الأحد 29 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

للمبهجين في بلدي تعظيم سلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا شيء يكشف عن الجوهر الحقيقي للإنسان سوى أفعاله. ولا تتجلي الأفعال سوى في الشدائد، وما من شدة مرت علينا جميعا بل على الكوكب بأسره أكبر من محنة كورونا. 

هذا الوباء اللعين الذي حصد أرواحا لا حصر لها، فأذاق الأطفال مرارة اليتم، والزوجات كأس الترمل  والأمهات والآباء انكسار الروح بفقد أبنائهم وبناتهم. لم تسلم أسرة واحدة من خيانته وتوحشه وكنت أنا في أسرتنا فريسته التي داومت على تنفيذ الإجراءات الاحترازية منذ ظهوره لكنني لم أسلم. كان مراوغا لدرجة خالفت كل التوقعات في أعراضه وفي تحاليل الدم ولم تظهره سوى الأشعة المقطعية التي أنصح كل من يصيبه دور برد- حتى لو عادي- بعمل أشعة مقطعية لأنها الدليل القاطع المانع لإصابة الرئة. أعرف أنها مكلفة بعض الشيء لكن إنقاذ حياتنا وحياة أحبائنا يستحق التضحية. نجوت بفضل الله ومنته في اجتياز عتبة الموت والعناية المركزة وعدت إلى بيتي شرط أن أظل على الأكسجين لمدة شهر كامل أستخدم يوميا أكثر كم  أنبوبتين كاملتين، انتهت المحنة وظلت تبعات كورنا تناوشني حتى الآن. منذ خروجي من المستشفى وأنا مدينة بالشكر والإشادة بجهود من ساندوني معنويا وبذلوا جهدا لإنقاذ حياتي وحيوات كثيرة غيري أذكر من أعرفهم بأسمائهم لأنهم نماذج تحتذى ومن لا أعرفهم فليجازيهم الله عني وعن كل حياة أسهموا في إنقاذها خير الجزاء. على المستوى المعنوي أذكر وبفخر إيمان شلبي زميلتي الموجة بالتربية والتعليم،  المنصورية الأصيلة و( بنت البلد) التي لا تخونها شهامتها أبدا في الأزمات. مهاتفاتها اليومية ودعواتها الدافئة ومحبتها التي تجلت في قلقها اليومي  الذي تترجمه في نصائح بصوت يرجوك أن تنفذها كيلا تقع في براثن هذا الوحش وبعد إصابتي وعودتي للمنزل كانت تجتهد أن توفر لي مولد أكسجين ولو بتأجيره  ناهيك عن المقاطع الفكاهية والساخرة التي ترسلها كل يوم لأبتسم وتنصحني بالتصدي للفيروس بارتفاع المعنويات والرغبة في الحياة إلى جوار الأدوية.-لا أنساها لها أبدا- كما قالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها حينما دخلت عليها امرأة من الأنصار في حادثة الإفك وبكت معها دون أن تنطق بكلمة، فقالت السيدة عائشة: لا أنساها لها. أذكر محمد سامي ابن بلدي الطيب الذي كان يطمئن علي  أثناء وجودي بالمستشفى ويحضر لى جميع متطلباتي دونما ملل، حتى بعد خروجي منها، في رحلة توفير الأكسجين الذي استمر استخدامي له دونما انقطاع لمدة شهر كما قلت سابقا. أذكر أيضا أ. سيد عبد المقصود جهوده معي في متابعة التحاليل دونما انتظار لتكاليفها بل وتخفيض الأسعار ونصائحه - لي ولغيري في الأزمة - وإرسال مساعدات المعمل الجميلات البطلات لأخذ العينات دونما مقابل. أشكر صنيعهن بكل تأكيد. أذكر مشكلة توفير الأكسجين المنزلي، التي لم أشعر بها منذ خروجي من المستشفى فقد كانت الأنابيب تصلني من كتيبة الإنقاذ التي أخذت على عاتقها توفير وتوزيع أنابيب الأكسجين على جميع مرضى كورنا في بلدتنا كعمل  أهلى تطوعي أسأل الله أن يجازيهم عنا خير الجزاء. كل ما عليك فقط هو أن تتصل بهم وتترك اسمك وعدد ما تحتاجه كل يوم من أنابيب  تحفظ عليك حياتك. فتصلك الأنابيب حتى باب بيتك أو مكان عزلك. ليس هذا فحسب وإنما أجهزة قياس الأكسجين في الدم التي لا تتوافر عند الكثير من المرضى. حري بي هنا أن أذكر أن عملهم يكمل عمل الأطباء وأطقم التمريض بل أهم في رأيي لأن خدمة مابعد الخروج من المستشفى لمن يحتاجون الأكسجين قد تطيح بكل ما بذله الأطباء من جهد. إن لم يتوفر الأكسجين فسيحصدنا الموت فيمن يحصدهم. لهؤلاء الطيبين الذين لا يعرفونني شخصيا ولا أعرفهم شكر كبير، لهم ولأمثالهم  ممن يتجلى معدنهم في الشدائد. أعرف أن بكل قرية منذ بداية الوباء جهودا تبذل في تكاتف أهلي مجتمعي، وأنه كما يقولون- واجبا- وأنه شهامتهم ليست بغريبة عليهم   فهم أبناء وأحفاد من كانوا يهبون لإطفاء الحرائق التي تشتعل في قش الخبيز على الأسطح الطينية قديما ويهرعون لإنقاذ من تهدمت عليهم بيوتهم في الشتاءات القاسية المطيرة. لكل هؤلاء وأمثالهم من المبهجين والسند في أوقات المحنة تعظيم سلام.