لا أقول على نفسي إني شاعر ولا أكتب الشعر، ولكن أحسبني من محبيه وربما من صائغي الكلمات.. تلك الصنعة التي كسد سوقها ودائمًا ما أُردِّد كلمات الراحل عبد المنعم مدبولي في أغنيته الشهيرة: زمان.. زمان وليالي زمان، وأقول سرا وجهرا لروحي: سوق الحلاوة جبر.
أحب بعضهم من كلماتهم ولم أرهم، وأحب الشعر كيفما أراد أن يكتب ويقرأ.
وكغيري من محبي الشعر أتابع أخبار الشعراء.
منذ أيام قرأت عن مؤتمر شعر العامية واعتزمت حضوره إذ كان محددا إقامته في حزب التجمع، ثم فجأة قرأت عن إلغائه وقرأت تعليقات عن تدخل مسئول أتيليه القاهرة لإلغائه وانقسام جماعة المثقفين بين مؤيد ومعارض، ثم قرأت تعليقات تنديد ورسائل تهديد وخناقة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتخيلت هذه الخناقة كعركة كبيرة في ميدان طلعت حرب حول الكلمة يتنازع عليها طرفان هذا يجذب وهذا يكذب حتى جردوها من ملابسها ومعناها.
وأتساءل منذ متى وتنظيم المؤتمرات حكرا على أحد؟ منذ متى وجماعة المثقفين تتقاتل على نسب فكرة تنظيم لها؟.
كنت محررا لقسم الثقافة لسنوات حينما كانت هناك ثقافة وتركتها حينما سكن الأشباح الأبنية والنفوس، تركتها حينما باتت الكتب تطبع دون قيد ولا مراجعة ولا تقييم ككروت السبوع والأفراح.
تركتها بعدما رحل من رحل من الكبار وأغلق آخرون الأبواب على أنفسهم وتم تهميش القلة القليلة المبدعة.
ضاعت هيبة الثقافة كما ضاعت من قبلها هيبة الإعلام والصحافة، حكم قانون المهرجانات والفلاشة كل شيء، فلا عجب من أن نرى سبابا وتراشقا بالألفاظ وتآمرا، بِتنا نتنافس في الفشل لا في النجاح.. في العهر لا في الشعر في الصفاقة لا في الأدب.
نحن الآن نقرأ أسوأ نص كتب، ونأمل أن يكون قصة قصيرة، فقط بضعة أسطر في تاريخ الثقافة المصرية.
ليست هذه المرة الأولى التي ينضح الإناء بما أصبح فيه، لكن تصفية الحسابات في كل مكان فإذا غاب الإبداع حكمت الفتنة وتملك النقص الأشخاص والأشياء.
وأخيرا أليس هناك رجل رشيد يدرك ما وصلنا إليه؟! يدرك أن لا وطن يطير وأوابده مغلولة! يدرك أن الثقافة ليست عطايا توزع لكنها هبة وموهبة فيدفع للأمام المنفوحين لا الممحونين.
تبا لصغار ضيعوا الحرف والمعنى.. تبا لأياد أعطت الأقلام لعقول لا ترق.. تبا لمن تكلم بفيه سفيه ليحجب السمع عمن يملك مفاتيح الكلمة.