استطاع بطرس بطرس غالي أن يستمد شهرة واسعة في فرنسا من عمله الجامعي والصحفي حتى قبل أن يصبح دبلوماسيا مرموقا ذلك أن الرجل المنتمي إلى عائلة قبطية فرانكوفونية عريقة ليس فقط في اللغة وإنما في الهوى والميل والذوق.
كانت اللغة الفرنسية وطنا ثانيا للرجل الذي سيصبح أمينا عاما للأمم المتحدة ثم - وهو الأهم من وجهة نظره ونظرنا - أول رئيس لمنظمة الفرانكوفونية. وعندها أصبح بطرس غالي أغلى عند الفرنسيين- والرئيس جاك شيراك على وجه الخصوص- من أي شيء آخر بل رمز لتحدي الإرادة الفرنسية ضد الإرادة الأمريكية التي سعت لمنع ترشيحه لولاية ثانية على رأس الأمم المتحدة. وكأن فرنسا أودعت في أيدي هذا المصري المخضرم إرث لغتها و«برستيجها» السياسي تماما كما فعلت مصر عندما أودعت فيه روحها الأفريقية ورمزا من رموز التسامح فيها.
كان عند أي مقال أكتبه عنه أو حوار أجريه معه يطلب مراجعته حرفًا حرفًا قائلًا: «لا ينبغي أن تمنح للتافهين حرفا يخبئون فيه أسلحة نواياهم الشريرة ضدك، وكان عند أي نشر كتاب لي يحضر حفل إطلاقه وهو حضور كله (برستيج) لك حيث يجر إليك نجوم الصحافة والسياسة في المجتمع الباريسي».
كان يسكن بشارع سان دومينيك على مقربة من الجمعية الوطنية الفرنسية وكان المقهي الشهير المجاور «لو بوربون» هو مكان عزوماته ولقاءاته بالمصريين وغيرهم من كبار رجال الصحافة والسياسة العرب.
لم أمش معه أبدا في شوارع باريس قط فقط المسافة بين بيته ومقهى لوبوربون وهي بالكاد خمس دقائق ولكنها كانت من المتعة والثراء حتى أنها أصبحت بطول الزمان وعرض المكان. كانه في كل خطوة يحكي سرًا سياسيًا مع السادات أو مبارك أو موقف هزلي مع وزير خارجية دولة ما أو أديب ما. كل ذلك في إطار من النكتة مهما كانت درامية الموضوع.
كان لبطرس غالي تلاميذ في الدبلوماسية وحواريين في الفكر الليبرالي وأحباب في الثقافة الفرنسية أظن أنني كنت منهم.
كان يرى أن حياة مصر تعتمد على جذورها الأفريقية وكانت الفرنسية سلاحه في ربط مصر بعمقها الأفريقي وكان ذلك بالنسبة لي درسا كبيرا في استخدام الثقافة كسلاح في السياسة.
تحية لذكري بطرس غالى وأطال الله في عمر زوجته ليا.