هي ظاهرة نراها في مختلف المجالات، البجاحة صفة مرذولة تنتشر يوما بعد يوم في أوساط مختلفة، في محيط العمل لابد وأن تلاحظ المتبجح وهو يختال فخورا بأوهام كاذبة، في محيط السكن لابد من توافر الجار البجح الذي يتعامل مع حنجرته باعتباره سلاح الردع للجميع، فضلا عن السلوكيات المنحطة التي يحرص عليها في غرور وصلف، مثل إلقاء القمامة في مدخل البيت او التدخين في المصعد.
البجاحة صارت قاعدة والالتزام السوي المتواضع هو الاستثناء، تلك البجاحة ما كان لها ان تنمو ونراها في شارعنا المصري إلا عندما غابت القيمة وعندما حوصرت الموهبة، البجاحة هي شكل من أشكال البلطجة التي سبق لنا الكتابة عنها، ولكن هذه المرة يقف الضحية مكتوف الأيدي عاجز عن مجاراة المتبجح، او على الأقل توقيفه عند حده.
وقبل ان نبتعد في المقال تعالوا نقرأ تعريف البجاحة في معجم اللغة العربية المعاصرة لنقرأ بأن البجاحة تعني تكبر، افتخر وتباهى في صلف وادّعاءٍ وأيضا البجاحة تعني الإجابة بصفاقة، وعدم مراعاة قواعد الأدب، والبجاحة هي الجرأة في غير موضعها وهي سوء الأدب، وسلاطة اللسان.
بعد كل هذه التعريفات والوصف نسأل، من منا لا يعاني من سلطة المتبجح، في المترو على الأرصفة في الأسواق والمتاجر، ولا اخفيكم سر، المتبجح انتشر بيننا حتى أنه وصل داخل البيوت، في كل أسرة أو عائلة سوف ترصد المتبجح البلطجي، لا ينتج شيئا ويعيش عالة على المجتهد من اسرته، وهنا تتجلى عبقرية المثل الشعبي المصري حيث يقول" يعيش البجح على قفا المكسوف".
وما أتعس المكسوف في زمننا هذا، موهوب حقيقي مدفون، مجتهد صادق خاسر، محب للجميع حاصدا للكراهية من بعض الذين فاض عليهم بعطائه، هذا الخلل لا علاج له، سيبقى ما بقيت الحياة، ربما في المجتمعات التي قطعت شوطا في التنمية المتقدمة تتضاءل تلك الصورة، بحكم العقل الجمعي الذي يقود البلاد حيث العمل هو المعيار الحاكم وحيث القانون هو الراعي الرسمي للبلاد، في مثل هكذا من البلاد يشتد عزم المكسوف فينهض من تحت ركام الخسارات إلى الأمام، كما تتطور مشاعره ويشتد ساعده وتقف العواطف على الحياد.
وفي ظني ما يمكن قوله على الأفراد يمكن قوله أيضا في معادلة العلاقات بين الدول والمثل الواضح على ذلك تلك الظواهر التي برزت مؤخرا كدولة طالبان وتبجحها ودولة داعش وغرورها بل وأمريكا ذاتها التي لا تخجل من سرقة صفقة هنا او ابتزاز هناك، لنجد في المحصلة أننا نعيش بين سوس التبجح محاصرين ظهورنا في الحائط، نتابع سير الدنيا بعيوننا ولسان قصير اما الأيادي فهي مشلولة.
لاشك أن علماء الاجتماع وعلماء النفس قد احتاروا في رصد تلك الظواهر ولا يمكن تحديد روشتة للخروج منها، الحلول الفردية لا تجدي لأن غطاء الحماية المجتمعية مثقوب، وكأنه مقصود لتبقى الدوامة يتسيد البلطجي ويموت الملتزم عفيف النفس.
هذه فضفضة أكتبها لكي نتأمل وننظر حولنا ونتخيل شكل الحياة إذا مات المتبجح وانتهى، اعتقد أن الحياة بدونهم أفضل.