الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

واسيني الأعرج : بوتفليقة أوقف الحرب الأهلية

الروائي الجزائري
الروائي الجزائري واسيني الأعرج
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اندهش الروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج من حالة الصمت التي سيطرت على المشهد الجزائري عقب إعلان وفاة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي حكم البلاد لمدة عشرين سنة من خلال عهدتين، كل عهدة عشر سنوات.

كتب "واسيني" على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كلمة تحت عنوان "عزلة حتى التلاشي"، ورد فيها: جاء الرئيس بوتفليقة رحمه الله، بضجيج كبير رافعا لواء المصالحة الوطنية وتوقيف الحرب الأهلية، والتقليل من هيمنة شبح السلطة العميقة، وهو ما فعله في العهدتين القانونيتين، ومات في صمت كبير، وعزلة تذكر بأبطال ماركيز العسكريين. 

عبدالعزيز بوتفليقة

وأضاف "واسيني": عشرون سنة من الحكم. عشريتان. العشرية الأولى أوقف فيها الحرب الأهلية حقيقة، حتى ولو  كان ثمن ذلك غاليا بالنسبة لضحايا الإرهاب، الذين كزوا على أسنانهم وقبلوا بحل يضمن على الأقل السلام للبلاد. أنجز جزءا مهما وحيويا من البنية التحتية للبلاد التي لم يمسسها تغير جوهري منذ الرئيس المرحوم هواري بومدين. الطريق السريع شرق-غرب الذي كان يبدو كاستحالة، عشرات الجامعات حتى المناطق الصحراوية النائية، تجديد المطارات وتحديثها، عشرات السدود التي خففت كثيرا من وطأة الماء، وغيرها. لكن هل تسير الدولة دون تغيير في بنياتها السياسية ودمقرطة الحياة العامة واحترام القوانين؟ لنقل أنه كان أكثر رؤساء الجزائر خبرة سياسية ودهاء وثقافة، ابن النظام بامتياز، لكن للأسف لم ينفعه ذلك في شيء. كان يظن أن تأصيل البنية التحتية كاف، ونسي بسرعة أن البنية التحتية، في ظل الفساد المالي، خلق طبقة من المستعاشين على حساب جودة المرافق المنجزة، ومال الدولة حتى أصبحت هذه المجموعة من المرابين ورجال المال الفاسد، قوة تشبه المافيا، دون أن يتعكس ذلك استثماريا على البلاد لأن المال الوطني كان يهرب بالملايين خارج البلاد. كانت المجموعة تأخذ شرعيتها من رئيس أول تدمير لصورته التي دخل بها كرجل دولة، القيام بفعل مضاد لثقافته السياسية بكسره للدستور وتدميره بكثرة الاستشارة، وتحويله إلى كومة أوراق لا قيمة فعلية لها. منذ تلك اللحظة بدأت عملية الانحدار نحو جهنم الذي دام حوالي العشر سنوات أخرى لم يكن فيها هو الحاكم الفعلي ولكن مافيا وجدت فيه الحاضنة الحامية لتمرير مشاريعها المالية والسياسية. 

واستكمل قائلا: كان وقتها الوحيد الأوحد في النظام القادر على توقيف السيستم الذي هلك البلاد منذ الاستقلال، والدخول في زمن آخر أكثر جدية وصرامة وقانونية وديمقراطية، ووطنية حقيقية، للأسف ذلك لم يحدث، التمركز الذاتي حول النفس لم يسمح له بالخروج من الشرنقة التي خيطت حوله برضاه. فقد بدأ العهدة الثالثة باختراق دستوري فادح، وكان بإمكانه أن يحول الدستور إلى وثيقة حقيقية ويعلن من خلالها عن الجمهورية الثانية ويغادر تاركا للجزائر مشروعا عظيما في الحكام والسلطة. ذهب في الطريق المختصر. السبب بسيط. تكونت مافيا مالية في حاضنته وكان عليها أن تدافع عن وجودها الحيوي، وكان من الصعب عليها التخلي عن السلطة حتى ولو اضطرها الأمر الدوس على قانون البلاد. كانت تعرف أن اية سلطة ستأتي ستجرها نحو المحاكم والسجون بسبب فداحة الفساد المالي وتخريب البلاد بمشاريع بدأ فسادها يظهر حتى قبل استلامها. خسر موعد الشبه بلينكولن، ولا لميتيران، كاسترو، لومومبا، ولا حتى لجمال عبد الناصر. الانهيار الصحي عجل في الكشف عن الكوارث التي أخفتها العصابة التي أصبحت تحكم البلاد بالوكالة. فتحول الرئيس بوتفليقة إلى مجرد واجهة. 

وأصبحت المجموعات المالية الناهبة واضحة في المشهدية السياسية وتلح بأن "الرئيس بخير" ويتلقى التكريمات بينما الرجل يسير على عربة لا يستطيع الكلام وحتى الصراخ، غير واع بكل ما كان يدور من حوله مع استهتار مفجع بشعب الأربعين مليون نسمة. شعب صبور حقا عوض مأساة الحكم بالنكتة. ووصل الانحطاط أدنى الدرجات حتى الحراك، الذي أسقطه من أجل بناء الجمهورية الثانية. ليستمر النظام بنفس الممارسات ونفس المستعاشين بل أحيانا بنفس الأشخاص، بعضهم كان متخفيا ظهر للعلن. وماتت فكرة الجمهورية الثانية، النظام يريد أن يستمر حتى ولو كان ذلك على حساب البلاد نفسها ووحدتها. 

الحراك الجزائري

وتساءل "واسيني": هل يمكن لحراك أن يستمر بلا قيادة وبلا رأس؟ وهل يمكن لجمهورية ثانية أن تبنى بلا قيادة ثقافية وفكرية سلطة متنورة، في ظل نظام عدوه رقم واحد هو المثقف؟ تلك قصة أخرى.. النظام بلا رحمة حتى مع أبنائه الذين بناهم على مدار السنوات المتلاحقة. وها هو موت رئيس جمهورية حكم عشرين سنة يمر، كأنه لا حدث. لا قرآن كريم كما جرت العادة؟ ولا برامج خاصة؟ ولا حديث عن مراسم الدفن؟ هل سيدفن في مقبرة عادية على مشارف تلمسان أو ندرومة، أم في مقبرة العالية حيث يجتمع رؤساء البلاد كلهم؟

واختتم الروائي الجزائري قائلا: احترام رئيس في موته هو جزء من احترام الدولة لنفسها. هل يمكننا اليوم أن نعلن عن موت الدولة وتحولها إلى مجرد سلطة حاكمة تمارس قوتها خارج كل القوانين والضوابط القانونية والأعراف؟