رغم الأضرار العديدة التي استشعرناها من وسائل التواصل الاجتماعي، وما تحدثه من تفسخ اجتماعي وفوضى وتضليل فى الكثير من الأحيان، إلا أنها فى أحيان أخرى تمثل نافذة تنير العقول وتثريها، فتأخذنا في عوالم شخصيات ملهمة وقيمة، وتطلعنا على أفكارهم البراقة ومعلوماتهم وتحليلاتهم التى تعمق المعرفة وتنمي الوعي.
ورغم أننى لست من المداومين على تصفح الفيسبوك، إلا أننى أتابع بشكل خاص صفحات بعض الأساتذة والمفكرين الأجلاء الذين أستمتع بمعلوماتهم وآرائهم وتشخيصهم لما نعيشه، أحد أهم هؤلاء هو أ.د/عاطف معتمد أستاذ الجغرافيا بكلية الآداب جامعة القاهرة، والذى تعد صفحته بمثابة نشرة ثقافية أدبية ممتعة، فيعرض المعلومات المعقدة ببساطة وأسلوب شيق، ويقدم قراءاته وخبراته المستفيضة لمتابعيه بسلاسة وإمتاع.. وضمن تحليلاته للأحداث الجارية التى استوقفتنى، لخص ما يحدث فى أفغانستان تحت عنوان "اللعبة الكبرى فى أفغانستان"، وتضمنت الآتي:
”لا تخطئ عين أي طالب للعلوم السياسية والجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك أن مصطلح "اللعبة الكبرى" ظهر في أدبيات عالم الاستعمار قبل أكثر من 100 سنة حين كانت الإمبراطورية البريطانية تتصارع مع الإمبراطورية الروسية على أفغانستان ووسط آسيا وإيران. لم تكن الولايات المتحدة قد ظهرت للمسرح السياسي بعد، ولن يحدث ذلك إلا بعد الحرب العالمية الثانية. من المؤسف أن الترجمة العربية لمصطلح The Great Game الذي ظهر في نهاية القرن 19 جاءت لتعني مفهوم اللعب واللهو بينما المقصود هو الصراع والتنافس العسكري الدموي المدمر. ومنذ ذلك الزمن وإلى اليوم تنوعت مصطلحات الصراع ودخلت لغتنا العربية بذات الدلالة فعرفنا بعد "اللعبة الكبرى" مصطلحات مشابهة من بينها مثلا العنوان الذي حمله الكتاب الشهير "رقعة الشطرنج الكبرى The Grand Chessboard" الذي كان يرسم نبوءات لتطور الصراع السوفيتي-الأمريكي في نهاية تسعينيات القرن العشرين وجاء انهيار الاتحاد السوفيتي ليثبت إفلاس أطروحاته.. كنا نعيب على الترجمة العربية لمصطلحات " اللعبة الكبرى" أو "لعبة الأمم" ونقول إن ما يجرى صراع وتنافس واستعمار واحتلال وليس لعبا بالأمم بالمعنى الحرفي للكلمة.. ما يحدث في أفغانستان اليوم في 2021 من تفجير في مطار كابول الذي تجري فيه عملية إجلاء للمواطنين يكمل الصورة المغرضة التي يجرى نقلها لنا على مدار عشرة أيام، والتي تكرس في أعيننا ثلاثة مشاهد:(أن أفغانستان وطن بحجم الجحيم يفر منه الأبرياء، أن الولايات المتحدة وحلفاؤها ليسوا إلا رعاة للإنسانية ينقذون النساء والأطفال والمستضعفين والأبرياء من هذا الجحيم، أن أفغانستان لا يمكن إلا أن يكون وطنا يتكرس فيه الشقاق والانفصال والتشرذم. وأن الاحتلال الأنجلو أمريكي الذي دام 20 عاما كان له ما يبرره وسط هؤلاء المتخاصمين المتناحرين).. لكن خبرا صغيرا يكشف هذه المسخرة. الخبر يقول إن مواطنا أفغانيا كان من المقرر له أن يحصل على لجوء إلى كوريا الجنوبية من بين الذين تم إجلائهم من كابول. وبعد وصول طائرة الإجلاء إلى العاصمة الباكستانية قبل نقلهم إلى سول في كوريا الجنوبية رفض الجانب الكوري مرور أحد الأفغان لأنه ليس مسجلا على القائمة "النظيفة" التي تشير إلى أحقيته بالخروج من أفغانستان مع من سمحت لهم الولايات المتحدة بذلك، وبالتالي تقرر إعادة ذلك المواطن إلى كابول على أول طائرة للعودة.. هذا الخبر يكشف أن ما يجري في أفغانستان تجاوز حتى المفهوم البائس للترجمة العربية لكلمة "لعبة"ووصل إلى تلاعب بالأمم وتدمير للشعوب في مسلسل مستمر منذ نهاية القرن التاسع عشر، في سلسلة من الاستعمار القديم والحديث بكل أشكال”.. وقد نشر د/عاطف صورة لأحد الجنود الأمريكيين يسقي طفلا أفغانيا شربة ماء في مطار كابول قبل الإجلاء، وقبل يوم أو يومين من وقوع الانفجار الذي أودى بحياة العشرات وجرح المئات. وعلق عليها قائلا: ”الصورة تبين الرحمة والشفقة التي يتحلى بها الغزاة تجاه المواطنين الأبرياء، وهي صورة في منتهى السذاجة تخدع ملايين السذج حول العالم ممن يتابعون فصلا جديدا من فصول "اللعبة الكبرى" في أفغانستان.. أدعو القراء لمتابعة صفحة دكتور/عاطف معتمد الثرية والممتعة، وأتمنى من معدى البرامج التليفزيونية الاستعانة به وبغيره من كبار مفكرينا وعلمائنا حتى تعم المعرفة، ويكون الإعلام قد قام بدوره الحقيقى فى إنارة العقول ونشر الوعى، بدلا من استنزاف الوقت فى الموضوعات التافهة التى تدفع لمزيد من التغييب والجهل!