تمر اليوم الذكرى الـ199 عامًا على نجاح العالم الفرنسي جان فرنسوا شامبليون في فك رموز حجر رشيد ومعرفة أسرار اللغة المصرية القديمة "الهيروغليفية".
وفي موسوعته "مصر القديمة" استعرض الدكتور سليم حسن عددا من المحاولات في فك رموز الكتابة الهيروغليفية، موضحًا السبب الرئيسي في فشل المحاولات السابقة ونجاحها على يد شامبليون.
وقسم "حسن" الكتابة المصرية إلى ثلاثة أشكال، وهي الهيروغليفية والإغريقية والقبطية بوصفها لهجة من اللغة المصرية، قائلا: "كانت الكتابات المتداولة في البلاد على ثلاثة أشكال مختلفة إلى أواخر عهد الرومان في مصر، وهي الكتابة الهيروغليفية؛ أي الكتابة التقليدية للبلاد، ثم الكتابة الإغريقية، ثم الكتابة القبطية، وقد اختفت الكتابة الهيروغليفية في أواخر القرن الرابع الميلاد باختفاء الوثنية من البلاد، أما اللغة الإغريقية فقضي على تداولها بعد الفتح العربي مباشرة، بينما بقيت الكتابة القبطية لغة القوم في بعض أماكن في الوجه القبلي في الصلوات والعبادات والمدارس إلى أواخر القرن السابع عشر، ثم انحصرت بعد ذلك في الصلوات الدينية المحضة إلى يومنا هذا ولا يجيد معرفتها إلا نفر قليل".
ويشير "حسن" إلى دور الأب كرشر الذي حاول الوصول إلى اللغة المصرية الأم من خلال كشف أسرار القبطية، يقول "حسن": في أواسط القرن السابع عشر فهم الأب اليسوعي «كرشر» أن اللغة القبطية تحفظ في ثناياها اللغة المصرية القديمة مكتوبة بحروف يونانية، وأخذ يقوم ببحوث علمية في هذه اللغة، غير أنه لما أراد أن يرجع باللغة القبطية إلى اللغة المصرية لم يفلح قط، وقد تساءل عن اللغة المصرية هل هي حروف، أو أصوات، أو معان؟ وكيف يمكن قراءتها؟"
العلاقة بين اللغات قادت تفكير اللغويين إلى المناظرة لاستخراج اللغة الأكثر غموضًا وي الهيروغليفية، ففي أغسطس من العام ١٧٩٩ وأثناء الحفر في قلعة رشيد، عثرت الحملة الفرنسية على حجر رشيد المكتوب بثلاث لغات مختلفة أولها الكتابة الإغريقية وثانيها الهيروغليفية «الكتابة المقدسة» والديموطيقية «كتاب الشعب» وهي كتابة لنص واحد وهو أمر ملكي أصدره بطليموس الخامس.
وأوضح مؤلف "مصر القديمة" أن أول من حاول فك رموز هذا الحجر هو سلفستر دي ساسي عام ١٨٠٢، وكان عالمًا باللغة العربية، وكانت محاولته منصبة على القسم الديموطيقي ظنًّا منه لتشابه هذا الخط بالكتابة العربية الرقعة وجود علاقة بينهما. غير أن جهوده هو وأكر بلاد لم تفلح إلا في معرفة خرطوش بطليموس.
وعن محاولات "ينج" قال: منذ عام ١٨١٤ حاول الدكتور «توماس ينج» الإنجليزي أن يحل رموز هذه اللغة من النص الهيروغليفي، وقد كان يعلم من جهود من سبقه أن الأسماء الملكية مثل بطليموس، لا بُدَّ أن تكون موضوعة داخل خراطيش، وعلى ذلك رتب العلامات التي وجدت في الخرطوش كحروف تمثل لفظة بطليموس، وقد توصل فعلًا لمعرفة مجموعة الحروف التي تكوِّن اسم بطليموس، غير أنه لم يتمكن من معرفة الحروف الصوتية بالضبط التي تكوِّن هذا الاسم، ولذلك فإنه لما أراد أن يطبق الحروف الأبجدية التي استخلصها خطأ، لم يمكنه أن يصل إلى أية كلمة قبطية لها نطق مماثل.
أما شامبليون المحظوظ الذي ظل مغرمًا بالتاريخ المصري، فقد اطلع على الجهود السابقة، فالتفت إلى أسماء الأعلام الإغريقية المكتوبة بحروف أبجدية مصرية، كما اهتدى إلى "بحث موضوع اختلاف الكتابات المصرية القديمة، وبرهن أن الكتابة الهيراطيقية هي اختصار للكتابة الهيروغليفية، وعلى ذلك تكون الكتابة المصرية القديمة واحدة، غير أنها تكتب بثلاثة أشكال كاللغة العربية مثلًا، فهي تكتب بالرقعة والنسخ والثلث، وعلى ذلك لا بُدَّ أن يوجد في الكتابة الهيروغليفية كما في الديموطيقية إشارات لها قيمة صوتية وأبجدية".
وتابع "حسن"، أن عبقرية شامبليون فطنت إلى أن الكتابة التي على الآثار الفرعونية قبل العصر الإغريقي الروماني لم تكن حروفًا أبجدية محضة كما في خراطيش بطليموس وكليوباترا، ثم إنها لم تكن إشارات رمزية فحسب، كما كان يعتقد الناس من قبل، بل إنها في الواقع كانت تحتوى على إشارات رمزية أو تصويرية مثل «رع» و«تحوت» وإشارات صوتية قد تكون أحيانًا مركبة من مقطع مثل «مس» وأحيانًا من حروف أبجدية مثل حروف «س».
والحقيقة أن الخطأ الذي وقع فيه أسلاف شامبليون والذي كان هو نفسه يشاركهم فيه إلى يوم وصوله إلى هذه الحقيقة، هو الاعتقاد بأن الكتابة الهيروغليفية أحيانًا تصويرية بأجمعها أو صوتية بأجمعها، ولكن الواقع أن نظام هذه الكتابة هو نظام مركب؛ إذ إنها كتابة تصويرية ورمزية وصوتية.
وحول جهوده واكتشافاته، وعن النتيجة الباهرة التي وصل إليها أرسل شامبليون خطابا إلى «داسييه» أمين السر الدائم للمجمع العلمي الفرنسي في ٢٧ سبتمبر سنة ١٨٢٢، وفيه أعلن أنه يمكن قراءة الخراطيش الهيروغليفية.