تناولت دورية "ذا دبلومات" المتخصصة في الشئون الآسيوية، إعلان أستراليا تخليها عن برنامجها البالغ 90 مليار دولار أسترالي لشراء غواصات تعمل بالطاقة التقليدية من فرنسا لتحل محل قواربها القديمة من فئة كولينز، وتعاونها مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لتطوير غواصات تعمل بالطاقة النووية كجزء أول من اتفاقية دفاع ثلاثية ضخمة، أُعلن عنها خلال مكالمة فيديو مشتركة بين رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الأمريكي جو بايدن.
وأشارت "ذا دبلومات" أنه رغم أن إعلان أستراليا عزمها بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية بمساعدة أمريكية وبريطانية سيستغرق سنوات لتحقيق مكاسب عسكرية، إلا أنه من المتوقع أن تبدأ كانبرا في استشعار التأثيرات الاستراتيجية على الفور.
إلا أنه قبل المضي في تفاصيل هذه الترتيبات، لا يزال يتعين تحديد تفاصيلها إلى حد كبير، حيث إن اختيار أستراليا تحويل أسطولها من الغواصات إلى غواصات نووية، بجانب حقيقة أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تشاركانها بحماس في ذلك، يُعد تطورًا هائلًا على الصعيدين التكنولوجي والاستراتيجي.
وبعد مرور نحو ستة وستين عامًا على عمل الغواصة الأمريكية (يو أس أس نوتيلوس) كأول غواصة تُبحر باستخدام قوة الذرة، تظل الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية سلعة نادرة حتى أنها أكثر ندرة من الأسلحة النووية.
وتُشَغل الدول الخمس الأصلية التي تمتلك أسلحة نووية، وهي الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، غواصات نووية، بما يشمل تلك المصممة لحمل صواريخ باليستية ذات رؤوس نووية. ورغم الجهود الفاشلة للعديد من الدول خلال السنوات الماضية، إلا أن الهند هي الوحيدة التي انضمت بنجاح إلى هذه المجموعة، بغواصة روسية واحدة مستأجرة وأخرى مبنية محليًا، وتسعى البرازيل حاليًا لبناء غواصة تعمل بالطاقة النووية، بمساعدة فرنسية، على الرغم من أنه من المحتمل أن تمر سنوات على دخولها الخدمة.
وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت أستراليا ستشتري تصميمًا جاهزًا من الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، حيث لا يوجد سوى فئتين يمكن اعتبارهما متنافسين حقيقيين، وهما فئة فرجينيا الأمريكية أو فئة أستوت البريطانية، أم أنها ستطور فئة خاصة بها، بالشراكة مع شركات بناء السفن الأمريكية والبريطانية.
وفي حين أن الخيار الأول هو الأكثر بساطة، إلا أنه سيتطلب على الأرجح منافسة مثيرة للخلاف بين الأمريكيين والبريطانيين، بما قد يضيف سنوات أخرى إلى العملية التي هي بالفعل طويلة ومعقدة.
وفي كلتا الحالتين، تعتزم حكومة موريسون بناء المركبات الجديدة في أديلايد، وهو ما يُعد تغييرًا كبيرًا عن الخطة الأسترالية السابقة لشراء بدائل تعمل بالطاقة التقليدية من تصميم نووي فرنسي.
وتتمتع الغواصات التقليدية، التي تعمل عمومًا بمزيج من محركات الديزل والمحركات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات والتصميمات الأحدث التي تستخدم خلايا وقود الهيدروجين، ببعض المزايا على القوارب النووية، إذ أنها تكون أرخص تكلفة وأقل تعقيدًا، وذلك بغض النظر عن التكلفة الهائلة للصفقة الفرنسية الأسترالية المتروكة حاليًا.
ونظرًا لأن آلية تلك الغواصات تكون أصغر حجمًا، يسمح ذلك بتصميمات أكثر إحكامًا قادرة على الاختباء في المياه الضحلة والمناطق الجغرافية المعقدة تحت سطح البحر، حيث قد تكون الغواصات النووية الكبيرة أكثر تقييدًا. وكما أظهرت التدريبات البحرية على مر السنين، فإن الغواصات التقليدية تعتبر مفترسات قاتلة قادرة تمامًا على التسلل إلى مجموعة حاملة مقاتلة ووضع بارجتها الرئيسية في مرمى التصويب.
إلا أن هناك سبب لتحول القوات البحرية الفرنسية والبريطانية والأمريكية إلى أسطول غواصات يعمل بكامل طاقته بالقوة النووية، إذ يمنح الدفع النووي الغواصات نطاقًا غير محدود بشكل فعال بجانب القدرة على العمل تحت الماء دون الصعود إلى السطح لإعادة شحن البطاريات، وهو ما يوفر مزايا تكتيكية واستراتيجية كبيرة، لاسيما بالنسبة لدولة جزيرة بها مساحات شاسعة من المحيط من جميع الجوانب مثل أستراليا.
كما يسمح الدفع النووي بتصميمات أكبر وأكثر مرونة، حيث يمكن للغواصة الهجومية الحديثة التي تعمل بالطاقة النووية أن تحمل طوربيدات وصواريخ كروز للهجوم الأرضي، كما يمكنها حمل أفراد القوات الخاصة وحتى الطائرات بدون طيار كل ذلك في نفس الوقت، مما يسمح لها بالقيام بأنواع عديدة من المهام عند الطلب دون الحاجة إلى العودة للقاعدة وإعادة التكوين أولًا.
إلا أنه لا شيء يأتي بثمن بخس، إذ أن تطوير البنية التحتية الأساسية لتوليد الوقود النووي بأمان؛ وتصميم القوارب وبنائها وصيانتها وتزويدها بالوقود؛ ثم التخلص من الوقود المستهلك بأمان، سيستغرق عقودًا من الزمن ومليارات الدولارات.
ولا يخفى على أحد أن العامل الدافع وراء كل ذلك هو الصين، التي ينمو أسطولها البحري بسرعة أكبر بكثير من البحرية الأمريكية، حتى لو كانت بعض قدراتها المتطورة لا تزال غير ناضجة أو غير ثابتة. غير أن تطوير أسطول طويل المدى وعالي التحمل من الغواصات الأسترالية، التي لها مصلحة إستراتيجية معلن عنها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ولكن ليس لها وجود دائم هناك، يعتبر أمر منطقي لبدء معالجة هذا الخلل.
ومع ذلك، فإن الإعلان الإسترالي أثار غضب الحكومة الفرنسية، ليس لخسارة العقد فحسب، بل أيضًا لاستبعادها من اتفاقية الدفاع الجديدة التي يجب إدارتها من قبل كانبرا ولندن وواشنطن، ما لم تكن النظرية تقول أن التهديد الذي تشكله بكين كبير لدرجة أن باريس لن يكون أمامها خيار سوى ابتلاع كبريائها والتعاون على أي حال.