الأحد 29 سبتمبر 2021 هو يوم تحديد مسار الحياة السياسية في ألمانيا الاتحادية لسنوات قادمة.
منذ أن اعلنت المستشارة الاتحادية التي لم يبق لها في فترة ولايتها إلا ساعات قليلة ، يترقب العالم بأجمعه من سيأتي بعد ميركل المرأة القوية التي استطاعت أن تحكم دولة قوية مثل ألمانيا وتضعها في الصدارة وعلي قمة الاتحاد الأوروبي لمدة 16 عامًا متتال.
أي شخص سيرث إرث أنجيلا ميركل سيأخذ مكانها في المستقبل أيضًا في القمم الدولية. وسيتعين عليه أن يكون قادرًا على التفاوض على قدم المساواة مع رؤساء مثل جو بايدن من الولايات المتحدة، وشي جينغ بينغ من الصين، أو فلاديمير بوتين من روسيا. هذه المحادثات رفيعة المستوى على وجه الخصوص لها تأثير على ملايين المواطنين في المانيا.
من هى انجيلا ميركل ( مستشارة الأزمة ):
أطلق علي انجيلا ميركل اسم مستشارة الأزمة ولم يأتي هذا اللقب من فراغ، بل استطاعت علي مدى سنوات وسنوات تخطى أزمات كبيرة ليس فقط علي مستوى محلي، بل علي كل المستويات الدولية.
تخطت ميركل العديد من الأزمات مثل الأزمة المالية، أزمة اليورو، أزمة اللاجئين وأزمة كورونا.
كانت تقود الإتحاد الأوروبي كأقوى دولة في الإتحاد ومن خلال الدور القيادى لها في الإتحاد الأوروبي نجحت في كسب احترام وثقة جميع الأعضاء والدول في الإتحاد.
بلغت أنجيلا ميركل 67 عامًا في 17 يوليو الماضى، وتحل أنجيلا ميركل محل والدها ( الروحى ) والسياسي هيلموت كول بصفتها المستشارة الفيدرالية لأطول فترة في جمهورية ألمانيا الاتحادية، وانتهت فترة ولاية هيلموت كول في عام 1998.
تشغل أنجيلا ميركل منصب المستشارة الفيدرالية منذ 22 نوفمبر 2005، بعد أسابيع قليلة من اليوم وبعد انتهاء انتخابات البوندستاج ، ستنتهى فترة ولايتها رسميًا بعد 16 عامًا متتالية.
في نهاية أكتوبر 2018، أعلنت أنجيلا ميركل أنها لن تترشح كمرشح أعلى عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الانتخابات الفيدرالية لعام 2021.
خلال فترة توليها لمنصبها عاشت ميركل العديد من النجاحات وجعلت من المانيا سياسيًا علي المستوى المحلي والعالمى دولة قوية، وبالرغم من ذلك، كان هنآك دائمًا المعارضون لها طوال الطريق.
72 ٪ هذا هو عدد الألمان الذين يشعرون بالرضا في الفترات الأخيرة عن عمل أنجيلا ميركل علي مدار مشوارها، وبالأخص بعد مرورها بعدة أزمات في فتراتها الأخيرة مثل أزمة كورونا وقضية أفغانستان، وبالرغم من ذلك تحتل المستشارة الفيدرالية المرتبة الأولى في ترتيب السياسيين إلى حد بعيد.
كيف ستعيش انجيلا ميركل بعد انتهاء مهامها:
لا أظن أن ميركل سيكون عندها أى أزمة مالية، فبصفتها مستشارة اتحادية، تكسب حاليًا 25000 يورو شهريًا. بالإضافة إلى ذلك، يحق لها الحصول على ما يزيد قليلًا عن 10000 يورو كعضو في البوندستاج الألماني ، التي كانت عضوًا فيه لأكثر من 30 عامًا.
عندما تتوقف ميركل عن العمل، ستستمر في البداية في تلقي راتبها لمدة ثلاثة أشهر ثم نصفها كعلاوة انتقالية لمدة أقصاها 21 شهرًا.
بالنسبة للمعاش اللاحق، يتم تعويض استحقاقات التقاعد المختلفة من عملها كمستشار وعضو في البوندستاج مقابل بعضها البعض.
وتستفيد ميركل من حقيقة أنها كانت في الخدمة لفترة طويلة جدًا. حسب القانون الوزاري الاتحادي لعام 1953. والذى ينص علي أن بعد أربع سنوات على الأقل في المنصب، يحق للمستشارين الاتحاديين الحصول على 27.74 % من رواتبهم السابقة. ومع كل سنة إضافية من المنصب، يزيد الاستحقاق بنسبة 2.39 ٪ بحد أقصى 71.75 %.
نتيجة لذلك، يمكن أن تعتمد أنجيلا ميركل على معاش تقاعدي لها يبلغ حوالي 15 الف يورو شهريًا. كما يحق لها الحماية الشخصية وسيارة مع سائق حتى نهاية حياتها.
الموظفون الحكوميون السابقون ملزمون بموجب القانون بالحفاظ على السرية. ولكن حتى لو لم يُسمح لهم بالمحادثات الصحفية والإعلامية، فإنهم يتمتعون بشعبية في الاقتصاد، وهى كمستشارة وبسبب اتصالاتها السياسية الهائلة. فيمكنها العمل كمستشارة مثل اسلافها الذين سبقوها في ذلك، فأصبح هيلموت شميدت رئيس تحرير صحيفة "دي تسايت" الأسبوعية عام 1982 وكان متحدثًا شهيرًا.
كما كان المستشاران السابقان هيلموت كول وجيرهارد شرودر يعرفان أفضل بكثير من شميدت كيفية تحويل ماضيهما السياسي وشهرتهما إلى قيمة ظاهرية. بصفته مستشارًا سابقًا، أسس كول شركة للاستشارات السياسية والاستراتيجية، وحصل من خلالها على مكاسب جيدة.
تدخلت المستشارة أنجيلا ميركل في الحملة الانتخابية لحزبها. في دائرتها الانتخابية في مدينة شترالسوند، وتشارك ميركل في تجمع حاشد مع مرشح مستشار الاتحاد أرمين لاشيت، الذي يقف حاليًا خلف المرشح الأقوى أولاف شولتز المتقدم بحزبه الديمقراطي الاشتراكي في استطلاعات الرأي.
قامت المستشارة أنجيلا ميركل ومرشح المستشار أرمين لاشيت والمرشح الأعلى لانتخابات الولاية مايكل ساك بحملة للتصويت لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لصالح لاشيت، خلال حملة انتخابية في شترالسوند. حذر الثلاثي الأعلى من الأحزاب الأخرى مثل حزب الأحمر وحزب الأخضر في الحكومة الفيدرالية الحديدة.
المرشحون الثلاثة الأقوى والأقرب لخلافة ميركل:
اولاف شولتز SPD ( الحزب الاشتراكى الديمقراطى ) :
أولاف شولتز (من مواليد 14 يونيو 1958 ولد في مدينة أوسنابروك) سياسي ألماني ينتمى للحزب الاشتراكي الديمقراطي.
منذ مارس 2018 شغل منصب نائب المستشار ووزير المالية الاتحادي في جمهورية ألمانيا الاتحادية. ومرشح نفسه للحزب الاشتراكي الديمقراطي كمرشح لمنصب المستشار في الانتخابات الفيدرالية لعام 2021.
كان أولاف شولتز عضوًا في البوندستاج الألماني منذ عام 1998. وفي عام 2007 أصبح وزيرًا اتحاديًا للعمل والشؤون الاجتماعية وتولى هذا المنصب لمدة عامين.
من مارس 2011 ومارس 2018، كان أولاف شولتز أول عمدة لمدينة هانبورج. عندما تم تعيينه وزيرًا للمالية الاتحادية في مارس 2018، استقال من منصب رئيس البلدية.
و هو نائب المستشار الاتحادي رسميًا.
من أقوال شولتز في رحلته الانتخابية : أريد أن نكون قادرين على اجتياز الأزمة بشكل جيد والانطلاق إلى بداية قوية، ودفع بلدنا إلى الأمام، وحل الأسئلة الكبيرة في المستقبل. وتكون المانيا بلد اجتماعي قوي لنا جميعًا مع احترام بعضنا البعض. بضرائب عادلة ووظائف وأجور جيدة. أريد أن أتخذ خطوات شجاعة لإنقاذ المناخ. بالطبع، لا يمكننا حل كل شيء بمفردنا. لنجعل أوروبا أكثر اجتماعية وأقوى. سأقود ألمانيا إلى مستقبل جيد وسأجعل ديمقراطيتنا قوية.
علي حسب استطلاعات الرأي يحظى اولاف شولتز بالأغلبية حتى الآن بنسبة 31%، وخاصة بعد تراجع لاشيت في استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة.
أرمين لاشيت CDU ( الإتحاد الديمقراطى المسيحى ) :
مرشح مستشار الاتحاد الديمقراطي المسيحي أرمين لاشيت البالغ من العمر ستون عامًا، يترشح لمنصب المستشارية عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
يشاع أن أرمين لاشيت هو المرشح الذي يمكنه إعادة توحيد المعسكرات المختلفة بين الديمقراطيين المسيحيين.
لاشيت البالغ من العمر 59 عامًا قد حصل بالفعل على فرصة لمتابعة خطى ميركل، وليس هذا فقط بل حصل علي دعم ميركل علنيًا.
ولكن تشوه هذا كله أمام عملية الانتحال التى هوجم بها لاشيت من الصحافة والساسة الالمان بعدما اكتشف مارتن هيدنغسفيلدر، صائد الانتحال ومؤسس شركة VroniPlag، سرقة أدبية لما ذُكر في كتاب لاشيت ( الجمهورية الصاعدة )، فقد نسخ كلمة لعالم السياسة والسياسي الاتحادي هانز ماير من عام 2006 شبه كلمة بكلمة، لكنها غير مدرجة في قائمة المصادر.
ومن المعروف ان المانيا تهتم بقضية حقوق الملكية الفكرية بشكل كبير فعندما يظهر لهم ان المرشح لمستشار الاتحادية سارق للأفكار الفكرية، فهذه كانت صدمة للكثيرين ولم يبيض وجهه عندما أعترف بالخطأ وحول الموضوع للتحقيق، بل بالعكس تراجعت نسبة الاستطلاعات الخاصة به وبحزبه أيضًا بشكل كبير ومفاجئ.
مما جعله مؤخرًا تعيين فريقًا من ثمانية أشخاص لدعم الطفرة الأخيرة في الحملة الانتخابية.
قالت ميركل عنه : لاشيت هو ضمان لاقتصاد قوي ووظائف آمنة. كرئيس لوزراء ولاية نوردراين فيستفالن يناضل من أجل كل وظيفة وسيفعل ذلك كمستشار فيدرالي.
حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي هو من أقوى الأحزاب ويمكنه على الأرجح توفير المستشار، الذي يتولى عادة رئاسة الحزب أيضًا.
وعد لاشيت وحزبه الجمهور طوال رحلته الانتخابية بالعمل علي عدة قضايا هامة، من بينها البنية التحتية الصعبة في ألمانيا، والضعف في مجال الرقمنة، والطموحات المنخفضة للغاية في بعض الأحيان عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ.
نظرًا لأن لاشيت بصفته رئيسًا لوزراء شمال الراين - وستفاليا، القلب (السابق) للصناعات الثقيلة الألمانية، يُنظر إلى سجل سياسة المناخ في لاشيت على الأقل على أنه غامض. فمن ناحية، غالبًا ما قدم نفسه على أنه وسيط معتدل للمصالح في المناقشات العامة وأشار إلى الدور الحاسم لدولته الفيدرالية، والتي ستتحمل جزءًا كبيرًا من العبء من التخلص التدريجي المبكر من الفحم. من ناحية أخرى، أثارت صفقة خروج الفحم الكثير من الانتقادات لموقفه السخي تجاه مدفوعات التعويضات لأصحاب محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم. ولذلك تشكك الكثيرون بأنه سيهتم بقضية المناخ علي الإطلاق.
ولكل هذا تراجعت نسبة نجاح لاشيت في استطلاعات الرأى حتى وصلت الي 11%
فهل ستنجح ميركل بدعمها له وينجح لاشيت اليوم ؟
أنالينا بيربوك مرشحة عن حزب الخضر Grün:
يعمل حزب الخضر بثقة في حملته للانتخابات الفيدرالية حاليًا 2021 ويدخلون السباق مع أنالينا بيربوك كمرشحة للمستشارة.
هذه هي المرة الأولى في تاريخ حزب الخضر التي يقرر فيها الحزب الترشح لمنصب المستشار في انتخابات فيدرالية. والسبب في ذلك هو أرقام استطلاعات الرأي العالية باستمرار للحزب منذ عام 2018. يمكن للخضر حاليًا توقع 14 إلى 18 ٪ من الأصوات. مع الترشح لمنصب المستشار، أظهر حزب الخضر أنهم يزعمون أنهم أقوى حزب في الحكومة الفيدرالية.
كانت الحملة الانتخابية لحزب الخضر حتى الآن مليئة بالمطبات. فمن ناحية، كان على الحزب أن يتعامل مع جمعية الدولة المنقسمة في ولاية سارلاند الألمانية، التي استُبعدت قائمة ولايتها في نهاية المطاف من الانتخابات الفيدرالية في عام 2021.
عندما أصبحت أنالينا بيربوك صاحبة الاربعون عامًا رئيسة اتحادية لحزب الخضر في أوائل عام 2018، لم تكن معروفة لأي شخص خارج الحزب. وأصبحت بيربوك في دائرة الضوء بشكل متزايد. خاصة بعد أن اختارها مجلس إدارة حزب الخضر كمرشحة لمنصب المستشار في 19 أبريل 2021.
حسب استطلاعات الرأى لا تحظي بيربوك بالعديد من الأصوات وهذا لتعرضها طوال الوقت للنقد الشديد من المثيرين لعدم خبرتها السياسية حتى الآن وعدم توليها قبل ذلك اى من المناصب السياسية المهمة لكى تستطيع أن تتحمل اعباء هذا المنصب وتكون خليفة لامراة قوية سياسيًا مثل ميركل.
العديد من القضايا مازالت مفتوحة ويجب العمل عليها منذ اليوم الأول من عمل المستشار الاتحادى المنتخب مثل:
قضية أفغانستان :
رافقت أزمة أفغانستان المستشارة ميركل طوال فترة
ولايتها، ودفعت بها إلى أقصى حدوده.
ميركل المعروفة باسم ( مستشارة الأزمة ). ومع ذلك، فإن الأزمة الأفغانية دفعت بميركل إلى أقصى حدود أزمتها.
هدمت قضية أفغانستان جزء من أسطورة ميركل التي بُنيت خلال ١٦ عامًا، وذلك بعدم تقديرها السليم للموقف في افغانستان.
في الأيام الأخيرة لمنصب المستشارة ميركل، أصبح من الواضح أن الحرب في أفغانستان لم تكن في الواقع حربها خلال 16 عامًا وتحت مسؤوليتها، فهى حرب خسرتها في النهاية.
تفتخر ألمانيا حتى الآن بسياستها الخارجية القائمة على القيم. لذا فإن الحكومة الفيدرالية تربط الشروط بالتعاون مع طالبان، ولن تتنازل المانيا عن شروطها وعلي طالبان قبول التنازل لمصالحهم السياسية والاقتصادية من المانيا.
قضية المسلمين في المانيا:
مقولة "الإسلام جزء من ألمانيا" التي أطلقها الرئيس الأسبق كريستيان فولف في ذكرى عيد الوحدة في اكتوبر 2010، كمؤشر على تحول في نظرة المجتمع الألماني للمسلمين واعترافه بدورهم واندماجهم، على الأقل على مستوى نظرة الإعلام وتصورات فئات من المجتمع الألماني.
وجاءت ميركل وأكدت المقولة بقولها: الإسلام ينتمي إلى ألمانيا
أكدت ميركل مرارًا وتكرارًا التعايش السلمي بين الأديان المختلفة في ألمانيا. وشددت على أن الإسلام ينتمي إلى ألمانيا.
احترمت المستشارة الألمانية ميركل طوال فترة عملها الأديان الأخرى ومن بينهم الإسلام.
يعيش الآن علي أرض المانيا حوالي 6،5 مليون مسلم أى حوالي 6،7 % من السكان.
وهو تحدى آخر للمستشار المنتخب القادم، هل سيحترم الأديان أجمع ويسير علي خطى سلفه أم لا ؟
وهذا التخوف كان سائدًا هذه الفترة من المسلمين في المانيا بعد ترشح حزب AFD للانتخابات البرلمانية والذى معروف عن الحزب كراهيته المفرطة للمسلمين والاجانب علي حد سواء.
أزمة كورونا:
أزمة كورونا العالمية التي أطالت العالم بأكمله، كانت مسمار في نعش ميركل علي الأخص، يرى البعض القليل أن ميركل استطاعت التعامل مع الأزمة في البلاد وتخطت المراحل الصعبة بها، ولكن الكثيرون يرون العكس تمامًا.
شهدت المانيا العديد من المظاهرات الحاشدة في جميع انحاء البلاد ضد الإجراءات الاحترازية التي وضعتها ميركل منذ بداية الأزمة، تعرضت فيها للعديد من النقد اللاذع سواء من المواطنين او الصحفيين في كل مكان، وكانت بمثابة ورقة حمراء تضغط علي المستشارة الاتحادية للتنحي من عرشها.
وعندما قررت عدم الترشح مرة أخرى كانت صدمة استطلاع الرأي التي جاءت بأكثر من 44% يؤيدون عدم ترشحها في الحياة السياسية مرة أخرى.
واليوم مساءًا سيطل علي المانيا صاحب او صاحبة التحدى الجديد والذى كما سيرث الكلمة والقوة ليست فقط داخل المانيا بل في العديد من الدول وخاصة الإتحاد الأوروبي، سيرث أيضًا قضايا ومشاكل شائكة تنتظره، وينتظره ترقب حاد من المعارضين والمؤيدين كيف سيتعامل مع هذا الإرث..
وبين هذا وذاك يفصلنا بيننا وبين الإعلان عن المستشار الاتحادى الجديد ( وارث ميركل ) بضعة ساعات..