أزمة عملاق العقارات الصيني ايفرجراند تطغى على الأسواق ويمكن أن يكون لها "تأثير الدومينو"، حيث أن تخلف الشركة عن سداد ديونها الضخمة من شأنه تعطيل قطاع العقارات بالكامل في الصين وإفلاس شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة ومصانع مواد البناء وتشطيبات المنازل. وقد تمتد هذه الهزة العنيفة إلى قطاعات اقتصادية أخرى مثل تعثر العديد من البنوك والشركات المالية وغيرها من الأنشطة الصناعية والتجارية المتشابكة. وعلى الجانب الآخر فإن أزمة السيولة لدى ايفرجراند تسارع سريانها في أوصال العملاء الذين اصطفوا طوابير أمام مقراتها لاستعادة مقدمات حجوزات مدفوعة للشركة، كما أن الموظفين البالغ عددهم 123 ألف موظف يتظاهرون لتأخر صرف رواتبهم. وأدى تزايد المخاوف بشأن عدم قدرة الشركة المثقلة بالديون على دفع الفائدة على سنداتها المقومة بالدولار الأمريكي إلى إجراء مقارنات مع انهيار بنك ليمان براذرز في الولايات المتحدة قبل 13 عاما نتيجة لأزمة الرهن العقاري التي أشعلت بدورها فتيل الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وتبلغ قيمة أصول الشركة الصينية 352 مليار دولار، وتدين بأموال لنحو 128 بنكا و121 مؤسسة مالية طالتهم الأزمة وسببت صدمة للاقتصاد الصيني مرشحة أن تزيد وتستفحل إذا فشلت ايفرجراند في سداد قروضها. وقد تراجعت أسهمها المدرجة في هونج كونج عند إغلاق الجمعة الماضي بأكثر من 80٪ منذ بداية العام؛ كما تراجعت أسواق الأسهم العالمية هذا الأسبوع تأثرا بأزمة الشركة الصينية.
وتعد ايفرجراند ثاني أكبر مطور عقاري من حيث المبيعات في الصين وتعادل أعباء الديون التي وصل حجمها إلى 300 مليار دولار ما نسبته 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي للصين البالغ 14.7 تريليون دولار. وهذا أكبر حجم ديون من نوعه للشركات في العالم كما يعادل ديون عدة دول مجتمعة مثل بيرو (93.3 مليار دولار) والفلبين (97 مليار دولار) وأيسلندا (20.3 مليار دولار) وبلغاريا (46.5 مليار دولار) وبنما (31.7 مليار دولار).
وتمتلك ايفرجراند أكثر من 1300 مشروع عقاري في الصين، وفقا لموقعها على الإنترنت. وتنتشر هذه المجمعات السكنية في 280مدينة بجميع أنحاء الصين ويعيش فيها حوالي 12مليون مالك لتلك الوحدات. وتوفر الشركة نحو 3.8 مليون فرصة عمل بشكل غير مباشر سنويا، وهو ما يعادل توظيف جميع سكان مدينة لوس أنجلوس الأمريكية أو إجمالي سكان ولاية كونيتيكت.
أزمة ديون ايفرجراند لم تحدث بين ليلة وضحاها حيث بدأت تداعياتها تطفو على السطح مطلع عام 2018بعدما تخلفت الشركة عن سداد ديون تتجاوز4 مليارات دولار. ومثل كرة الثلج، بدأت الأزمة في التفاقم. وجاء عام "كورونا" ليزيد الطين بلة لدرجة أن الشركة قدمت أواخر عام 2020 تخفيضات على وحداتها السكنية تصل نسبتها إلى 30% في محاولة لجذب العملاء وزيادة السيولة. لكن مساعي الشركة في لململة الأوراق المبعثرة لم تفلح. وتواصل هبوط سهم الشركة بنسبة 90% منذ يوليو2020، وفقد السهم في الجلسات الأخيرة حوالي 20% من قيمته.
الصين من جهتها تحاول جاهدة السيطرة على الأزمة عبر ضخ 14 مليار دولار في النظام المصرفي لتوفير السيولة، وفي المقابل قامت ايفرجراند برهن بعض ممتلكاتها ومعداتها لتأمين سداد جزء من القروض.
ورغم قرع المحللين لطبول الأزمة والتلويح بامتدادها إلى خارج الصين إلا أن البعض يرى عكس ذلك ويرجح ألا تسبب أزمة ايفرجراند تداعيات مشابهة لانهيار بنك الاستثمار الأمريكي ليمان براذرز لأن الشركة الصينية تمتلك الأرض وأصولا عقارية تقدر بنحو 220 مليار دولار، بينما بنك ليمان يمتلك أصولًا مالية سرعان ما "تبخرت". وفي أسوأ السيناريوهات يمكن للحكومة المحلية التدخل بإعادة شراء الأراضي.
وإذا كانت الحكومة الأمريكية قد سمحت في نهاية المطاف بإفلاس ليمان، فإنه في حالة الصين من المتوقع أن تتحلى السلطات بالصبر وتسمح بمزيد من قروض الشركات المملوكة للدولة ومهلات أخرى عند التخلف عن السداد، وستحرص أولا على إتمام بناء الشقق المباعة مسبقًا وتسليمها إلى المشترين، ثم تتدخل لاحقًا لضمان إعادة هيكلة الديون بشكل منظم. ولاشك أن الحكومة الصينية قوية ومسيطرة على الأسواق ولديها الأدوات والحيز السياسي والإرادة لمنع تحول هذه الأزمة إلى انهيار في نظامها الاقتصادي. ولعل سجلها في التعامل مع حالات التعثر يفسر المخصصات في النظام المصرفي والتي تقدر بـ 5 أضعاف حجم الأرباح وهو ما يمكنها من امتصاص خسارة شركة عملاقة مثل إيفرجراند. وهذا درس "صيني" من الدروس التي يمكن أن يتعلمها العالم من هذه الأزمة!
olfa@aucegypt.edu