أستاذتنا الدكتوره فرحة الشناوي (رحمها الله)، قامت منذ قرابة عامين، مع وفد من مؤسسة تطوير الدقهلية، ومجموعة من طالبات مدرسة الثانوية بنات بالمنصورة، بزيارة قرية طماي الزهايرة، مركز السنبلاوين، مسقط رأس سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم.
مساء الخميس الماضي الموافق ١٦ سبتمبر الجاري، شاهدت حلقة من برنامج "حديث العرب من مصر"، للإعلامية المتميزة درية شرف الدين، مع مساعد وزيرة التخطيط ومدير مبادرة الرئيس حياة كريمة لتنمية الريف المصري، الدكتور جميل حلمى. مما قاله الدكتور حلمي "إن مشروع تنمية الريف المصري "حياة كريمة" يعمل على تحقيق أبعاد التنمية المستدامة، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية، ويراعي أيضًا البعد الثقافى. وأن أهم ما يميز هذه المبادرة هو مراعاة التكامل والترابط بين هذه الأبعاد".
وفي هذا المقال أعرض فكرة لطالما راودتنا أثناء وبعد زيارة قرية طماي الزهايرة، وهي تحويل هذه القرية التي وُلدت فيها السيدة أم كلثوم إبراهيم إلى قرية نموذجية، تكون متحفًا ومزارًا وتخليدا لذكرى "الست"، ومقصدا للسياحة الداخلية والخارجية على غرار قرية ستراتفورد، مسقط رأس الكاتب الإنجليزي الأشهر وليام شكسبير، والتي تقع في وسط إنجلترا بالقرب مدن برمنجهام وكوفنتري وليستر.
عند زيارتنا لقرية طماي الزهايرة، وجدتها كمعظم القرى المصرية تعاني من العشوائية وسوء التخطيط، الطرق ضيقة ومتعرجة وغير مرصوفة، وغير مؤهلة لدخول المركبات أو الأتوبيسات كبيرة الحجم؛ ولذا كنا نتحرك سيرًا على الأقدام، أما الفجيعة فكانت زيارة بيت الست أم كلثوم والتحدث مع أقاربها، البيت لا يوحي أنه مسقط رأس سيدة الغناء العربي، ولم أشاهد أي إشارة إلى "الست" غير رسم يدوي "حوالي متر مربع"، على حائط خارجي، لبيت قديم. عندما حاولنا أن ندخل البيت، قِيل لنا ليس هناك شيء يمكن مشاهدته، وأن فناء البيت به طيور منزلية. أمام هذا البيت القديم، كان هناك مبنى أحدث مكون من طابقين، يسكنه أقارب الست أم كلثوم وأحفاد أخيها خالد رحمه الله. قابلنا بعض أفراد الأسرة، وليتنا ما قابلناهم. خرجنا بانطباع سيئ جدا، وأن أحدا من المسئولين لم يلتفت إلى هذا الكنز الذي يمكن أن يكون مزارًا سياحيًا وثقافيًا للمصريين والأجانب.
اثناء وبعد الزيارة، عادت إلى ذاكرتي زياراتي المتكررة لبلدة "ستراتفورد أبون آفون"
(Stratford-upon-Avon) وهي بلدة صغيرة تقع في جنوب مقاطعة وركشير بإنجلترا على بُعد 35 كيلو متر شرق مدينة برمنجهام، و13 كم جنوب غرب مدينة واريك، وبالقرب من مدينة ليستر، وكان لي الحظ أن عملت وسكنت في هذه المدن في الفترة من ٢٠٠١-٢٠٠٣. تحولت البلدة إلى مقصد سياحي شهير باعتبارها مسقط رأس الكاتب المسرحي والشاعر الأشهر في الأدب الإنجليزي وليم شكسبير، حيث ولد وتوفي فيها. تحولت البلدة إلى متاحف ومسارح ومؤسسات ثقافية وفنية، ولذا لا عجب أن يزورها حوالي ٥ ملايين زائر سنويا، من جميع أنحاء العالم.
تذكرت أن زيارة بلدة شكسبير كانت متعة ثقافية وترفيه وتأريخ لحياة شكسبير الشخصية، ولمؤلفاته ومسرحياته التي تم ترجمتها وتمثيلها علي كل المسارح في كل دول العالم. كنت أهوى زيارة ستراتفورد للاستمتاع بالعرض المبهر لمؤلفات الكاتب العبقري. كانت زيارة واحدة كفيلة بالعودة عدة مرات للاستمتاع بالثقافة والفن والجمال. فهناك أماكن كثيرة يمكن الاستمتاع بها مثل مسرح شكسبير الملكي المخصص لأعماله، وهناك مسرح البجعة الذي يقع بجانب مسرح شكسبير الملكي، وهناك مؤسسة ويليام شكسبير وهي مؤسسة خيرية مستقلة بمثابة دار محفوظات لحفظ ودراسة أعمال شكسبير، وهناك معهد شكسبير التعليمي وهو تابع لجامعة برمنجهام. ومسرح كورتيارد، وكنيسة الثالوث المقدس التي عُمد ودفن فيها شكسبير. وكذلك مدرسة الملك ادوارد السادس التي درس فيها، وهناك متحف بيت ناش. وحتي منزل والدته التي وُلد فيه، ووالده الذي كان يصنع فيه القفازات، ومنزله الذي اشتراه بعد عودته من لندن، كل ذلك تم تحويله إلى متاحف.
خلال زيارتك لبلدة شكسبير سوف تشاهد أفلامًا تسجيلية تعرض تاريخ وظروف كتابة كل أعماله، والتي تشمل ٣٩ مسرحية، ١٥٨ قصيدة قصيرة، وبعض القصائد والقصص الشعرية، أعظم كلاسكيات الأعمال المسرحية مثل هاملت وروميو وجولييت، ومكبث، وحلم ليلة منتصف الصيف، وترويض النمرة، وتاجر البندقية، ويوليوس قيصر، وعطيل، والملك لير، وأنطونيو وكليوباترا، هي من تأليف هذا العبقري. اللطيف، انني حضرت مسرحية "الملك لير" للفنان العظيم يحي الفخراني على المسرح القومي في القاهرة، وبحق استمتعت بالاداء الرائع، وطوال العرض كنت أقارن الأداء التمثيلي للفخراني وزملائه مع أداء الفرق الإنجليزية. الحق أن أداء المصريين أجمل وأروع بكثير من كل الفرق العالمية التي قدمت نفس المسرحية.
الآن يتبادر إلى ذهني السؤال المهم: هل يمكن أن نجعل طماي الزهايرة مثل ستراتفورد؟
والإجابة، أنني أعتقد أن ذلك قد أصبح ممكنا، خاصة وأن إنتاج أم كلثوم في الثقافة العربية لا يقل عن، بل قد يكون أكثر غزارة وأعمق تأثيرا من إنتاج شكسبير في الثقافة الإنجليزية. أم كلثوم طوال مشوارها الفني قدمت حوالي 700 أغنية هي موروث ثقافي وفني للعرب من المحيط إلى الخليج، أم كلثوم غنت لكل الشعراء الذين كتبوا العربية، أو تمت ترجمة أشعارهم إلى العربية، خاصة شاعر الشباب أحمد رامي الذي قدم لها ١٢٦ أغنية، وبيرم التونسي الذي قدمت له ١٢٢ أغنية. ولحن لها أعظم الملحنين في زمانها، خاصة رياض السنباطي وعبد الوهاب وبليغ حمدي. أم كلثوم حدوتة مصرية من الممكن أن نحول قريتها طماي الزهايرة مركز السنبلاوين دقهلية لكي تصبح مزارًا سياحيا تجتذب الملايين من السياح، مثلما حول الإنجليز قرية ستراتفورد إلى معلم سياحي يزوره ٥ ملايين سائح سنويا، والفرصة سانحة الآن في وجود مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي حياة كريمة لتنمية الريف المصري.