هي أستاذه جامعية وأكاديمية مرموقة، قدمت العديد من الأسماء البارزة في المجال الأكاديمي والعلمي، وأصبح طلابها عمداء كليات ورؤساء أقسام ويحملون أيضًا لقب الأستاذية... هى "الناقدة الدكتورة نجوى عانوس"، أستاذ قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة الزقازيق، فهي أحد الأسماء الكبرى في عالم دارسة تراث المسرح المصري، قدمت للمكتبة العربية عشرات الدراسات والكتب، وأشرفت على عشرات الرسائل العلمية في هذا المجال.
واهتمت بتراث المسرح المصري منذ سبعينيات القرن الماضي فأصدرت دراستها الاولي عن الهيئة العامة للكتاب مسرح يعقوب صنوع ومنذ تلك اللحظة لم يتوقف نشاطها العلمي والأكاديمي مدافعة عن تراث مصر وتاريخ المسرح، وصدر مؤخرا لها مسرح إبراهيم رمزي، وسميتك المسرح العربي، وكتابين جديدين عن مسرح يعقوب صنوع، وهي بالإضافة لاهتمامها بالتراث المسرحي، لها عدد من الدراسات النقدية في الشعر والرواية، فكان كتابها عن فتحي غانم، وكذلك دراستها الأخير عن الشاعر جرجس شكري. وحول كتابها الأخير، ووضع النقد المسرحي والبحث العلمي في مصر كان لـ"البوابة" هذا الحوار...
■ صدر لك حديثًا كتاب "المسرح والوعي والوجود في شعر جرجس شكري".. فلماذا وقع اختيارك على أعمال الكاتب جرجس شكري؟
- في البداية.. لم أكن أتوقع أن جرجس شكري بهذا العمق وبهذه الأهمية، فقد قام بتقديم كتابات جديدة جدًا في الحداثة، فمن سمات الحداثة هي تدمير الثابت والوقوف عند المتغير، ولكن "شكري" قد قدم الحداثة على نحو متغير ويمكن ان نقول بانه قام بعمل حداثة خاصة به، فنجده أخذ الثابت وقام بتغييره وإصلاحه وليس تدميره.
ثانيًا؛ نجده أيضًا قام بعمل أشياء في منتهي الغرابة، التي ظهرت في أعماله المونودرامية، على سبيل المثال، نجد أنه تأثر بكتاب أنطونين أرتو "المسرح وقرينة"، وكتاب "مسرح القسوة"، وقام بكاتبة نوعًا جديدة من المونوداما، ويمكن أن نطلق عليها بـ"مونودراما القسوة"، حيث نجده قد أخذ من "أرتو" القسوة، واشتغل على تعريف المونوداما الغربي وهو الغربة والشعور بالاغتراب، ونجده هنا قد قام بزيادة القسوة على الاغتراب، وصنع نصوصًا جديدًا تمامًا وغريبة الشكل أيضًا.
كما قام بفعل شيء أكثر غرابة- ألا وهو- تَخيّل المونتاج بالقصائد– بمعنى- أن القصيدة لديه تتحرك وتنتقل الصورة الشعرية فيها بين السينما والرسم السريالي والمسرح، فلو قمنا بعمل مونتاج للصور الشعرية في قصائد جرجس شكري، نجد أننا أمام لوحة سريالية، تم تقطيعها إلى لقطات سينمائية، فهذا الرجل قد جمع الفنون جميعها في أعماله المسرحية، حيث هناك مزيج بين السينما والمسرح والفنون التشكيلية، والصورة الشعرية والدراما.
وهنا أحب أن أنادي بضرورة وجود أعمال إبداعية تمتاز بـ"تداخل للفنون"، فهي في الواقع متداخلة وكل فن يكمل منهما الآخر ما يعطينا أعمال إبداعية متميزة ومختلفة.
فعلي سبيل المثال؛ إذا نظرنا إلى قصائد نزار قباني، نجد أننا أمام قصص مكتملة المشاهد يمكن ان تتحول إلى سينما، وأفلام قصيرة، وهذا ما يعني أن تداخل الفنون، هو موجود بالفعل، فنجد أيضًا أن جميع أشعار صلاح عبد الصبور مليئة بالمشاهد السينمائية، لكن لم ينتبه أحد إليها، وكيف أصبحت الصورة الشعرية درامية سينمائية.
وهذا ما نجده في أعمال جرجس شكري أيضًا والتي كُونت من مجموعة من الفنون المتداخلة، والتي تحتاج إلى قارئ جيد، وناقد جيد، فأنا أعتبر أن "جرجس شكري" كاتب عبقري، سواء في أعماله المسرحية أو قصائده أو حتى المونودراما.
■ هل تري أننا في حاجة إلى إعادة قراءة أعمال جرجس شكري مرة أخرى؟
- في الواقع أننا في حاجة إلى إعادة قراءة المسرح المسرحي كله من أول وجديد، وليس جرجس شكري فقط، ولكن صلاح عبد الصبور وغيرهم من كتاب المسرح، فمن المستحيل أن نظل واقفين عند حدود التشبيه والاستعارة، ويجب قراءتهم برؤية مختلفة، وأن نبحر إلى حدود أبعد ونرى الصورة بشكل كامل.
حيث إنني أرى أن الصورة هي الإشكالية الكبرى، فقط خلقنا الله في البداية في شكل صورة فكل الأشياء بدأت في شكل صورة، وإذا نظرنا إلى التراث المسرحي، فأرى أنه لم يقرأ بعد، والإشكالية الكبرى أن الناس لا تقرأ.
■ ظهر في الفترة الأخيرة العديد من الآراء حول بدايات المسرح المصري، وتحديد تاريخ ١٩٠٥ كبداية للمسرح المسرحي، وذلك على خلاف ما نعمله جيدًا، بأن البدايات تعود إلى منتصف القرن الـ١٩؟
- في الواقع أريد أن أقول شيء هام، أولًا أنني بدأت في عمليات البحث منذ أن قمت بتأليف كتاب يعقوب صنوع منذ أكثر من ٤٠ عامًا، ولدي الكثير من الوثائق والأدلة التي تثبت أن المسرح المصري يعود إلى ما قبل عام ١٩٠٥.
فالحكاية هنا ليست نفي لبدايات المسرح المصري ولكن في حقيقة الأمر أن بدايات المسرح المصري تعود لبدايات عام ١٨٧٠ مع بدايات يعقوب صنوع باعتباره رائدًا للمسرح المصري.
وأن الدعوات التي تنادي بخلاف ذلك هي أصوات لها أغراض أخرى ليس المسرح من ضمنها –على ما أعتقد- ومنها على سبيل المثال محاولة البعض تشبيه يعقوب صنوع على أنه مجرد مهرج، من خلال وجود تشابه أو تأثر بين مجلتي أبو نظارة والتي كان يصدرها يعقوب صنوع "ومجلة "بانش" الإنجليزي وهي مجلة فكاهية، وما هي إلا محاولة لتقزيم يعقوب صنوع ودوره الريادي على اعتباره بأنه مجرد "مهرج" أو أراجوز". وهنا أحب أن أوضح شيء أهم أن المستوى النقدي أصبح متدنِيا للغاية.
■ باعتبارك أستاذة جامعية وقمت بالإشراف على العديد من الدراسات الأكاديمية والبحثة كيف ترى الواقع الأكاديمي والبحثي في مصر؟
- للأسف الشديد الوضع سيئ للغاية، فقد وصل الأمر لسرقات الرسائل العلمية، وهناك العديد من القضايا التي تنظر أمام القضاء الإداري، فأصبحت الرسائل العلمية تسرق من على الإنترنت، وفي الحقيقة أننا نعاني أزمة وجود "الأستاذ" الذي يقدم الدعم والعون الحقيقي للطلبة والباحثين، ويقومون بتوجيههم التوجيه الصحيح، ولهذا نجد أن عمليات الاقتباس أو السرقة كثيرة وكبيرة.
وأرجو من الأساتذه والأكاديميين أن يراعوا الله في أنفسهم أولًا وفي طلابهم، كما أتمنى من وزارة التعليم العالي بأن تعيد تقييم الأساتذة المتواجدين والذي يوجد منهم الكثيرون لم يقدموا الجديد من أكثر من ٣٠ عامًا.
وللأسف الشديد أن المناهج التي تقدم للطلبة أصبحت قديمة وعقيمة، فأرجو من وزارة التربية والتعليم العالي بأن تراجع أساتذة الجامعات، وان تحثهم على تقديم أبحاث علمية جديدة، ليس فقط من اجل الترقي والحصول على لقب الأستاذية وإنما أيضًا لمواكبة التطورات العلمية التي نشهدها في كافة المجالات، وأن يتم الاستغناء عن الأساتذة الذين لم يقدموا أي جديد خلال مسيرتهم الأكاديمية.