الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

سليمان شفيق يكتب: بابا الفاتيكان.. قديس معاصر يجول ليصنع خيرًا

سليمان شفيق
سليمان شفيق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يجول يصنع خيرًا، يحاول أن يلملم بقايا محبة اختلطت بدماء الإخوة الأعداء، ويدوس بأقدامه على كل تراب أهلكه الموت وهو أرض الحياة، وفي زياراته الأخيرة ما بين المجر وتشكوسوفاكيا، حذر البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، خلال زيارة قصيرة إلى المجر، من أن خطر معاداة السامية «لا يزال كامنًا» في أوروبا.
جاء تحذير البابا، خلال حديث له، عقب لقائه برئيس الوزراء المجري، فيكتور أوروبان، الشعبوى والمناهض للهجرة، والذى اختلف معه بشكل شديد وواضح بشأن قضية اللاجئين.
ويُتهم أوروبان باتخاذ مواقف معادية للسامية، لكنه وصف هذه الاتهامات بـ«السخيفة».
ومن المجر إلى سلوفاكيا؛ وصل البابا فرنسيس الأول، إلى براتيسلافا، اليوم الأحد، ليواصل جولته فى المنطقة، بعد زيارة استغرقت يومًا للمجر.
ووصل البابا إلى سلوفاكيا، وهى أول مرة يزور فيها بابا للفاتيكان سلوفاكيا، خلال 18 عامًا.
وبجانب اللقاءات الرسمية؛ زار البابا منطقة سكنية فى كوسيتش، يسكن فيها الآلاف من غجر الروما، الذين يعيشون هناك، على الرغم من الظروف الصعبة، وشد من أزرهم لكى يعلم الكبار محبة الفقراء والمهمشين.

يحب الموسيقى ويشجع برشلونة:
قديس معاصر برتبة بابا، أحب السينما والموسيقى الشعبية، ورقص التانجو، وشجع فريق برشلونة لكرة القدم. ـ راهب يسوعى من رهبان لاهوت التحرير السلمي، المنحاز للفقراء، وضد الظلم، واهتم البابا اهتمامًا خاصًا بالشرق الأوسط.
ومن ثم كانت زيارات البابا لمصر والعراق والخليج وفلسطين وعمان والأردن والمغرب، لها معانٍ خاصة، كبيرة على الاهتمام بأراضى الأنبياء ومهد الرسالات.
كانت زيارة البابا فرنسيس، إلى العراق لها دلالة خاصة، فالبابا يختلف عن معظم الباباوات، الذين جلسوا على كرسى روما طوال القرن العشرين، يتخطى دائمًا البروتوكولات الفاتيكانية، ولا تنطبق علية التحليلات التى تتعامل معه على أنه فقط رئيس الكنيسة الكاثوليكية.. أكبر كنيسة فى العالم.. بل قديس معاصر برتبة بابا.
لم يلتفت من قبل إلى الصراع الدائر والخفى بين الدواعش فى العراق، سواء كانوا الدواعش الذين يتحركون على الأرض، والذين يمولونهم من الحركات الوهابية، أو مخابرات الدول الكبرى والصغرى التى تخطط لهم وتقدم لهم الرؤية والمعلومات.
ومن هذا المنطلق كان هناك تحد حول تأمين تلك الزيارة، بل وارتفعت بعض الأصوات «المرتعشة»، تلمح بمدى الخطر الذى قد يتعرض له صاحب القداسة البابا فرنسيس، إلا أنهم كانوا لا يعرفون صاحب القداسة، كراهب يسوعى ورئيس أساقفة وقديس معاصر برتبة بابا كما طوبة الفقراء واللاجئين والمهمشين فى كل أنحاء العالم ومن مختلف الأديان، هذا القديس الفقير ومشروع الشهيد وشفيع المرضى والفقراء واللاجئين عاش كل الخبرات فى حياته.
ولد صاحب القداسة فى العاصمة الأرجنتينية بوينس ايرس، لماريو خوسية بيرجوليو وريجينا سيفورى ماريا فى عائلة مكونة من خمسة، وهو أكبر أشقائه الأربعة، وكانت أسرة والدته قد هاجرت من إيطاليا هروبا من الفاشية لذلك كان الطفل معنى اللجوء ومرارته الأمر الذى دفعه أن يبيع سيارته ويتبرع بثمنها للاجئين، كان والده يعمل فى السكة الحديدية ووالدته ربة منزل.
تلقى الفتى تعليمه الابتدائى فى مدرسة للآباء السالزيان،ثم فى الجامعة ببيونس إيرس تخصص فى الكيمياء، وحصل على الماجستير، وفى الرهبنة اليسوعية حينما كان يبلغ 21 عاما قدم النذور الرهبانية فى 12 مارس 1960، ودرس العلوم اللاهوتية والفلسفة وتابع دراسته فى الأدب وعلم النفس، وسيم كاهنا فى 13 ديسمبر 1969.
وبعد فترة وجيزة تعرض لمحنة صحية أدت إلى استئصال إحدى رئتيه، بعد صراع مع المرض ثلاثة سنوات، ثم عمل معلما للرهبان اليسوعين فى إسبانيا، واختير بعدها رئيسا إقليميا للرهبنة اليسوعية بالأرجنتين منذ 22 أبريل 1973، وحتى نهاية 1979، ثم عاد إلى التدريس فى جامعة سان ميجل، حتى وصل إلى عميد المعهد اللاهوتى فى سان ميجل، وفى 1986 حصل على الدكتوراه.
وسيم أسقفا مساعدا لرئيس أساقفة بيونس إيرس الكاردينال أنطونيو كاراكينو فى 1992 بعد اختيار البابا يوحنا بولس الثانى له، ثم رئيسا لأساقفة المدينة 1998، وهنا بدأت رحلة بورجوليو بالفقر الاختيارى والتواضع والانتصار للفقراء والعدالة الاجتماعية، وكان نصيرًا لرهبان لاهوت التحرير السلمى فى نضالهم ضد الظلم والديكتاتوريات فى أمريكا الجنوبية.
وعاش رئيس الأساقفة مثله مثل الفقراء فى شقة متواضعة من غرفة واحدة، وفى 2005، فى تلك الأثناء، وفى زيارتى للأرجنتين، شاهدته يسهم فى إحياء ذكرى الشهداء اليسوعيين، الذين استشهدوا دفاعا عن أفكار لاهوت التحرير، وعرفت أنه فى كل خميس عهد كان يذهب للسجون ويغسل أرجل السجناء والسجينات من سن 14 لـ21، وفعل ما لم يفعله بابا من قبل، حيث غسل فى زيارة لإحدى السجون فى خميس العهد أرجل فتاتين مسلمتين كان ضمن السجينات التى طبق عليهم الأسقف رتبة غسل الأرجل.
كما وقع وهو أول بابا للفاتيكان، اتفاقا تاريخيا، حول حقوق الكنيسة الكاثوليكية فى الأراضى الفلسطينية، وقال الفاتيكان خلال توقيع الاتفاقية 2015، إنه يأمل فى أن تساعد الخطوة فى تحويل «حل الدولتين» إلى واقع، وهو أول اتفاق يتم توقيعه منذ اعتراف الفاتيكان، بدولة فلسطين فى فبراير 2013.
وكان تم الاتفاق على توقيعه الشهر الماضي، الأمر الذى دانته إسرائيل واعتبرت أنه يعيق عملية السلام. ومن 2015 وحتى 2121 لم يكف البابا عن دعم القضية الفلسطينية، دعا البابا فرنسيس فى قداس الأحد قبل الماضى (الأحد) إلى إنهاء المواجهات فى مدينة القدس، غداة صدامات جديدة أسفرت عن أكثر من 90 جريحًا فى المدينة المقدسة.
وقال البابا، فى رسالة بعد صلاة الأحد إن «العنف لا يولد سوى العنف. دعونا نوقف هذه المواجهات»، جاء ذلك بعد المواجهات بسبب محاولات إسرائيل طرد الفلسطينيين من حى الجراح بالقدس».
وكانت زيارة فرنسيس الأول الأولى تلك المنطقة المشتعلة، تعد بمثابة رسالة قوية إلى أهمية حل القضية الفلسطينية بالنسبة للعالم أجمع.
وزار البابا خلال رحلته العاصمة عمان وبيت لحم والقدس، والتقى خلالها العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ليؤكد أن الفاتيكان تقف على مسافة واحدة من الجميع، وكل ما ترغب فيه هو حل القضية.

لا ننسى زيارته المقدسة لمصر:
بناء على دعوة من الرئيس، عبد الفتاح السيسي، أجرى بابا الفاتيكان زيارته الأولى لمصر، زيارة وصف خلالها فرانسيس الأول بأنه «رسول السلام»، حيث التقى خلال زيارته بالرئيس السيسي وفضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
واشترك البابا فرنسيس، مع البابا تواضروس، مع البطريرك المسكونى برثلماوس الأول، فى صلاة مسكونية تاريخية بكنيسة القديس بطرس والقديس بولس (البطرسية)، التى تم تفجيرها من قبل الإرهابيين فى 11 ديسمبر 2016، ثم أقام قداسا جماهيريا حضره قرابة 15 ألف شخص فى إستاد الدفاع الجوى بالقاهرة.

زيارة الخليج والأخوة الإنسانية:
وفى زيارة تاريخية استثنائية؛ لأنه كان أول بابا يخطو بقدمه أرض دول الخليج العربي، لحضور الاجتماع الدولى بين الأديان تحت مسمى «الأخوة الإنسانية» فى أبوظبي.
حضر البابا فرنسيس عدد من اللقاءات التاريخية والاستثنائية مع قادة الإمارات وشيخ الأزهر وعدد من القادة الإسلاميين، لكن كان أبرزها إقامته قداسا أمام 180 ألف شخص فى مدينة زايد الرياضية.
لم يمر سوى أيام قليلة على زيارته التاريخية إلى الإمارات، حتى عاد البابا فرنسيس إلى الشرق الأوسط، بزيارة إلى المملكة المغربية، التى زار فيها مدينتى الرباط وتمارة، فى زيارة هدفها نبذ التطرف والتعصب الديني.
ووقع البابا والعاهل المغربى إعلانا مشتركا يدعو إلى الاعتراف بـ«مدينة القدس كمدينة مقدسة والحفاظ عليها من أى عمليات تخريب، وعدم أحقية إسرائيل إعلانها القدس عاصمة له، وأن تكون المدينة مكان يتمتع فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون جميعا بالحرية الكاملة للوصول إلى كل مقدساتهم».
أبانا الذى قدم إلينا بالشرق الاوسط، وفى القلب منه مصر، رغم المخاطر ليتقدس اسمك، وتباركنا بزيارتك، ولو بيدى لغسلت أرجلك بدموعى وعطرتهما مثلما فعلت ساكبة الطيب. شكرا قداسة البابا على كل المعانى التى تريد تجسيدها فى تلك الزيارة.
هذا هو القديس الفقير ومشروع الشهيد وشفيع المرضى والفقراء واللاجئين عاش كل تل الخبرات فى حياته، وهنا بدأت رحلة بورجوليو بالفقر الاختيارى والتواضع والانتصار للفقراء والعدالة الاجتماعية.