قال أحمد أبو علي، باحث اقتصادي، علي مدار الأيام الماضية لم يكن هناك حديث سوى عن أزمة إيفرجراند عملاق التطوير العقاري الصيني، واحتمالية انهيار تلك الشركة، فمنذ أيام قليلة كان نشاط الشركة يسير بشكل متسارع للغاية، مما جعلها تنل ثقة العديد من المهتمين بالاستثمار في القطاع العقاري داخل الصين وخارجها، بالإضافة إلي النمو المتسارع في إيرادات الشركة ومشروعاتها، وهو ما أكدته أرقام أدائها المالي حتى 2018، حيث كانت تتزايد بمعدل تضاعف بلغ 6.5 مرة مقارنة بسعر سهمها في بداية الطرح في نوفمبر 2009، لكن بداية من 2018 بدأت تنخفض وتيرة المبيعات والإيرادات التشغيلية بالتزامن مع ارتفاع مصروفات الديون التي جاءت من قروض تم التوقيع عليها في فترة توسع أنشطتها بإغراء من التوسعات الكبيرة وأحجام الأعمال والإقبال على منتجات الشركة، وهو ما يعتبر من الأسباب الظاهرية للمشكلة.
وأشار إلى أن هناك عدة أسباب ساهمت في حدوث أزمة إيفرجراند أولها وهو سبب قصير الأجل حدث عندما تدخلت الجهات الحكومية الصينية بتنظيم السوق العقاري في عام 2017، حيث قامت بوضع اشتراطات قد تبدو صعبة في لوائح البناء والتملك في العقارات والإسكان، وذلك بهدف تهدئة النشاط العقاري واتخاذ إجراءات احترازية استشارية لاحتواء أي أزمة عقارية من المحتمل حدوثها وكذلك السيطرة علي ارتفاع الأسعار بالسوق العقاري الصيني بأي طريقة قبل أن تنفجر الفقاعة.
وأضاف أبو علي، بالفعل نجحت عملية التهدئة وفي المقابل يوجد سبب طويل الأجل، وهو أن سياسة الطفل الواحد ساهمت في زيادة نسبة كبار السن على حساب الشباب وهو ما تسبب في انخفاض معدلات نمو قطاع الإسكان، وهو ما اضطر الحكومة الصينية إلى إنهاء العمل بهذه السياسة تباعاً في 2015 و2019 والسماح بأكثر من طفل وتيسير اللوائح المتعلقة بتكوين أسرة من طفلين وحتى ثلاثة أطفال في نقلة نوعية كبيرة بين السياسات التقييدية والأخرى الانفتاحية فيما يتعلق بالزيادة السكانية.
وأوضح انه في أعقاب ذلك حدثت أول عملية تخلف عن السداد لإيفرجراند منتصف 2018 لمدفوعات دين بلغت 4.2 مليار دولار، وبدأت شركات التصنيف الائتماني في التركيز على أداء إيفرجراند، والتي بفعل تغيرات أدائها المالي لفتت انتباه العاملين في قطاع التصنيف الائتماني، وبدأت شركات التصنيف الائتماني تخفيض تصنيف إيفرجراند مرة تلو الأخرى، فكلما أصبحت المخاطرة أعلى ارتفعت الفائدة، واحتمالية حدوث خسائر تكون أكبر في حالة كانت القروض بفائدة متغيرة أو احتياج الشركة لسيولة بنكية طوال الوقت، فترتفع الفائدة وأعباء الدين بشكل مركب متضاعف وتضغط على الإيرادات، وفي أواخر 2020 قامت إيفرجراند بتقديم عروض بيعية مغرية وجذابة للعملاء وصلت إلى 30% تخفيضاً على وحداتها وعقاراتها لتنشيط البيع مرة أخرى، ولكن ظهور جائحة كورونا جعلت الأمور أكثر تعقيداً، وقللت من الفائدة الربحية المقدمة من خلال العروض البيعية في ذلك الوقت، ولم تأت بالمعدلات المرجوة على الأرباح نهاية 2020 التي كانت أقل من 2019 و2018 بمسافة كبيرة.
وأكد أبو علي، أن خطورة المشكلة تكمن في أن إيفرجراند مرتبطة بحوالي 128 بنكاً و121 مؤسسة مالية غير مصرفية، وهو ما جعل المركزي الصيني صرح في تقريره للاستقرار المالي عام 2018 أن إيفرجراند قد تشكل مصدر خطر على كل النظام المصرفي والمالي الصيني، ومنذ العام الماضي تحديداً بدأت من عملاء الشركة في المطالبة بتسلم وحداتهم المتأخرة، حيث أن حوالي 1.5 مليون عميل للشركة ينتظر تسلم وحدته السكنية ويكتم أنفاسه على وقع أخبار التعثر والاضطرابات المالية التي يسمعها في وسائل الإعلام مع صعوبات تواجه آلاف العملاء في سحب أموالهم واسترداد مقدم الحجز الذي يبلغ في المتوسط 30% من إجمالي ثمن الوحدة والأسوأ من ذلك هو التوقعات بموجة انخفاض لأسعار السوق العقاري على وقع أزمة "إيفرجراند" وهو ما اضطر كثيراً من عملائها للتفكير في التخلص من الوحدات اليوم قبل غد، ومن ناحية أخرى يتظاهر أيضاً موظفو الشركة نظراً لتأخر صرف رواتبهم بسبب أزمة السيولة لدى إدارة الشركة التي توظف أكثر من 123 ألف موظف ومرتبطة بتعاقدات مع آلاف الشركات والموردين، بالتزامن مع تشديد السلطات الصينية لإجراءات الاقتراض الخاصة بالشركة مع أي بنك داخل البلاد لمحاولة السيطرة على الأزمة والتوقف عن علاج الديون السيئة بديون أكثر سوءا.
ونوه إلي أنه تأتي مرحلة وضع سيناريوهات للتخارج من الأزمه، حيث قامت الشركة بتوجيه نداء استغاثة للحكومة الصينية، وبالفعل بدأت السلطات في التفاعل مع هذا النداء والتعامل مع الأزمة وفي نفس الوقت عينت إيفرجراند عدداً من الشركات الاستشارية المالية، وتميل أغلب السيناريوهات نحو إطلاق السلطات الصينية لحزمة إنقاذ ضخمة لتعويم الشركة ومنعها من الغرق لكي لا تسحب معها كامل القطاع العقاري والمصرفي الصيني للانهيار، لذا فإنه ليس أما إيفرجراند سوى إحدى السيناريوهين التاليين أولاً أكبر من أن تفشل، ثانياً الحكومة لن تترك كرة الثلج تنمو وتتضخم، والمقصود بكرة الثلج هي "إيفرجراند" التي ستجرف معها القطاع العقاري والمصرفي حال انهيارها، لكن هناك منهج آخر يلوح في الأفق وهو أن الحكومة الصينية ستتبع مساراً يمكن أن نطلق عليه "انهيار المباني" على أنها طريقة تفجير المباني المطلوب إزالتها دون أن تتضرر الأبنية المجاورة لها، وهي طريقة هندسية دقيقة لوضع المتفجرات في زوايا ونقاط معينة في المبنى لدفعة للسقوط دون التسبب بضرر للمنطقة بأكملها، لكن التشبيه المقصود هنا أن تقوم الحكومة الصينية بعملية جراحية للتخلص من "إيفرجراند" دون التسبب في ضرر بالقطاعات المرتبطة والتي تتغذى عليها في البنوك والعقارات والتوريدات العمومية، ولكن حتي الآن لا يمكن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل القريب وما ستكون عليه السياسة الحكومية المتبعة في مسألة "إيفرجراند" المعقدة، لكن بكين لن تقف متفرجة والمشهد يزداد تعقيداً وربما قتامة كل يوم.