير أحمد ولم يعرف عنه شيئا».
و«أحمد»، ابن لعائلة كان ابنها الأكبر «محمد» قد تعرض للسجن عام 1974 ومن ثم بقي قعيدا، يكابد آلام الأمراض التي خلفتها له الزنزانة إلى أن استشهد طريح الفراش عام ۱۹۷۸.

أحمد قطامش


وطوال فترة التخفي، كانت تتابع «أم أحمد» الأطفال من حوالها وهم يكبرون ويكبر معها الأمل في أن يأتي لها أي خبر عن اختفاء ابنها، تصف والدة أحمد هذه الفترة وتقول: «الأطفال أصبحوا رجالا، ولا أحد كان يقول لي خبرا عن أحمد».
وتحكى «سهى» زوجته أن الاعتقال كان بشكل مفاجئ، حيث اقتحم جنود الاحتلال بيت أحمد وسهى في منطقة البيرة، ليعتقلوا «أحمد» بعد مكوثهم لساعتين في المنزل واصطحبوه بعدها لسجن رام الله.
كانت بداية التخفى والمطاردة عام 1979، حيث شنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في الأراضي المحتلة ضد مؤيدي الجبهة الشعبية وصفت في حينه إنها استهدفت «القضاء على الجبهة الشعبية»، وفي أعقاب تلك الحملة اختفت آثار «قطامش» تماما حتى اعتقاله في رام الله بعد 17 عاما.
وتقول «سهى» فى حديث قديم لها وقت الاعتقال، إن أصعب أمر واجهته في تلك الفترة هو الرد على سؤال طفلتها «حنين» المتكرر عن موعد إطلاق سراح والدها، وفي رسالة نقلتها «سهى» عن زوجها في بداية اعتقاله القول: «لن أغير مبادئي حتى لو استمر الجيش الإسرائيلي في اعتقالي سنوات أخرى».